لبنان
03 تموز 2016, 05:00

البطريرك الراعي يحتفل بالذبيحة الالهية في كنيسة مار انطونيوس البادواني سينسيناتي – أوهايو

في اطار زيارته الراعوية الى سينسيناتي – أوهايو في الولايات المتحدة الاميركية، وهي الاولى لبطريرك ماروني، ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الالهية في كنيسة مار انطونيوس البادواني المارونية عاونه فيه راعي الابرشية المطران الياس عبدالله زيدان والنائب البطريركي العام المطران بولس الصياح وكاهن الرعية الخوري جورج الحاج مع لفيف من الكهنة بحضور رئيس اساقفة سينسيناتي المطران دنيس شنور ومعاونه المطران جوزف بينزر كما حضر حشد من ابناء الرعية.

 

في مستهل القداس القى كاهن الرعية كلمة ترحيب وشكر عبّر خلالها عن فرح رعيّة سينسيناتي- التي بلغ عمرها 106 سنوات وهي من اقدم الرعايا في الولايات المتحدة الاميركية- بالزيارة التاريخية لغبطته وقد حملت لابنائها البركة والتشجيع وعطر قداسة لبنان الذي يحملونه في قلوبهم ووجدانهم. وختم الاب الحاج: "نسألكم يا صاحب الغبطة ان تقودونا باستمرار الى الله، بالكلمة والاسرار لكي يقوينا ويجددنا. فليبارككم الرب ويحفظكم لنا ولتبقوا المنارة التي يضيء المسيح دروبنا من خلالها".

وفي عظته بعنوان "اذهب وافعل هكذا" (لوقا 37،10)، قال البطريرك الراعي: "يسعدني ان نلتقي اليوم حول الذبيحة الالهية وخلال زيارتي الراعوية لابرشية سيدة لبنان. واني اشكر اخي المطران زيدان على دعوته وعلى تنظيمه معكم لهذه الزيارة. واني اقدر حضور رئيس الاساقفة المطران دنيس شنير ونثمن عاليا اهتمامه الكبير بوضع المسيحيين في الشرق الاوسط. كما اشكر السلطات الرسمية الحاضرة بيننا، وابناء الرعية مع كاهنهم الخوري جورج على تنسيق الزيارة".

وتابع غبطته: "اذهب وافعل هكذا"، هذا كان جواب يسوع في انجيل اليوم على عالم الشريعة الذي سأله عمن يكون الاقرب الى الرجل الذي اعتدي عليه وكان مرميا على الطريق. وطبعا كان الجواب، هو السامري الصالح الذي تعامل معه بالرحمة وضمض جراحه واعتنى به. وهكذا نحن مدعوون لعيش الرحمة، النابعة من قلب الله، مع بعضنا البعض وخصوصا مع الجياع والعطاش الى العطف والاحترام والى العناية من اي نوع كانت. فلا نخافن ابدا من الخروج من ذواتنا ومن انانياتنا والمبادرة الى تقديم غصن زيتون الى من نعتبرهم غرباء عنا، ويد العون والعطف الى اي انسان مجروح في حاجته.

الامر عينه ينطبق على اخوتنا واخواتنا المسيحيين في الشرق الاوسط الذين يعانون حاليا الظلم والقهر بسبب ايمانهم. فهم ضحايا العنف، وضحايا الازمات بين الشرق والغرب وجنون المنظمات الارهابية. وهم يشعرون احيانا بانهم متروكون من قبل اخوتهم واخواتهم الذي قد يتصرفون على مثال هذا الكاهن، في انجيل اليوم، الذي مال عن الضحية واكمل طريقه. اني احثكم على ان تكونوا لهم ولكل محتاج بمثابة السامري الصالح. فلنكن الاقرب اليهم ولنسأل نفوسنا ايهما الافضل في حياتنا، ومن نختار ان نكون؟ السامري الصالح، ام احد الاثنين اللذين عبرا ولم يفعلا شيئًا؟ وكما قيل: "الشيء الوحيد المطلوب لكي ينتصر الشرّ هو امتناع الناس الصالحين عن القيام بفعل خير".

