لبنان
05 تشرين الثاني 2019, 06:00

البطريرك الرّاعي: الأسرار تَظهَر لنا أنّ مسبحة الورديّة هي "صلاة تأمّليّة"

تيلي لوميار/ نورسات
أنهى مساءً بطريرك الموارنة ما بشارة بطرس الرّاعي، خلال التّنشئة المسيحيّة، نقل مضمون الفصل الثّاني من الرّسالة الرّسوليّة للقدّيس البابا يوحنَّا بولس الثَّاني: "ورديّة العذراء مريم" (16 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2002). وهو بعنوان: "أسرار المسيح– أسرار أمّه"، فقال:

"الورديّة هي "مختصر الإنجيل". فرأينا كيف هي كذلك في سرَّي الفرح والنّور. نُواصِل اليوم النظر في سرَّيّ الألم والمجد. في كلّ هذه الأسرار تَظهَر لنا مسبحة الورديّة أنّها "صلاةٌ تأمّليّة". فيجب ألاّ نخسر عند تلاوتها قيمتها التأمُّليَّة الّتي تساعدنا على تطبيق مضامين أسرارها على أحداث حياتنا الشَّخصيَّة والعائليّة والاجتماعيَّة والوطنيَّة.

1. أسرار الألم (الفقرة 22)

إنّها تقود كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ يتلوها إلى أن يحيا في داخله آلام يسوع وموته، واقفًا عند أقدام الصّليب، إلى جانب مريم، لكي يدخل معها في أعماق حبِّ الله للإنسان، وينعمَ بأمومتها مثل يوحنَّا، ويلتزم مثله ببنوَّته لها، ويَضمَّ آلامه إلى آلام الفادي فتتَّخذ قيمةً خلاصيَّةً.

عندما نتأمَّل في أسرار الألم، ندرك أنَّ يسوع بلغ ذروة حبِّه للبشر، وأنَّه ينبوع الخلاص لكلّ إنسان.

السِّرُّ الأوَّل يفتتح آلام يسوع كمدخلٍ أساس. ففي الجسمانيَّة حيث قضى ليلته الأخيرة في الصَّلاة والمرارة والخوف ارتسمَتْ أمامه خطايا البشريَّة جمعاء، من آدم حتّى نهاية الأزمنة. فأعلنَ طاعتَه لإرادة الآب الخلاصيَّة: "لتكن مشيئتك، لا مشيئتي" (لو42:22).

أمَّا الأسرار الأربعة الباقية فتقدِّم لنا كلفة هذه الطَّاعة التَّكفيريَّة للآب: الجلد، والتَّكليل بالشَّوك، وحمل الصَّليب، والموت عليه.

عندما قدَّمه الوالي للشَّعب قال: "هوذا الرَّجل"، بمعنى هذا هو المجرم الذي ادَّعى أنَّه ملك اليهود. لكنَّ هذه الكلمة تتَّخذ من نور يسوع بُعدًا نبويًّا. وهو أنَّ من يريد أن يعرف ذاته وكلّ إنسان فلينظر إلى يسوع "هذا الرّجل"، ليعرف بواسطته معنى وجوده، وفيه مصدر كماله، ويجد طريقه في الحياة، وقد قال عن نفسه: "أنا الطَّريق والحقُّ والحياة" (يو6:14).

2. أسرار المجد (الفقرة 23)

التّأمُّل في وجه يسوع لا يتوقّف عند موته مصلوبًا. الورديَّة تقودنا إلى أن نتجاوز ظلمة الآلام، لنحدِّق بنظرنا إلى مجد المسيح في القيامة وفي الصُّعود. يسوع يجلس عن يمين الآب، ويعتلن ملك الملوك وسيّد السَّادة. وسوف تشاطره أمُّه مريم في مجده، بعد فرح القيامة، إذ تُنقل بامتيازٍ بنفسها وجسدها إلى السَّماء، وتُتوَّج إلى جانب ابنها ملكةَ السَّماء والأرض، وملكةَ الملائكة والقدِّيسين.

في سرّ المجد الثَّالث تضع الورديَّة، في وسط المساء الممجّد للابن وأمِّه، العنصرة التي تُظهر وجه الكنيسة كأسرةٍ متَّحدةٍ مع مريم، يحييها فيض الحبّ الغامر، ويُطلقها الروح لرسالة التّبشير بالإنجيل في العالم كلّه.

أسرار المجد تساعدنا لندرك وجودنا الجديد في المسيح، في واقع الكنيسة، بقوّة الرّوح القدس الحيّ والمحيي، الذي يُجدِّد وجه الأرض، ويُجدِّدُنا. ثمَّ إنّ هذه الأسرار تُغذّي فينا رجاء الغاية النّهيويّة التي نسير إليها كشعب الله عبر مسيرة التّاريخ، حاملين بشجاعةٍ الشّهادة للبشرى السّارّة.

3. طريق مريم (الفقرة 24)

الورديَّة هي "طريق مريم" الذي يبلغ بنا إلى معرفة سرّ المسيح التي تفوق كلّ معرفة (كول3: 17-19). إنَّها طريق مريم، عذراء النّاصرة، امرأة الإيمان والصّمت والإصغاء. هذا الطريق يقودنا من خلال مريم إلى المسيح. فأسراره هي نوعًا ما سرّ أمّه.

4. كلّ سرٍّ من الورديَّة يُنير سرّ الإنسان (الفقرة 25)

ذلك أنّ سرّ المسيح هو سرّ الإنسان. هذا هو مضمون الورديّة الأنتروبولوجي. هذا ما يؤكّده المجمع الفاتيكانيّ الثّاني: "بالحقيقة لا تُلقى الأضواء الحقّة على سرّ الإنسان، إلّا من خلال سرّ الكلمة المتجسّد" (فرح ورجاء، 22). هذا النور نشاهده في جميع أسرار الورديّة، حيث يتجلّى وجه المسيح ابن الانسان، وتعليمه في مثل حياته وكلامه وأفعاله. وهكذا كلّ سرّ من الورديّة، إذا تأمّلنا فيه جيّدًا، ينير سرّ الإنسان.

في اللّقاء مع بشريّة الفادي نحمل قضايانا العديدة والانشغالات والأتعاب والمشاريع التي تطبع حياتنا، كما يحضّنا المزمور: "ألقِ على الرّبّ حملك وهو يعولك" (مز23:55). في الورديّة نسلّم أثقالنا إلى قلبَي يسوع وأمّه مريم الرّحيمَين".