لبنان
04 نيسان 2024, 07:25

البطريرك الراعي: "يسوع يسير معنا، في حياتنا، في حُلْوِها ومرِّها"

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه البطريرك المارونيّ الكردينال بشارة الراعي رسالته الفصحيّة كما في كلّ سنة في صباح سبت النور في حضور عددٍ من المطارنة والرؤساء العاميّن والرئيسات العامّات والإقليميّين والإقليميّات وعددٍ من الكهنة والرهبان والراهبات للصلاة معًا وتبادل التهناني بعيد الفصح المجيد.

 

نقلت اللقاء وسائل إعلامٍ مختلفة ومنها "أخبار الفاتيكان" التي منها نستقي أبرز ما جاء في هذه الرسالة التي انقسمت بوضوح إلى جزءٍ روحيّ كما تفرض المناسبة التي جمعت الحضور ومَوقِعُ المتحدّث ومسؤوليّته، وجزءٍ وطنيٍّ اجتماعيّ كما ترسّخت عادة البطاركة الموارنة الذين لا ينفصلون عن شعبهم اللبنانيّ.  

نختصر في ما يلي ما جاء في رسالة البطريرك الكردينال الراعي:

"أتطلبن يسوع الناصريّ الذي صُلب؟ لقد قام" (مر١٦: ٦)

حدثان تاريخيّان مرتبطان ومتكاملان: موت يسوع وقيامته، وكتب عنهما بولس الرسول: "مات فدى عن خطايانا، وقام لتبريرنا" روم 4: 25). ما يعني أنّ بالمسيح كلّ شيء صار جديدًا.

شرح قداسة البابا فرنسيس معاني "الذهاب إلى الجليل" بعد قيامة الربّ من الموت:

أ- الذهاب إلى الجليل حيث اللقاء الأوّل بين يسوع وتلاميذه، يعني البدء من جديد؛ هذا هو نداء الفصح: يمكن دائمًا البدء من جديد.

ب - الذهاب إلى الجليل يعني اجتياز طرقات جديدة، والتحرّك في اتّجاهات تعاكس القبر الفارغ. وهذه دعوة لعدم البقاء في إيمان الطفولة واستذكار عاداتها وماضيها. فيسوع ليس من الماضي بل هو حيّ هنا والآن، يرافقنا لنحيا حياتنا بحُلْوِها ومرّها، ونجتازها بفرح وانشراح وعزاء.

ج - الذهاب إلى الجليل يعني أن نتعلّم أنّ الإيمان يقتضي، لكي يكون حيًّا، معاودة السير كلّ يوم بشجاعة اللحظة الأولى وباندهاش اللقاء الأوّل، وانتظار مفاجئات المسيح المذهلة في حياتنا اليوميّة.

د - الذهاب إلى الجليل يعني الذهاب إلى الأماكن البعيدة. هناك يسوع بدأ رسالته. ليست "البعيدة" بالمسافة فقط، بل بشعبها المتنوّع والمختلف وربّما الصعب أيضًا. لكنّ المسيح القائم من الموت يسبقنا إليها، وهناك يعضدنا لنتخطّى الحواجز، ونزيل الأحكام المسبقة.  

يعني أيضًا أن نتقرّب ممّن هم بقربنا كلّ يوم، ونكتشف نعمة العلاقات اليوميّة المتجدّدة.  

هذه هي ديناميّة الاحتفال بعيد الفصح كعبورٍ من قديم إلى جديد. لا يقف عيد القيامة عند حدود التذكار، بل يتعدّاه إلى قيامتنا نحن، وقيامة كلّ إنسان من عتيق إلى جديد، وعلى الأخصّ كلّ صاحب مسؤوليّة.  

 

ثمّ خاض البطريرك الراعي الشقّ الوطنيّ والاجتماعيّ من رسالته بما أنْ "نحن لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسي شعبنا، ولا أن نصمّ آذاننا عن أنين وجعه، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلّا نشعر معه. من واجبنا أن نعطيهم صوتًا من خلال صوتنا، في عديد من القضايا".  

ومن هذه القضايا:

غياب رأس الدولة عن المشهد اللبنانيّ وسأل البطريرك: أين الميثاق، وأين العنصر المسيحيّ الأساسيّ في تكوين الميثاق الوطنيّ؟

القطاع التربويّ، كنز لبنان والذي لا يزال يعاند الأزمة الاقتصادية التي تضعه أمام تحدّين أوّلهما الحفاظ على قيمته ودوره الجلل وحياة الأساتذة الكريمة، والثاني يمسّ الأهل الذين يتزايد عدد من منهم صار عاجزًا عن تسديد أقساط تعليم أولادهم. قال البطريرك إنّ من واجب الدولة الإسراع بإقرار تشريعات جديدة تؤمّن الاستقرار للمعلّم وتضمن له حقّه في تقاعد كريم.

