البطريرك الراعي يرقّي الخوري جوزف نفاع إلى رتبة أسقف
وبعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة"أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" وفيها :في قيصرية فيليبس أعلن سمعان بن يونا إيمانه "بالمسيح ابن الله الحيّ" كاشفًا هكذا هوية يسوع. فبدّل الربّ اسمه سمعان الى بطرس جاعلاً ايّاه صخرة ايمان يبني عليها كنيسته. واليوم، في هذا الكرسي البطريركي في الديمان، انت أيّها الأخُ الجليل المطران المنتخب جوزف نفّاع، يجعلك المسيح الربّ، بقوّة الروح القدس، صخرة ايمان يواصل عليها بناء كنيسته. فقد بناها على بطرس والرسل الاثني عشر، وما زال يبنيها جيلاً بعد جيل على ايمان خلفائهم أساقفة الكنيسة. وأنت تصبح اليوم في مصافّهم، من بعد ان انتخبك الروح القدس وسينودس أساقفة كنيستنا المقدس أسقفًا معاونًا بطريركيًّا، وقبلك قداسة البابا فرنسيس في الشركة الرسولية (نور الامم، 24). إنّنا نهنّئك ونهنّئ أهلك وأبرشية طرابلس ورعية بنشعي وكلّ محبّيك. إنّنا نشكر الله معك على أنه نظر اليك ودعاك الى الكهنوت واليوم إلى ملئه، وانت ابنُ عندقت – عكار العزيزة مولودٌ في التلّ بطرابلس، في عائلة مارونيّة مؤمنة مكّنتك من سماع النداء الالهي، فلبّيت الدعوة بالتزام وفرح. وحباك الروح القدس بالمواهب الروحية والعلمية، وقدّرك على تمييز دعوتك الكهنوتية، واكتساب العلوم الفلسفيّة واللاهوتيّة في اكليريكية غزير البطريركية وفي كليّة اللّاهوت الحبرية بجامعة الروح القدس-الكسليك. وتوسّم فيك أساقفة طرابلس المتعاقبون وجه الكاهن المجمَّل بالفضيلة والمقدرة العلميّة، فأجازوا لك مواصلة الدروس العليا. فتتلمذتَ لكلٍّ من الجامعة اللبنانية ونلت منها إجازة تعليمية في الفلسفة، وجامعة الحكمة واكتسبتَ ديبلومًا في إدارة المؤسّسات الاجتماعية والدينية، والجامعة الحبرية الغريغورية للآباء اليسوعيّين في روما وتخرّجت منها بشهادة دكتوراه في اللاهوت البيبلي.
واضاف: هكذا تهيّأتَ لتعلن إيمانك بالمسيح: بحياتك الشخصيّة؛ وبخدمتك الراعويّة في رعية مار روحانا بنشعي في قضاء زغرتا؛ وبارشادك الروحي للحركات الكشفيّة وجماعات الشبيبة؛ وبموآزرتك في حياة أبرشية طرابلس العزيزة، كمسؤول عن التعليم المسيحي فيها وعضو في المجلس الكهنوتي، وفي الرابطة الكتابية؛ وبالتعليم اللاهوت الكتابي في اكليريكية مار انطونيوس البادواني–كرم سدّه، والجامعة الانطونية، وجامعة الروح القدس-الكسليك، وجامعة القديس يوسف-بيروت وجامعة الحكمة، وعدد من معاهد التثقيف الديني؛ وبكتاباتك ومقالاتك وبرامجك الإذاعية والتلفزيونية العديدة، ناشرًا كلمة الله ومعلّمًا إيّاها باستقامة.
واليوم، بحلول الروح القدس عليك، بوضع اليد ومسحة الميرون، تقبل من المسيح الربّ، الذي أعطي كلّ سلطان في السماء والارض، رسالة التعليم لجميع الأمم، والكرازة بالانجيل لكل خليقة، لكي ينال جميع الناس، بواسطة الايمان، والمعمودية وحفظ الوصايا، الخلاص الابدي. ومعروف أنّ خلاص كلّ إنسان منوطٌ برسالة تعليم كلمة الله والكرازة بالانجيل. ولهذا هتف سمعان بطرس ليسوع عندما ثقل كلامه على واضعي كلّ همّهم في شؤون الارض، وقال: "يا ربّ، إلى مَن نذهب، وكلام الحياة الابدية عندك؟" (يو 6: 68). هذه الكلمة اخترتها أنت، أيّها الأخ الجليل المطران جوزف، شعارًا لخدمتك الاسقفيّة. فأنت خادم الكلمة ورسولها من أجل الإيمان.
