البطريرك الراعي يزور دير الحياة الجديدة للجماعة الرهبانية المارونية - رسالة حياةفي مقر الرئاسة العامة انطلياس- الاربعاء 16 آذار 2016
بداية القى الأب العام وسام معلوف كلمة ترحيبية بحضور السفير البابوي غابرييل كاتشا، شدد فيها على "التقدير والإمتنان الكبيرين لهذه المبادرة والمحبة الملفتة والزيارة المباركة لصاحب الغبطة للدير."
ورأى معلوف ان "الكنيسة المارونية التي عرفت عبر الأجيال معنى الظلم والإضطهاد تمرست وتجذرت في حسن الضيافة والمحبة، خاصة للمضطهدين والفقراء والمهمشين، وقال:" إسمحوا لي أن أتناولَ في كلمتي نُقطَتَيْن من تنشئة غبطتكم بمناسبة أحد الإبن الضال، لِما لهما من دلالاتٍ في هذا اللّقاء المبارك. الأولى عندما تحدّثتم عن فظاعة اضطهاد المسيحيين، تحديداً في الآونة الأخيرة، إلاّ أنّكم أشرتم بوضوح إلى ما هو أدهى وأفظع، وهو عدم الإيمان الحيّ والواقعيّ بالله، وقد اعتبرتموه اضطهاداً أقوى من الأوّل، بحيث نبقى على الشّكليّات والسّطحيات، وذلك يضرُبُ عمقّ حياتنا المسيحيّة وتحديداً على الصّعيد الرّوحيّ، ممّا يُشرذمنا ويجعل قدرتَنا على الشّهادة أضعف في مواجهة التّحديّات. إنّ هذه المقاربة من قِبَل غبطتكم، تدفعنا إلى إعادة قراءةٍ عميقة وموضوعيّة للأحداث والوقائع، من أجل الردّ على كلّ هذه الهجمات الوحشيّة بالأساليب الإنجيليّة المُتاحة، فنبقى متأصّلين ومتجذّرين في قِيَمنا المسيحيّة. وما هذه المبادرات من قِبَلكم، إلاّ خطوةً في هذا الإتّجاه."
وتابع معلوف:" أمّا بالنّسبة للنّقطة الثانية، فلقد أشرتم إلى أنّه في عالم اليوم، كُثُرٌ هم الذين يعتقدون أنّ الساحة هي لمن يُرهب النّاس بالسّلاح، وبالتالي بالعنف والظّلم، وشدّدتم على دعوتنا، كمسيحيين، لنؤكّد بأنّ السّاحة الحقيقيّة هي للحب، متذكّرين بأنّ الرّسل والمسيحيين الأوائل بشّروا بهذه السّاحة، وعاشوا شهادة الحبّ وواجهوا بالوسائل السّلميّة أكبر السّلطات والأباطرة. وما هذه المبادرة وما هذا اللّقاء مع العائلات التي تهجّرت من بلادها بسبب الحرب والعنف، إلاّ ردّاً إنجيليّاً مميّزاً برمزيّته، لترسيخ القيم التي تنادون بها. إنّ هذا يتكامل مع من يُنادي به وباستمرار قداسة البابا فرنسيس، وقد أعلن هذه السّنة، سنةَ الرّحمة، للتّأكيد على أهميّة الحب والرحمة في وجه الأحقاد والوحشيّة المتمادية."
وختم معلوف:" نصلّي معكم ومع كلّ كنيستنا المارونيّة والكنيسة جمعاء ليحلّ السّلام، ولكي يُلهمَ الله المسؤولين والمؤتَمَنين على الخير العام للتّخفيف من المعاناة والمأساة. آمين."