في الإطار التربويّ أيضًا تناول البطريرك مسألة المدارس المجّانيّة التي خرّجت آلافًا من الطلّاب وهي ثبّتت الناس في قراهم، وتساهم في توظيف آلاف العائلات وقال "على المسؤولين إعطاء الأولويّة لمعالجة أزمة هذه المدارس من خلال:

اوّلًا: صرف مساهمات السنوات المنصرمة  

ثانيًا: تعديل المادة 78 من القانون رقم 144 تاريخ 31-7-2019 ثالثًا: المحافظة على إجازات المدارس المجّانيّة وتأمين الدعم اللازم لها لمنع تشريد آلاف العائلات من ذوي الدخل المحدود

أزمة إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان، هنا تسآل البطريرك بشارة الراعي عن الفائدة والغاية من استمرار إقفال بعضها حتى اليوم؟ ولماذا تمعن الدولة في قهر الموظّفين لديها ولا تتعامل بوضوح وجرأة وتجرّد مع قضاياهم

مشكلة تخلّف الدولة عن دفع مستحقّاتها للمستشفيات، وأعطى أمثلة بالأرقام

أزمة مؤسّسة الضمان الإجتماعيّ، "ففي السنوات الثلاث الماضية نرى توقّفًا شبه تامّ لخدمات الضمان الاجتماعيّ في الطبابة والاستشفاء في ظلّ إنهيار العملة"

معاقو الجيش اللبنانيّ في محافظة عكّار الذين قصدوا بكركي وشكروا المؤسّسة العسكريّة التي لم تقصّر معهم ثم أتت الأزمة وقسمت ظهورهم بثقلها وشكروا المؤسّسات التي دعمتهم ببعض الحاجات الخاصّة وطلبوا من البطريركيّة أن تضمّ صوتها إلى صوتهم لمساعدتهم من الخيّرين.

الحرب على الجنوب اللبنانيّ قال عنه البطريرك "هذا الجبل، هذا الجنوب هو اليوم قلب لبنان، لأنّه في أقصى المعاناة وأقساها، فنحيي الجنوبيّين الصامدين في بلداتهم...ومن فقدوا أحبّاء لهم، والذين دُمّرت بيوتهم والذين تشرّدوا...".

و "يجب ألّا يتحوّل جنوبنا من أرضٍ وشعب الى ورقةٍ يستبيحها البعض على مذبح قضايا الآخرين وفي قواميس حروب الآخرين.

فجنوب لبنان بل كلّ أرض لبنان هي لكلّ اللبنانيّين الذين يقرّرون سوياً ومعاً مستقبل وطنهم وسلامه وأمنه...ولا بدّ من تحييد الجنوب عن آلة القتل الاسرائيلية وإعلاء مفاهيم السلام والقيامة على سواها من المفاهيم المغلوطة."

ط - من تأثيرات واقع الحرب واللاحرب مشكلة القطاع السياحيّ الذي يتأثّر جدًّا...وهو  مهدّد بمصير أسود إذا ما استمرّت الأوضاع على ما هي عليه...

والنزوح السوريّ وهنا توجّه البطيرك الراعي إلى السوريّين قال:  

"لا تستهويكم أرض لبنان، بهوائها وجمالها وطبيعتها وإمكانيّات العمل فيه، فتضحّوا بوطنكم سورية بتاريخها، وتقاليدها وحضارتها."

لقد فقد حياد لبنان الإيجابيّ الناشط، ودخل رغمًا عنه في صراعات ومحاور وحروب إقليميّة ودوليّة...

هذا الحياد ليس مستحيلاً بل هو ركيزة قيام لبنان الجامع والمتّحد بعيداً عن محاولة بعضنا الاحتكار او آخر الاستئثار بالسلطة، فالاستئثار بالدولة على حساب بعضنا البعض.

نريد لبلدنا الحياد الإيجابيّ الناشط أو التحييد الفاعل وهو من جوهر هويّته وليس اختراعاً بل تجربة عشناها في القرن التاسع عشر.

ثمّ ختم البطريرك الكردينال بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونيّة الأنطاكيّة رسالته الفصحيّة للعام 2024 بالقول: "نعلن إيماننا بالمسيح القائم من الموت، سيّدًا على العالم والتاريخ، جاعلًا إيّانا قياميّين وجماعة الرجاء والتجدّد والبدء دائمًا من جديد.

المسيح قام! حقًّا قام!"