وتابع :أجل، أنت تصبح اليوم كأسقف رسولَ الايمان، لتَهدي إلى المسيح تلاميذ جددًا. انت ملفان التعليم الأصيل، اللابس سلطة المسيح: تكرز للشعب الايمان بالمسيح، لكي يحقّقوا به اتحادهم بالله، ويمارسوه في حياتهم؛ وتوضحه لهم في ضوء إلهامات الروح القدس؛ وتعمل على أن يؤتي الايمانُ فيهم ثماره؛ وتسهر على حمايته وتنقيته من الأخطاء والأضاليل والانحرافات
فلأنك لابسٌ سلطة المسيح التعليميّة، بات على جميع المؤمنين أن يسمعوا تعليمك بوقار، لكونك شاهدًا للحقيقة الالهيّة والكاثوليكيّة، طالما أنت تعمل بالشركة مع الحبر الأعظم والجسم الاسقفي. ومن واجب المؤمنين أن يقبلوا حكمك كأسقف، المعطى باسم المسيح، في شؤون الإيمان والأخلاق 6. وفي الوقت عينه تصبح، أيها الاسقف الجديد، بِحلول الروح القدس، "وكيل نعمة الكهنوت الأسمى"، بحكم تقليدك ملء سرّ الكهنوت. وفي قمّة خدمة التقديس هذه، أنت خادم سرّ الافخارستيا الذي تقدّمه كلّ يوم من أجل حياة الكنيسة ونموّها. بخدمة الكلمة انت تنقل الى المؤمنين قوّة الله لخلاصهم، وبخدمة الأسرار تقدّسهم ويشركك الروح القدس بخدمة المسيح الملوكيّة لكي تدبّر الجماعة المؤمنة وتبنيها على أساس الحقيقة والمحبة، وتعمل جاهدًا من أجل توطيد وحدتها، وحلّ النزاعات فيها بالغفران والمصالحة، والعناية بالفقير والمريض والمحتاج.
في هذا الاطار اللّاهوتي، وانطلاقًا من هويّتك الأسقفية الجديدة، انت تمارس خدمتك كمعاونٍ بطريركي في الكرسي البطريركي. من خلال ما يُسنَد إليك من مهام ومسؤوليات، وكلّها قائمة على ركيزتَين اساسيتَين الرسالة والخدمة. فأنت رسول وخادم في آن وبشكل غير منفصم: فلأنّك رسول يعلن سرّ المسيح، انت مدعوٌّ لتخدم. ولأنّك تخدم، أنت تعلن المسيح.
ربّنا المسيح نفسه، رسول الآب وكلمته، الذي حمل إلينا البشرى السارّة (اشعيا 61: 1)، جعل نفسه خادمًا لنا (فيل 2: 7). "الخدمة هي النهج الذي به نعيش الرسالة"، على ما يقول قداسة البابا فرنسيس وأوّل ما يقتضي هذا النهج، يقول البابا فرنسيس، أن نعيش في جهوزيّة دائمة للخدمة والرسالة، بحيث نتحرّر من قيودنا الذاتية وتدبّر شؤوننا الخاصة، معتبرين في كلّ صباح أنّ اليوم ليس لنا، بل لحاجات الخدمة والرسالة. فلا يكون الواحد منا أسير وقته وروزنامته ومشاريعه. فالوقت المعطى له من الله انّما يقبله منه ليعود فيقدّمه له: هكذا فقط يعطي الوقت ثماره. مثل هذه الجهوزية تفتح المجال أمام مفاجآت الله اليوميّة. هذا ما يجمّل حياة الأسقف في أبرشيّته وحياتنا في الكرسي البطريركي، حيث لا يوجد وقت محدّد من ساعة كذا إلى ساعة كذا
واضاف :إنّ جهوزيّة الأسقف، كرسول وخادم، تتألّق في اللّطف والوداعة والتواضع، وفقًا لنهج المسيح الربّ، الذي يدعونا " لنتعلّم منه، فهو وديع ومتواضع القلب لكي نجد الفرح الداخلي" (متى 11: 29) الذي يعوّض وحده عن الوقت والراحة الضائعين. بهذه الفضائل يستوعب الأسقف ضعف الضعفاء، بل يتغلّب بالصبر على الإساءة. أليس الله بفيض من حبّه صبورًا علينا، ومستعدًّا دائمًا للغفران ولخدمتنا؟ في مدرسة المسيح، الكبير ليس الذي يأمر، بل الذي يخدم
وختم: "يا ربّ، إلى مَن نذهب وكلامُ الحياة الأبديّة عندك" (يو 6: 86). بهذا الشعار تبدأ، أيّها الأخ الجليل المطران جوزف، رسالتك وخدمتك الأسقفية. ونحن الأساقفة نجدّد في المناسبة العهد الذي قطعناه مع المسيح "راعي الرعاة العظيم" (1بطرس 5: 4). الذي "جاء ليخدم، لا ليُخدم، ويبذل نفسه فدىً عن الكثيرين" (مر10: 45). فنضرع إليه معك كي يشفي قلوبنا، فنصبح شبيهين به في الرسالة والخدمة هو الذي قال: "لا أدعوكم خدّامًا بل أصدقاء" (يو 15: 15). فله وللآب وللروح القدس نرفع نشيد المجد والتسبيح والشكر، الآن وإلى الأبد، آمين.
