البطريرك الراعي لإيرولت: لبنان يعوّل على فرنسا ليلعب دوره مجددا كرسالة سلام وحرية ونموذج للعيش المشترك
"معالي الوزير،
يسعدني ان استقبلكم، باسمي وباسم زملائي البطاركة والاساقفة رؤساء الكنائس في لبنان، وان ارحب بكم في البطريركية المارونية ونعبر لكم عن سعادتنا جميعا بان تكون فرنسا الممثلة بشخصكم قريبة منا في هذه الأوقات الدقيقة التي يمر بها بلد الأرز ومنطقة الشرق الاوسط. ومن دون العودة بالذكرى الى القديس لويس الملك ولويس الرابع عشر المؤسسين المعظمين لصداقتنا الممتدة منذ مئات السنين، فان ذاكرة لبنان التاريخية تحفظ على الدوام المواقف الداعمة للجنرال ديغول وخلفائه.
واود هنا ان اشدد على تقديرنا العميق للزيارة الرمزية التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان والتي كانت بمثابة مؤاساة لنا على الرغم من غياب نظيره اللبناني، وحثه البرلمانيين على إنتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير. ونحن نستذكر بامتنان ايضا ماذا قدمت فرنسا في سبيل مساعدة لبنان في السنوات العشرة الاخيرة: بدءا من خلوة سان كلود للحوار، مرورا بابرام اتفاق 16 نيسان 1996 من اجل ادارة الوضع في جنوب لبنان، الى مؤتمر باريس واحد والمساعدة الإقتصادية والمادية، مختلف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، انشاء فريق دعم دولي لمساندة لبنان. ونحن نثمن عاليا التزامه في قوات اليونيفيل منذ انتشارها في جنوب لبنان في العام 1978وننظر بعين جيدة الى تمدد خدمات الحماية لهذه القوة على الحدود الشرقية لبلادنا.
ان زيارتكم يامعالي الوزير مدونة في سجل الإهتمام بلبنان. لقد سبق ان اظهرتم اهتمام فرنسا في ما يتعلق باستمرار الفراغ الرئاسي منذ اكثر من سنتين والازمة السياسية والمؤسساتية في بلدنا. ولقد اكدتم على التزام بلدكم بالنسبة لوحدة وسيادة واستقرار لبنان. كما اثرتم مختلف الإتصالات مع المسؤولين الإيرانيين والسعوديين الهادفة الى إيجاد مخرج للأزمة ووضع حلول لها من قبل اللبنانيين انفسهم. وذلك مع التاكيد على ان الجماعة السياسية والبرلمانية اللبنانية لا يمكنها ان تتخلى ابدا عن مسؤوليتها في هذا المجال، غير انها يجب ان تدرك انها غارقة في التدخلات الإقليمية لدرجة ربط الإنتخابات الرئاسية بالصراع القائم في سوريا وبين ايران والمملكة العربية السعودية. وبالتأكيد يجب فصل الإنتخابات الرئاسية عن هذه الصراعات التي قد تدوم طويلا.
ان التبادل الإنساني والثقافي بين بلدينا لطالما كان خصبا وهو يشهد على قيمنا الإنسانية المشتركة. ولكن حاليا يحتاج لبنان الى اعادة بناء لبنى دولته التعددية والحرة بعيدا عن الفساد السائد، وهو بحاجة الى ايجاد حل كريم لازمة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين التي تغمره، وهو بحاجة ايضا الى استغلال كنزه الدفينالمعرض للسلب اي ثروته الطبيعيةمن الغاز والنفط.
من جهة اخرى فان مسؤوليتنا الرعوية مع الإخوة رؤساء الكنائس تمتد الى مختلف بلدان الشرق الأوسط ونحن نتقاسم المعاناة والاذلال الذي يتعرض له مؤمنوننا في العراق وسوريا وفلسطين والمنطقة ككل. نحن نحث الأسرة الدولية لوضع حد للحروب والأعمال الإرهابية التي تمزق بلادنا وتدمر حضاراتنا وتذبح شعوبنا وتعتدي على المسيحيين وتدوس كرامة الإنسان وحقوقه والعمل لايجاد حل سياسي من اجل سلام عادل وشامل ودائم وتأمين عودة المواطنين المسيحيين والمسلمين الذين اقتلعوا من ارضهم ليعودوا الى بلداتهم وقراهم وممتلكاتهم وتأمين حقوقهم الاساسية للعيش في بلادهم كمواطنين اصليين. يهمنا كثيرا ان نحافظ ونقوي الوجود المسيحي في المنطقة منذ الفي سنة من اجل خيرها وخير الإنسانية.
بالنسبة للبنان فهو يعول كثيرا وبثقة تامة على الصداقة العريقة مع فرنسا والتي لن تتأخر ابدا في مساعدته لان يلعب مجددا دوره كرسالة سلام وحرية ونموذج للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين على قاعدة المساواة والمواطنية. ونحن ندرك اهمية دوركم يا معالي الوزير، ونشكركم مسبقا على كل الجهود التي يمكنكم بذلها في هذا الإطار.
عاشت فرنسا! عاش لبنان ! وعاشت الصداقة الفرنسية اللبنانية!"