بعدها القى المطران زيدان كلمة قال فيها:" أرحّب معكم اليوم بصاحب الغبطة والنيافة، غبطة أبينا السيد البطريرك الذي جاء ليكون بيننا وينظر ما تقوم به جماعة "رسالة حياة" على أرض أبرشيّتنا من أجل تخفيف الدّمعة وازدياد البسمة عند الذين قسى عليهم المجتمع. حضوركم اليوم، في هذا الدّير، دير "الحياة الجديدة" - أنطلياس، هو أيضاً تخفيف للدّمعة وإشراقة للبسمة. مبادرات جماعة "رسالة حياة" تُعيد إلى ذهني كلمات تبادلتها مع أبناء وبنات إحدى رعايا الأبرشية، الذين أرهقتهم نُظم الخطيئة في مجتمعنا وتعميم الفساد. قالوا لي: "جئناك اليوم نضع بين يديك هدايا ثلاث. لا ذهباً ولا مرّاً ولا لبناناً، كما حمل المجوس، بل نضع فقرنا والدّمعةَ والبسمة، وهذا جلّ ما نملك. الهديّة الأولى وهي الأثمن لدينا، قالوا: هي فقرنا. إننا في بيتنا نرزح تحت وطأة الضّغوط المادية، ونواجه صعوبة العيش ونحمل فقرنا بفرح، لأنّه مشاركة بحياة يسوع الفقير التي عاشها في عائلة فقيرة وأكمل حياته متجوّلاً دون موضع يُسند إليه رأسه. فالمسيح، يوم جاء الأرض، جاءها لأمثالنا وقرّبنا إليه، فصار الفقر جواز سفر يُفضي بنا إلى ملكوته."
وتابع زيدان:" أمّا الهديّة الثانية فهي دمعتنا، فنحن نبكي أولادنا الذين تقسو عليهم الحياة. فمنهم من يبغي العلم ولا وسيلةً لذلك، ومنهم من يمرض ولا إمكانية لعناية صحيّة ومنهم من يهاجر لأنّ بلادنا ضاقت بهم. والباقون لا يزالون يعيشون في قفصهم متعبين، لا يجدون أيّ سبيل أمامهم، ليؤسّسوا لحياة طالما حلموا بها. فرص العمل معدومة وتملّك شقّة للعيش فيها أصعب من دخول الجمل خرم الإبرة، ولا من مبادرة تنمويّة. اليوم، تنمزج دموعنا بدموع اللاّجئين الذين أتوا إلينا من العراق الحبيب ومن سوريا المتألّمة وصرنا وإيّاهم أبناء رعيّة واحدة. والهديّة الثانية هي البسمة، هي فرح الحياة التي نعيشها معاً في الرعيّة، والكنيسة باتت واحةً نلتمس فيها السّلام وجفاف الدّمعة، واحةً من الضّحك والفرح. لقد اكتشفنا أنّ من يحزن ويتألّم وحدّه يعرف الفرح الحقيقيّ، ويقدّمه. فمن يأتي إلينا، يختبرُ وجهاً من أوجه الفرح، لم يألفه أحد."
وأردف زيدان:" صاحب الغبطة، أيّها الأحبّاء، لقد تملّك الفساد بمجتمعنا واستفحل الجشع، فقُهر الضّعيف وسُحق. والسّلطات السياسيّة صمّت آذانها عن أنين الفقراء، وهم يعلمون أنّ لا حلّ لمشكلة الفقر إلاّ بنظام سياسيّ واقتصاديّ يرعى العدالة والمساواة. والويل لمن يعلم ولا يبادر. كم أنذرتم يا صاحب الغبطة وكم واجّهتم وكم تألّمتم ولا من يستجيب من أجل إعادة الحياة إلى المؤسّسات الدّستورية وتجدّدها وتنقيتها من كلّ ما يُفسد رسالتها. هذه الهدايا التي وضعوها بين يدي، نضعها اليوم أمامكم، ونجدّد لكم معها حبّنا وخضوعها بحكمتكم وتدبيركم الأبوي وشركتنا مع جميع إخوتنا أبناء وبنات أبرشيّتنا. نحن نعلم أنّ لا قدرة لنا على حلّ معضلة الفقر والحرمان، ولكن بمقدورنا أن نخفّف الدّمعة ونزيد البسمة، وهذا السّعي يكلّل رأس أعضاء جماعة "رسالة حياة"، زارعين الأمل والبسمة حيثما حلّوا، فلهم منّا كلّ تقدير وشكر ودعاء، طالبين أن نبقى دوماً في شركة الصلاة والمحبة."