وبعد سيامته ألقى المطران الجديد كلمة شكر فيها البطريرك الراعي والمطران بو جودة والآباء العامين والفعاليات المدنية والعسكرية والتربوية والروحية شاركوا في الإحتفال وأضاف: أصحاب السيادة السامي احترامهم، قدس الآباء العامين والرئيسات العامات، أصحاب السعادة والمعالي، حضرة الفعاليات المدنيّة والعسكريّة والتربويّة، آبائي الأجلاّء، أخواتي الفاضلات، أيّها الأبناء الأحبّاء
أقف بينكم اليوم تماما كما اعتدت على الوقوف معكم في كلّ يوم من خدمتي الكهنوتيّة. لا أشعر بأيّ غرابة فأنتم كلّكم أهلي وشركائي في الرسالة. وعربون افتخاري أنّني منكم خرجت وإليكم أُرسل.
أشكر الله أنّه وثق بي يوم أنا نفسي لم أجد الشجاعة الكافية للوثوق بقدرتي على حمل ما هو مطلوب منّي. لذلك أضع كلّ اتكالي عليه فهو من اختارني بدون استحقاق وهو من سند دومًا ضعفي. أشكر غبطة أبينا السيّد البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى على الثقة الغالية التي أولاني إيّاها ومعه أشكر كلّ السادة الأساقفة أعضاء سينودس كنيستنا المقدّس على انتخابهم لي معاونًا بطريركيًا. ولكنّي أشكر الله أيضًا على كلّ فرد منكم، أنتم الذين أنبتّم فيّ بذرة الدعوة التي زرعها الله، وساعدتموني على العناية بها بالشكل الصحيح. لقد منحني الربّ منذ ولادتي عائلةً تعيش إيمانها ببساطة، علمتني أن أشكر الله على كلّ شيء، لثقتها الكبيرة بأنّه يدبّر لنا الخير دومًا وبدون انقطاع. هذا الإيمان الراسخ شربه أهلي، وشربته أنا أيضًا، من مياه عندقت، قريتي الصلبة كصخرة بطرس. هناك، في تلك البقعة الخضراء الراسية على آخر الحدود، سمعت لأوّل مرّة كبارنا يردّدون: إيماني إيمان بطرس وإيمان بطرس إيماني، فتعلمت معنى أن أكون ابنًا للكنيسة، يثق بقداستها. وأكبر هديّة قدمتها لي عائلتي كانت أن علّمتني الالتزام بالرعيّة فتربيّت في أحضان كنيسة مار مارون في طرابلس وشغفت هناك بجمال أمّي الكنيسة، بروعة بنيانها ومهابة احتفالاتها والفرح العامر يملأ قلوبنا مع نشاطات فوج الكشافة والفرسان والطلائع والكورال الذي لم يقتصر دوره على الترتيل بل امتدّ إلى إقامة الحفلات يعود ريعها للأطفال الأيتام؛ وها هم اليوم يرافقون هذه الرسامة بخدمتهم المميزة، فشكرًا لهم. أمّنت لنا رعيّة مار مارون، أيّام الحرب، سورًا روحيًّا حمانا من الضياع والتشتت.