وختم غبطته: "نحن مدعوون لان نكون رجال ونساء صالحون. فلنعش حياتنا ببمارسة الرحمة والعطف. ويا رب ارسل الى شرقنا الاوسط العزيز المضطرب، اناس صالحون يحوّلون الشرور فيه الى خيور ويغيّرون وجه الارض. و"لنذهب كلنا ولنفعل هكذا".

وبعد القداس اقامت رعية مار انطونيوس في سينسيناتي بالتعاون مع رعية مار اغناطيوس في دايتون لقاء عشاء مشترك على شرف غبطته افتتح بالوقوف دقيقة صمت اجلالا لارواح شهداء بلدة القاع وقد رفع غبطته الصلاة لراحة نفوسهم. ثم القيت كلمات ترحيب باسم الرعيتين. فتحدث كاهن رعية دايتون الخوري غي سركيس فقال متوجها الى غبطته: "لقد دعا البابا فرنسيس الرعاة الى الذهاب الى الاطراف، وفي الاخص الاطراف الجغرافية والوجدانية حيث الانسان يعيش الوحدة والغربة والقلق والخوف، ليحملوا اليهم حضور المسيح وكلمة رجاء. هذا هو معنى حضوركم معنا وبيننا اليوم. انتم في احد اطراف الكنيسة، ولانكم في الطرف، انتم في وسطها لانكم مع وبين ابناء الكنيسة الذين هم ابناؤكم واخوتكم. فالفرق كبير بين المركز والوسط. من يبقى في المركز قد يكون خارج الكنيسة لانه صعب المنال وبعيد عن الناس. اما من يكون في الوسط فهو من يكون بين الناس اينما وُجدوا، ولو في الصحراء. هو يذهب بدون ان يعرف الوجهة، كما قال يسوع لبطرس: "ستبسط يديك وآخر يشد لك حزامك، ويذهب بك الى حيث لا تريد". وفي كل حال، وكما يقول احد الفلاسفة: "يللي بيعرف حالو وين رايح ما بيروح بعيد".

وباسم رعية سينسيناتي تحدث كاهنها الخوري جورج الحاج فقال: "صاحب الغبطة، بالنسبة لكثيرين منا كنتم صورة عبر الانترنت، او صورة مرفوعة في مراكزنا الراعوية، او اسما في نية الشراكة في القداس، اما اليوم فاننا نراك وجها لوجه ونتلمس حضورك ومحبتك ورعايتك شخصيًا. ان زيارتكم الراعوية التاريخية سيعقبها وداع شخصي ووجداني من قبلنا، اذ اننا سنتذكر هذا اليوم الاستثنائي في حياتنا لسنين عديدة، ونأمل الا يطول غيابكم عنا، وسوف نتطلع دائما الى زيارتكم المقبلة".

ثم كانت كلمة لراعي الابرشية المطران الياس عبدالله زيدان شكر فيها غبطته على زيارته الابوية التي تجسد شعاره "شركة ومحبة"، وقال: "انتم الرأس والاب والراعي ومن يحمل هذه الصفات والالقاب فلا تفصله مسافة او تعب او عائق كي يكون حاضرا بمحبته وعاطفته. وانتم الاب الذي يفرح لفرح ابنائه ويفخر برؤيتهم يحققون ذواتهم ومستقبلهم. فحضوركم يا صاحب الغبطة هو البشرى السارة لنا والبشارة التي تُعلن لابناء كنيستنا الرجاء والامل بغد افضل وبمستقبل مشرق.

من جهته رد البطريرك الراعي بكلمة شكر جاء فيها: "لقد دقت ساعة الشكر والوداع، ولكن لو كان الوداع صعبًا، فاننا نغادركم والاعتزاز بكم يملأ قلوبنا، لما حققتموه على الصعيد الكنسي والراعوي والوطني والشخصي في وطنكم الام وفي الوطن الذي تعيشون فيه. اود توجيه الشكر لكم، اكنتم من ابناء رعية دايتن ام من ابناء رعية سينسيناتي، ام من الرعايا الاخرى. وقد عشنا معكم 48 ساعة غنية جدا بمعرفتكم وبما سمعناه واطلعنا عليه عن اوضاعكم ونشاطاتكم وحياة رعاياكم. اشكركم جميعا من القلب على تضحياتكم في سبيل انجاح هذه الزيارة واتمام هذا اللقاء العائلي."

