مصر
21 آذار 2022, 14:30

البطريرك الرّاعي زار رعيّة مار مارون في مصر الجديدة

تيلي لوميار/ نورسات
يواصل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي زيارته إلى مصر، وقد احتفل مساءً بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة مار مارون بمناسبة مرور خمسين سنة على بناء كابيلا القدّيسة ريتا للآباء المريميّين في مصر الجديدة، عاونه فيه راعي الأبرشيّة المطران جورج شيحان والرّئيس العامّ للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأباتي بيار نجم ورئيس الرّسالة في مصر الأب نبيل رفّول، إضافة إلى لفيف من الآباء. بحضور السّفير البابويّ في مصر المونسنيور نيكولا تيفنان ورؤساء الكنائس في القاهرة والسّفير اللّبنانيّ علي الحلبي إضافة إلى حشد من المؤمنين.

في مستهلّ القدّاس، ألقى الأباتي بيار نجم كلمة ترحيب اعتبر فيها أنّ "الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الّتي تفتخر بالبطريرك الرّاعي ابنها وسليلها كانت من أوائل الرّهبانيّات الّتي انطلقت لخدمة الموارنة في الرّسالات وقد حضرت إلى مصر سنة 1745، وهي تعاهد الرّبّ أمام غبطته بإكمال المسيرة بالأمانة والبذل بصلوات أمّنا مريم شفيعة الرّهبانيّة من أجل خلاص النّفوس."

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظة بعنوان: "إيمانكِ أحياكِ... يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك"، وقال فيها:

"1- للمرأة الّتي جاءت خلسة من وراء يسوع، لتلمس طرف ردائه، إيمانًا بأنّها ستشفى من نزيف دمها الّذي كانت تعاني منه منذ اثنتي عشرة سنة وقد أنفقت كلّ أموالها من دون جدوى، قال يسوع: "إيمانك خلّصك، اذهبي بسلام". وليئيرس الّذي جاء يلتمس بإيمان من يسوع شفاء ابنته الصّبيّة البالغة اثنتي عشرة سنة والمشرفة على الموت، وقد علم قبيل وصوله أنّها ماتت، قال له يسوع: "لا تخف، يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتكَ". هكذا بقوّة هذا الإيمان، أقامها الرّبّ يسوع من الموت.

2- يسعدني أن أحتفل معكم بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، مع سيادة راعي الأبرشيّة المطران جورج شيحان، وقدّس الأباتي بيار نجم الآتي خصّيصًا من لبنان، وأشكره على الكلمة اللّطيفة الّتي ألقاها. أحيّيكم جميعًا وأحيّي إخوتي في الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة المتعاقبين منذ سنة 1745 في خدمة الرّسالة وصولاً إلى رئيسها عزيزنا الأب نبيل رفّول ومعاونه عزيزنا الأب طارق مشعلاني. نصلّي من أجل كلّ الّذين لهم تعب في هذه الرّسالة فأذكر بالخير الأحياء منهم، وبالتماس الرّاحة الأبديّة للّذين سبقونا إلى بيت الآب.

في هذه المناسبة نحيي ذكرى مرور خمسين سنة على بناء كابيلا القدّيسة ريتا، حبيب قلوب المؤمنين والمؤمنات.

3- يقدّم لنا إنجيل هذا الأحد آيتين تختصّان بالمرأة: شفاء المرأة النّازفة منذ اثنتي عشرة سنة، ولم يستطع أيّ طبيب شفاءها: وقيامة صبيّة ابنة اثنتي عشرة سنة من الموت. هذا دليل على ما كان عند يسوع من تقدير للمرأة، وقد عرف كرامتها وحنانها وحضورها الفاعل في العائلة والمجتمع، من خلال وجه أمّه مريم الكلّيّة القداسة. جميلة الذّكرى في ليلة عيد الأمّ، فنصلّي من أجل كلّ أم، لكي يغدق الله عليها نعمه، ونجعلها تعيش حياة سعيدة، ويعزّي قلبها في المحن والشّدائد والصّعوبات من أيّ نوع كانت.