في حضن هذه الرعيّة نمت دعوتي الكهنوتيّة واستحوذت على كلّ كياني. وفي غزير، اسمحوا لي أن أقول، أوّل ما تعلّمته كان كيف أكون رجلاً ثمّ مؤمنًا ثمّ مارونيًّا عالمًا، على غرار أسلافنا العظماء. وأكملت الكليّة الحبريّة للاهوت، في جامعة الكسليك، صقل فكرنا اللاهوتيّ والنقديّ عبر جمهور من الأساتذة العظام كانت تقشعرّ أبداننا احترامًّا لمجرّد دخولهم إلى قاعات التدريس. أشكر الله ليل نهار على الأساقفة الذين رعو مسيرتي في التنشئة من المطران أنطون جبير الذي قبلني في عداد طلاّبه الإكليريكيّين إلى المطران جبرائيل طوبيا الذي رسمني شمّاسًا ثمّ كاهنًا بوضع يديه وجعلني أُشغف بالعلم فوجّهني أوّلاً إلى الجامعة اللبنانيّة للتخصّص في الفلسفة، ومن ثمّ طلب لي من المجمع الشرقيّ منحةً لدراسة اللاهوت الكتابيّ في الجامعة الحبريّة الغريغوريّة في روما. ولقد شاءت الأقدار أن تصلني الموافقة على المنحة بعد انتقال المطران طوبيا إلى الأخدار السماويّة، فسافرت مزودّا ببركات سيادة المطران رولان أبو جودة، المدبّر البطريركيّ على أبرشيتنا آنذاك. ولقد تابع المثلث الرحمات المطران يوحنّا فؤاد الحج مسيرتي العلميّة وشجعني على استكمالها إلى أن وصلت إلى درجة الدكتوراه قبل أن أعود أدراجي إلى الوطن. أمّا القسط الأكبر من عملي فكان مع سيادة المطران جورج بو جودة الذي أحاطني دومًا بعاطفة أبويّة، مباركًا كلّ أعمالي ونشاطاتي.
لا بدّ أن أشكر جميع المؤسسات والجامعات التي أولتني ثقتها وسمحت لي أن أستثمر وزناتي فيها. بادئ ذي بدء لا يمكنني أن أنكر فضل إكليريكيّة مار أنطونيوس البادواني في كرم سدّه، التي احتضنتني وألقيت فيها أولى دروسي الجامعيّة. عملت مع رؤسائها يدًا بيدّ على إنمائها وتطويرها، مع حضرة المونسينيور نبيه معوض رائد التطوير فيها، إلى الأب شربل أبي خليل الذي حولها إلى صرح جامعيّ مع الجامعة الأنطونيّة، إلى الأب، المطران اليوم، موسى الحاج الذي أطلق حركة المؤتمرات العلميّة فيها، إلى الأب مارون أبي نادر الذي جدّد برامج التدريس والخوري نعمة الله حديّد الذي اهتمّ بالتنشئة الرعويّة وصولاً إلى حضرة الخوراسقف أنطوان مخائيل الذي فتح أبواب الدير أمام العلمانيّين لدراسة اللاهوت وللرياضات الروحيّة، كما افتتح مستوى الماستر، إن في اللاهوت أو في الزواج والعائلة مع جامعة الحكمة.
أشكر الكليّة الحبريّة للاهوت التي لم تنتظر عودتي من روما إلى أرض الوطن بل كلّفت حضرة الأب هادي محفوظ، رئيسها اليوم، الاتصال بي في عاصمة الكثلكة ليُسند أليّ تدريس مادّة التوراة، وأنا اليوم أنسّق فيها دروس برنامج رائد لدراسة اللاهوت على الانترنت مع الأب العميد زياد صقر يضمّ ثلاث مئة طالب عربيّ منتشرين في أربعة أقطار المسكونة. أستذكر بفرح كبير سنيّ العمل المثمرة في جامعة الحكمة مع الخوري خليل شلفون، مدير الجامعة اليوم، فمعه أسّسنا الكليّة وعملنا على تطويرها إلى أن صارت على ما هي عليه من نموّ وازدهار. كما أذكر الجامعة الأنطونيّة التي اعتبرتني دومًا فردًا من المسؤولين عنها، فعيّنني حضرة الأبّ أنطوان راجح، رئيسها السابق والأباتي حاليًّا، مديرًا للدروس في الفرع الثاني في كرم سدّه، فتمرّست على أصول الإدارة والعمل المؤسّساتيّ. أستذكر أيضًا بفرح اختبار التعليم في الجامعة اليسوعيّة لطلاّب من مختلف الكليّات، مسيحيّين ومسلمين. كانت تلك فرصةً فريدةً من نوعها للتفكير مع شباب لبنان الواعي والمثقّف.