بدوره رحب غبطته بالحضور وقال:" يُسعدنا اليوم أن نلتقي في هذا المكان، في البيت الأم لجماعة "رسالة حياة"، كي نكرّم البعض من العائلات التي وقعت ضحيّة الحرمان في وطننا وضحية الحروب في سوريا والعراق، ولكي نعبّر مع جماعة "رسالة حياة"، عن محبّة المسيح التي اختارتها الجماعة منذ تأسيسها وانطلقت حسب قوانينها وروحانيّتها من سرّ الثالوث الأقدس؛ من محبة الآب وحنانه، من نعمة الإبن الذي دعاهم كي ينشروا كلمة محبّته ويجسّدونها في الأفعال على هدي الرّوح القدس وطريقهم السير على خطى المسيح، وهي الطاعة والعفّة والفقر، نحو المحبة الكاملة. الجماعة التي انطلقت بهذا الإيمان وبإيمانها الكبير تمكنّت من تأسيس وبزمن قليل هذه المؤسسة وسواها من المؤسسات، وكلّها من فضل العناية الإلهية والمحسنين، ولكن الأساس هو إيمانهم العميق بالعناية الإلهية."
وتابع غبطته:" معكم نبارك هذه الجماعة ونشكر الرب عليها. هذه الجماعة التي تدخل مع الكنيسة وفي الكنيسة إلى جانب رهبانيّاتنا، ومؤسساتنا الخيرية والإنسانية والإجتماعية العديدة، حيث تحمل كلمة الله المعزيّة، كلمة الإنجيل، وتخدم الكلمة والرحمة ولولا أبرشيّاتنا ورهبانيّاتنا، ولولا المؤسّسات التّربوية والإستشفائية والإجتماعية والإنسانية، لم يكن هناك مجال للإلتفات الى اي إنسان بحاجة إلى مساعدة. نحيّيهم جميعاً ونحيّي كلّ الإرادات الطيّبة من المجتمع الأهلي والمدني، من بلديات ومخاتير ومؤسسات أهليّة، وكلّ يعمل بحسب طريقته، يضعون يدهم كي نواجه الكارثة الدّاخليّة التي لفت اليها سيادة راعي الأبرشيّة بكلمته، وهو الوقت الذي وصلنا إليه، بسبب نوع من سياسة مرفوضة منّا طبعاً، لأنّها سياسة الهدم وتفكيك البلد وسياسة إفقار المواطنين وسياسة تهجيرهم، من دون أيّ اهتمام أو عناية، وكأنّ العمل السياسي أصبح استبداداً بالشّعب. نشكر الرب على وجود كلّ المؤسسات التي تحتضن شعبنا. ولكننا لا يمكننا أن نقبل بأيّ شكل من الأشكال استمرارية هذا النوع من السياسة الهدّامة للوطن وللشّعب."