واضاف غبطته: "نحن نؤكد لكم اننا في الشرق الاوسط، لا نخاف ولا نخشى شيئًا، لا بل زدنا شجاعة وزدنا يقينا ان هذا الشرق الذي تحكمه اليوم لغة الحرب والدمار والعنف هو بحاجة ماسة الى الحضور المسيحي ونحن مقتنعون اكثر من اي وقت مضى اننا سنبقى في هذا الشرق لاننا مؤتمنون على انجيل يسوع المسيح، وعلى جذور المسيحية العالمية. فنحن بحاجة الى صلاتكم وتضامنكم معنا. ونحن لسنا بخائفين ابدا وهناك سنبقى وسنواصل الرسالة. وتحضرني في هذه الايام مبادرة البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في 8 ايلول 1989، وكنا وسط الحرب. ارسل قداسته رسالة الى كل مطارنة العالم الكاثوليكي يطلب من كل اسقف في ابرشيته، ان يخصص يوم "صلاة وحقيقة" من اجل لبنان. يوم صلاة على نية السلام في لبنان، ويوم تقال فيه حقيقة لبنان وما يجري فيه. لان ما يجري في لبنان هو خطر كبير على الجذور المسيحية العالمية. فاذا كان حينها قال هذا الكلام عن لبنان الصغير بما بالحري يقوله اليوم من السماء عن الشرق الاوسط؟ نعم، ان جذور المسيحية العالمية مهددة. ولذلك نحن سوف نبقى هناك وعليكم انتم ان تساعدونا لكي نبقى هناك وليس لكي نأتي نحن اليكم."

وتابع الكردينال الراعي: "من المهم جدا ان تقوموا باستمرار بزيارة اهلكم وبلداتكم في لبنان، فهذا يقويهم ويشجعهم. ومن الجميل ان تقوموا بمبادرات مع قراكم وعائلاتكم كي يشعروا بانكم تساندوهم وانكم الى جانبهم." واضاف: "ان العمل الاهم الذي يمكن ان تقوموا به في هذا الموضوع هو ان تحافظوا على جنسيتم وتسجلوا وقوعاتكم الشخصية في سجلات النفوس اللبنانية، من اجلكم ومن اجل اولادكم، ولاهميته على عدة مستويات اولها ان تحافظوا على حقوككم المدنية. فالارض باقية والانظمة تتغير. البلدان تتغير والارض باقية. فلا تقولوا لن يفيدنا الامر، فقطعة ارض في لبنان هي كنز وربح، لكم ولاولادكم. وثانيها ان النظام السياسي في لبنان يقوم على الديمغرافيا. فلا يجوز ان يهمل اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة تسجيل وقوعاتهم في لبنان. وكم يؤلمني ان يكون المغترب اللبناني حيًّا يُرزق حيث هو في الخارج فيما هو ميت في لبنان. لا يمكننا ان نقبل بذلك، حافظوا على تسجيلاتكم في لبنان لان ذلك يفيدكم جدا ويفيد النظام اللبناني خاصة سياسيا والا نكون قد قضينا عليه عبر ضرب احد جناحيه، الجناح المسيحي. لذلك، ختم غبطته: ارجوكم ان تتعاونوا مع البعثات الدبلوماسية ومع المؤسسات المعنية ومع الابرشيات والرعايا، لانه اذا كنتم فعلا تحبون وطنكم، تحافظون على جنسيتكم، وعلى التوازن المسيحي الاسلامي فيه كي تستمر رسالة هذا الوطن في الشرق الاوسط، فلا نضحي بهذه الرسالة بسبب الاهمال واللامبالاة."