هذه الخبرة الشبابيّة وجّهني الربّ إليها بشكل خاص يوم طُلب منّي أن أدير معهد مار يوحنا المهنيّ في كرم سدّه. من عالم اللاهوت والكتاب المقدّس قادني الروح إلى صفوف المحاسبة والمعلوماتيّة، إلى مختبرات الكهرباء وأدخلني أيضًا المطبخ في المعهد الفندقيّ. لم أفهم في البداية ما الذي أراده الله منّي. ولكنّي اليوم أشكره على ما اكتسبته في المعهد من خبرة في العمل الجماعيّ مع كافة أفراد الإدارة. ليس من السهل في يومنا هذا، وخاصّةً مع الضائقة الاقتصاديّة في لبنان، أن نحافظ على مؤسـسة تربويّة كانت ما تزال صغيرة. عملنا لأيّام ولليال، واضعين نصب أعيننا أنّ لا خيار آخر سوى النجاح. فكافأنا الربّ هذه السنة بنتائج مشرّفة في الشهادات الرسميّة، بطلاب احتلّوا المراتب الأولى في لبنان، في مختلف الاختصاصات.
أمّا الشكر الأكبر فللرعايا التي خدمتها والتي سأحتفل فيها بقداس شكر، من رعية مار مارون طرابلس، هذه العائلة المسيحيّة الصامدة والمتمسّكة بإيمانها الراسخ، إلى رعيّة السيدة شكّا، هذا المختبر الرعويّ حيث تمرّس رعيل كبير من الكهنة على الخدمة والرسالة، إلى رعيّة مار شليطا عندقت، مسقط رأسي، التي منها تعلّمت عنفوان الإيمان ورفعة النفس عن الصغائر لأختم برعيّة مار روحانا بنشعي حيث عشت خبرةً راعويّةً حقيقيّةً بكلّ ما للكلمة من معنى طوال أربعة عشرة سنة، بنينا فيها يدّا بيد رعيتنا، إن من ناحية الحجر ولكن خصوصًا من ناحية البشر. في حذح القرية الصغيرة، رغم قلّة العدد، فاجأني إصرار الأطفال والشبيبة على عيش الإيمان. دفعوني هم لإتمام كلّ المشاطات الراعويّة المطلوبة، من ليتورجيّة وروحيّة ولجتماعيّة أيضًا. أتركها اليوم وفيها عدد لا يُستهان به من الشابات والشبان يدرسون اللاهوت في كرم سدّه.
واسمحوا لي بشكل خاص أن أشكركم أنتم الحاضرين معنا في هذا الاحتفال المقدّس. لقد تكبّدتم عناء الطريق، أتيتم من قريب ومن بعيد. أخصّ بالذكر سعادة السفير البابويّ، المونسينيور غابريللي كاتشا مع أصحاب السيادة الأساقفة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات مع مجالسهم الموقّرة، أشكر السيّدة الأولى السابقة مع أصحاب السعادة والمعالي النواب والوزراء والسفراء والقناصلة والقضاة والمديرين العامين والنقباء الحاليين والسابقين وممثليهم. والقيادات العسكريّة وممثليهم. أشكر قدس الأباتيين والخوارنة الأسقفيّين والفعاليات المدنيّة والقائم مقامين ورؤساء اتّحاد البلديّات والفعاليّت التربويّة من رؤساء جامعات وعمداء ومدراء معاهد ومدارس مع مجالسهم وهيئاتهم التدريسيّة. أشكر آبائي الكهنة والرهبان والراهبات. أشكر رؤساء البلديات والمخاتير. ورئيسات ورؤساء الأخويّات والحركات الرسوليّة والخيريّة والاجتماعيّة، وأخصّ بالذكر كشّافة لبنان ومفوّضهم، الذين ساهموا في تنظيم هذا الاحتفال، وجوقة مار مارون والطلاب الأكليريكيّين على خدمتهم الملائكيّة. أشكر وسائل الإعلام التي رافقت هذا الاحتفال وبشكل خاص تيلي لوميير، نور سات التي قامت مشكورةً بنقله مباشرةً عبر أثير قنواتها. كما أشكر إتّحاد بلديّات الجبّة لسهرهم على التنظيم ولتعبهم الكبير. والشكر الكبير لهذا الجمع الغفير من الأبناء الأحبّاء. فأنتم أصدق دليل على حيويّة كنيستنا وقوّتها بخبرة شيبها وحماسة شبابها. وجود كلّ فرد منكم يعبّر عن اختبار عميق عشناه سويًّا في حقل الخدمة والرسالة. أرى في كلّ واحد وردةً يفوح منها عطر الإيمان. أضمّكم جميعًا باقةً رائعةً، أقدّمها للربّ واضعًا إيّاها عند أقدام أمّنا العذراء سيّدة هذا الصرح وحامية هذا الوادي المقدّس، لترعاكم بنظرها الوالديّ.