وأضاف غبطته:" من المؤكّد أنّ الرب يُرسل مؤسسات من هذا النوع الذي نتحدّث عنه، كي يلملموا ضحايا الحروب والإهمال، ولكن ومن هذا المكان، يجب أن نوجّه كلمةً إلى الضّمير العالمي، ونقول أنّه لا يحقّ لأحد أن يفرض حروباً على بلدان ويهجّر شعوباً من أرضها ويجعلها مشتتةً على طرقات هذا العالم. سنلتقي اليوم مجموعة صغيرة من إخواننا المشرّدين في سوريا والعراق، أمام الملايين المشتّتين على دروب العالم، وتحت الخيام، وكأنّ هؤلاء لا قيمة لهم، ولا علاقة لهم بالحياة الإجتماعية. إلاّ أنّ الكبار ومن أجل مصالحهم السياسية ومصالحهم الإقتصادية والإستراتجية، يفرضون الحروب والأسلحة ويهيّئون المرتزقةً ويعملون على هدم الشّعوب، لذلك ومن هذا المكان، حيث يُعلن إنجيل المحبة، إنجيل يسوع المسيح، وفي سنة يوبيل الرحمة الذي دعا إليه قداسة البابا، نوجّه هذا النّداء إلى الضّمير العالمي: كفى حروباً وقتلاً وهدماً وتهجيراً للمواطنين الآمنين في بيوتهم، كفى حرمانهم من جنى عمرهم، ولحكّامنا في لبنان نقول: كفى مواصلتهم في هدم مؤسساتنا بدءاً من رئاسة الجمهورية وفراغها، وصولاً إلى تعطيل المجلس النّيابي بكليّته، وإلى تعطيل الحكومة وتفشّي الفساد وهذا أمر مرفوض كليّاً."
وقال غبطته:" نحن هنا لا نحلّ قضيّة كلّ الفقراء. نحن هنا للقيام بعلامة بسيطة صغيرة ومتواضعة من محبة المسيح. علامة صغيرة من رحمة الله، والمطلوب منّا جميعاً أن نعيشها، ليس فقط جماعة "رسالة حياة"، وليس فقط المؤسسات الإجتماعية والخيرية، وعلى رأسها جهاز الكنيسة "كاريتاس لبنان". ليس فقط مؤسساتنا في الأبرشيّات والرّهبانيّات، وليس فقط أصحاب الإرادات الطيّبة في الجتمع الأهلي، بل المسؤولين السياسيين المؤتمنين على الخير العام وعلى مقدّرات البلاد، هم مسؤولون عن الرحمة والمحبة وتأمين الخير العام. الكنيسة تلملم، ولكنّهم لا يحقّ لهم أن يرموا بالبشر على دروب الحياة."
وختم غبطته:" جئنا اليوم للتّعبير عن محبّتنا لهذه الرّهبانية المارونية في العالم، وجئنا لنلتزم جميعنا، كلّ منّا من موقعه، بخدمة محبّة الله ونغرف من سنة الرّحمة المقدّسة مع البابا فرنسيس، مزيداً من الرّحمة كي تخرج كلّ القلوب من تحجّرها. عاشت المحبة والرّحمة، عاشت جماعة "رسالة حياة"، عشتم وعاش لبنان."
بعدها ترأس البطريرك الراعي الذبيحة الإلهية في كنيسة مار شربل في الدير وعاونه المطارنة بولس صياح، كميل زيدان وحنا علوان، والأباتي داوود رعيدي، بحضورالسفير البابوي غابرييل كاتشا، رئيس دير مار الياس انطلياس الأب جوزيف ابو رعد الأنطوني، الرّؤساء العامين والآباء، رئيس المجلس البلدي في أنطلياس، و العائلات اللّبنانية والسورية والعراقية.
بعد قراءة الإنجيل القى غبطته عظة جاء فيها:" منذ 2000 سنة أعلن الرب يسوع زمناً جديداً، هو زمن الرّحمة الإلهية، التي تجلّت بشخص يسوع، فصار الله إنساناً ليحمل محبّة الله ورحمته إلى كلّ إنسان. منذ 2000 سنة والرب يسوع يمشي عبر الكنيسة، العاملة على حضوره مع كلّ إنسان، ليصل بالإنسان إلى ميناء الخلاص الروحي والإقتصادي والمادي والثقافي والإجتماعي والوطني. هذا ما أعلنه يسوع في مجمع النّاصرة ذات سبتٍ، وفي نبوءة أشعيا التي كتبت عنه، قبل ميلاده: "روح الرب عليّ، مسحني وأرسلني لأعلن زمناً جديداً في العالم." هذا هو الزّمن الجديد الذي ننتمي إليه، وقداسة البابا فرنسيس،في يوبيل الدّعوة والإفتتاح لسنة الرّحمة المقدّسة، أعاد إلى أذهاننا هذا الإنجيل ليقول، إنّ السنة المقدّسة، سنة الرّحمة، تندرج في هذا الزّمن المسيحانيّ الجديد. والكنيسة بمؤسّساتها الإجتماعية والإنسانية ورعاتها ومؤمنينها ومؤمناتها وشبابها ورعاياها ومؤمنينها في العالم، تسير بهذا الخطّ، خطّ الزّمن المسيحاني الجديد، خطّ الرّحمة. ومن بين مؤسّساتنا الجماعية الرّهبانية المارونية، رسالة حياة التي تجمعنا اليوم في هذا المكان المقدّس حيث تتجلّى كلمة الله ومحبته ورحمته."