4- القدّيسة ريتا، شفيعة الكابيلا الّتي نحتفل بمرور خمسين سنة على بنائها، هي مثال كلّ أمّ امتحنتها مصاعب الحياة. عاشت حياة صعبة مع زوجها الّذي افتعل مشاكل عدّة في محيطه حتّى قُتل! وكان ولداها يسعيان للأخذ بالثّأر. فكانت تقول لهما لا يحقّ لكما أن ترتكبا خطيئة القتل الّتي ينهي عنها الله. وإذ ظلاّ مصمّمين على الأخذ بالثّأر، طلبت من الله أن يموتا قبل ارتكاب هذه الخطيئة العظيمة. فمرضا الواجد تلو الآخر وفارقا الحياة. لكن الألم اعتصر قلب الأمّ. فكانت الأمّ الأرملة بموت زوجها، والأمّ الثّكلى بموت ابنيها. لكنّها صمدت وثبتت على صخرة الإيمان. وفتحت قلبها على سماع صوت الله الّذي دعاها للتّرهّب. فتقدّست في حياتها الرّهبانيّة، وطبع الله جبينها بجرح سرّ الفداء وأضحت في التّقوى الشّعبيّة شفيعة الأمور المستعصية. إن سرّها كان إيمانها، مثل المرأة النّازفة ويئيرس.

5- الإيمان هو لغتنا مع الله، ومفتاح ما نلتمس منه. إنّه يقرأ إيماننا كما هو في قلوبنا. المرأة النّازفة لم تطلب شفاءها بالكلام بل بالفعل النّاطق والمعبّر عن إيمانها. يئيرس التمس شفاء ابنته لا قيامتها من الموت. وعندما قال له يسوع "لا تخف، يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك" . آمن وترك يسوع يواصل طريقه إلى بيته. فكانت المعجزة. نحن نلتمس مثل هذا الإيمان الصّامد بالرّجاء على الرّغم من كلّ ما يعاكسه. القدّيس بولس يدعونا إلى "الرّجاء ضدّ كلّ رجاء". فقيمة الإيمان هو الثّبات فيه خلال المحن.

6- أسعدت وتشرّفت صباح اليوم مع سفيرنا في القاهرة بزيارة فخامة رئيس الجمهوريّة المصريّة عبد الفتّاح السّيسيّ فشكرته بإسم اللّبنانيّين على المساعدات المتنوّعة والسّخية الّتي أرسلها إلى شعبنا ومؤسّساتنا، بعد تفجير مرفأ بيروت، وعلى الإفساح بالمجال أمام اللّبنانيّين للعمل وإنشاء شركات في مصر العزيزة، وعلى فتح الأسواق المصريّة للتّفّاح اللّبنانيّ، وعلى وساطته الدّائمة لصالح لبنان، وبخاصّة لعودة العلاقات الطّبيعيّة مع المملكة العربيّة السّعوديّة وبلدان الخليج.

ولمسنا لديه اهتمامًا خاصًّا بالقضيّة اللّبنانيّة وبضرورة إجراء الانتخابات النّيابيّة والرّئاسيّة في مواعيدها الدّستوريّة آملاً أن تكون فرصة للتّغيير. وتحدّثنا عن إمكانيّات الحلول للأزمة السّياسيّة في لبنان الّتي هي في أساس الأزمات الاقتصاديّة والأمنيّة والمصرفيّة والماليّة والاجتماعيّة. وأودّ أن أتوجّه معكم بالتّحية إلى فخامته شاكرين له محبّته للبنان وشعبه.

7- كما لمسنا أيضًا من ناحية أخرى، كم أنّ الشّعب المصريّ محبّ للبنان، ومتألّم للحالة الّتي وصل إليها، ويرغب من صميم القلب خروجه منها. وإنّي أحيّي اللّبنانيّين الآتين حديثًا إلى مصر بهدف تحقيق ذواتهم، وهم يخلصون، مثل الّذين سبقوهم، لمصر المضيافة، ولسلطاتها ولشعبها ويقدّمون مساهمتهم في إنمائها وتقدّمها في كلّ القطاعات من خلال ما حباهم الله من فكر نيّر وخلّاق.

8- نصلّي كي نصمد دائمًا في الإيمان وبخاصّة في ظروفنا الصّعبة، ملتمسين من الله ازدهار مصر ونهوض وطننا لبنان من أزماته، فيستعيد دوره ورسالته وسط الأسرتين العربيّة والدّوليّة. وليتمجّد الله في كلّ ذلك. آمين."

وكان البطريرك الرّاعي قد زار ظهر اليوم دير راهبات قلب يسوع المصريّات في القاهرة حيث كان في استقباله بطريرك الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك ابراهيم اسحق ورئيسة الدّير الأمّ ماري ناديا سعيد وجمهور الرّاهبات.