أختم بالقول، أنّني، ومنذ أن وعيت دعوتي الكهنوتيّة، وضعت نصب عينيّ صليب الربّ. ولذلك اخترت شعارّا لكهنوتي، عبارة بولس الرسول القائلة: "إنّي لم أشأ أن أعرف شيئًا وأنا بينكم، غير يسوع المسيح، بل يسوع المسيح المصلوب" (١ كور ٢:٢). وأعتقد أنّني أحسنت الاختيار. فالكهنوت سير يوميّ وراء المعلّم الإلهيّ على جلجلات هذا العالم. لذلك أبقيت هذا الشعار نفسه لخدمتي الأسقفيّة. فهذه الدرجة هي بعمقها حمل كامل للصليب، نعلّقه في أعناقنا لا للزينة بل لنتذكّر كلّ صباح أيّ عهد قطعناه مع الربّ. وتلبسنا الكنيسة في رسامتنا ثوبًا أحمرًا، لا للمجد، بل تمثّلاً براعينا، إذ ألبسه الجنود ثوبًا قرمزيًّا واقتادوه إلى الجلجلة ليُصلب. نحن نصطبغ بلونه، هو من أضحى من أجلنا «جرح من أعلى الرأس حتّى الأقدام». وكم نحن اليوم مدعوّون إلى تجديد هذا الالتزام الجذريّ، في أيّام تستصرخنا فيها آلام مسيحيّي الشرق وشهداء الأيمان في أربعة أقطار العالم، يسقطون فيروون مجددّا، كما في أيّام الكنيسة الأولى، تراب الأرض بدمائهم الذكيّة، لتُنبت أزهار القديسة والقديسين. لست بواهم ولا بحالم. قد لا أستطيع فعل الكثير. لا أدّعي القدرة على تغيير الواقع. ولكن أعد شعبي، بكلّ أطيافه، أن أحمل قضيّته، أن أحمل همومه حيثما يسمح لي الروح القدس أن أحملها. وفي كلّ موقع يرسلني إليه أبينا السيّد البطريرك، مار بشارة بطرس الراعي، الذي يجوب القارّات كلّها بلا توان ولا تعب، بحثًا عن أبنائه، يشجعهم ويقف إلى جانبهم.
وختم : أعاهد إخوتي الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات مع معاونيهم من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، إذ أوكل إليّ السيد البطريرك مهمّة العمل معهم على نشر تعاليم أمّنا الكنيسة المقدّسة وعلى تفعيل توصيات المجمع المارونيّ، أعاهدكم أن أكون معكم خادمًا لكلمة الله، نبع الحياة ومصدر كلّ النعم، بروح الأخوّة والتعاون، مطبقًا بذلك شعاركم يا صاحب الغبطة، أي العمل دائمًا بالشركة والمحبّة.ربّي أنا ورقة بيضاء أكتب عليها كلّ ما تشاء، وفقط ما تشاء أنت.
وبعد ذلك تقبل المطران التهاني وأقيم كوكتيل في باحة الصرح البطريركي.
تجدر الإشارة الى أن المطران الجديد سيتقبل التهاني في كرسي مار يعقوب في كرم سدة يومي الخميس والجمعة ويترأس يوم الأحد عند العاشرة صباحاً قداس الشكر في كنيسة مار مارون في طرابلس وقداديس إحتفال.