وتابع غبطته:" باسمكم جميعاً أحيّي هذه الجماعة الرّهبانية "رسالة حياة"، وأحيّي رئيسها العام الأب وسام معلوف، وكل أعضائها من إخوة وأخوات. ونحيّي كل أسرة جماعة "رسالة حياة"، الإخوة الذين تخدمهم هذه الجماعة، من أطفال وشباب ومسنّين في مختلف وقائع حياتهم وحاجاتهم، فهم يحملون إليهم بحسب روحانيّتهم كجماعة "رسالة حياة" كلمة الله المعزّية التي تخاطب قلوبهم، ويجسّدون الكلمة بأفعال محبّة ورحمة. نقدّم معكم هذه الذّبيحة من ازدهار ونموّ هذه الجماعة وأن تظل في قلب الكنيسة وعمقها، إلى جانب رهبانيّانا وأبرشيّاتنا ومؤسّساتنا، إلى جانب كلّ مُحسن ومحسنة في المجتمع الأهليّ، وتظل تنمو وتشهد لكلمة الإنجيل، تعلنها بالكلمة وتجسّدها بالأفعال. ونذكر في هذه الذّبيحة أيضاً،كلّ إخواننا وأخواتنا والعائلات اللّبنانية التي تعاني من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي نعيشها. والعائلات الآتية من سوريا والعراق العزيزيْن، الذين نُكبوا إلى جانب الملايين من أبناء هذين الوطَنَيْن اللَّذّيْن فُرضت عليهما فرضاً الحرب، فهدّمت بيوتهم وهجّرتهم وشتّتهم على دروب الشعوب وأوقفتهم جماعات جماعات على أبواب الدّول. نحن نصلّي من أجلهم كي تتجلّى رحمة الله لهم، وكي يرسل الله لهم ملائكة رحمته من كلّ ذوي الإرادة الطيّبة الذين يمدّون إليهم يد المعونة والكلمة الجميلة والضيافة."
وأضاف غبطته:" نشكر جماعة "رسالة حياة" على العمل الذي تقدّمه بقدر إمكاناتها وقد أصبحت والحمدلله أكبر وأكبر، بفضل إيمان هذه الجماعة. هذه المؤسسة التي تجمعنا هي أكبر دليل على الإيمان بالعناية الإلهية. وهناك مؤسسات أخرى أنشأتها بفضل محسنين وضعهم الرب على طريق جماعة "رسالة حياة". نحن نصلّي اليوم من أجل أن يُخرجنا الرب من الأزمات الإقتصادية والسياسية والأمنية في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان. نصلّي من أجل نهاية الحروب والوصول إلى حلول سلمية سياسيّة ومن أجل إحلال سلام عادل وشامل ودائم في هذه الدول. وكم يؤلمنا أن تكون هذه المنطقة من الشرق الأوسط، كما ذكّرنا البابا بنديكتس السادس عشر في الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط": "يؤلمنا ويؤلم الكنيسة أن تكون الأرض التي اختارها الله وباركها وتجلّى عليها كلّ سرّه. في هذه الأرض، تجسّد الإله. في هذه الأرض رُفع صليب الفداء. في هذه الأرض أُنشئت الكنيسة. من هذه الأرض انتشر إلى العالم إنجيل المحبة والسلام. حكّام الدّول جعلوا من هذه الأرض المقدسة، أرض حديد ونار." لكننا لا نعلن انكسارنا، فمأساة الصليب لم تنته يوم الجمعة بل الأحد. الصّليب هو طريق إلى القيامة لذلك أدعوكم من تمثّلون وطنكم سوريا والعراق، ثقوا أنّ الكلمة الأخيرة لسيّد الحياة يسوع المسيح، وليست لأسياد هذا العالم، والكلمة الأخيرة ليست للسّلاح بل للإنجيل، والكلمة الأخيرة ليست للقتل والبغض والحقد، بل للمحبة والرّحمة."
وتابع غبطته:" هذا هو الزّمن الجديد الذي أعلنه يسوع وافتتحه، ولا بدّ لنا أن نسير في هذا الزّمن الجديد. كلّنا مسؤولون عن هذا الزّمن الجديد. نحن كمسيحيين مسؤولون بحكم المعمودية والميرون وقد أشركنا الرب بهذا الزمن، نحن مسيحيون بمقدار ما نحن نردد ما قاله الرب يسوع عن نفسه: "روح الرب عليّ، مسحني وأرسلني من أجل زمن جديد، زمن الرّحمة والمحبة، زمن الإنسان. الإله صار إنساناً ويقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني: "جعل الإنسان طريقه الأساسيّ" والكنيسة لها طريق أساسيّ واحد وهو الإنسان كلّ الإنسان. وقد خطّ طريقها يسوع المسيح الذي تندرج فيه جماعة "رسالة حياة". تندرج في خطّ الشهادة ليسوع والعمل من أجل السلام والرحمة في العالم. هذا هو سرّ الله. بيننا ضحايا، بعضنا قتل وبعضنا يتألّم وبعضنا يحمل إعاقة وبعضنا شُرّد، نعم كلّها مشاركة في آلام الفداء. أدعوكم لأن نقدّمها آلاماً تواصليّة مع آلام المسيح في سوريا والعراق وفلسطين وفي أيّ بلد آخر من أجل فداء العالم. لن تذهب آلامنا سُدىً وإنّما ينبغي علينا أن نضمّها مع آلام المسيح. هذا المشرق والعالم المفروضة عليه الحروب بحاجة إلى الفداء."
وختم غبطته:" نحن نواصل عمل الفداء. هكذا أدعوكم أيّها الأحباء، لا أن نبكي ولا أن ننوح، بل أن نؤمن ونرجو ونقول "لتكن مشيئتك يا رب". "مع آلامك يا يسوع" من أجل فداء هذه الأرض التي أنت افتديتها. رسالة كبيرة نحملها أيّها الإخوة، والروح القدس فاعل فينا. عندما اختارت جماعة "رسالة حياة" بإلهام إلهي وانطلقت قالت: "نحن نؤمن أنّ حنان الرب الآب يدعونا وأنّ كلمة الإنجيل ليسوع المسيح مستودعة لدينا لكي نقدّم عزاءً لإخوتنا. وأنوار الروح القدس تهدينا إلى كلّ إنسان بحاجة إلى محبّتنا. ليبارك الرب هذه الجماعة وكلّ العاملين في هذا الزّمن الجديد. زمن المحبة والرّحمة، زمن الإنسان. نحن أقوياء بقوّة يسوع المسيح. نحن اقوى بكثير من كلّ أمراء الحروب ومالهم وأسلحتهم ومرتزقاتهم وتنظيماتهم الإرهابية. يسوع بصليبه انتصر على العالم كلّه وانتشرت الكنيسة وغطّت الكرة الأرضيّة. بهذا الإيمان اليوم، ومن هنا نحن ننطلق من هنا لنقول "روح الرب عليّ، مسحني وأرسلني من أجل زمن جيد للإنسان"، كلّ إنسان، آمين!"