البطريرك الدويهي هبة السماء للكنيسة، جاءتنا في الزمن الصعب": الأب بولس قزّي
كانت للأب بولس القزّي طالب دعوى تطويب البطريرك الدويهي كلمة بعنوان "هبة السماء للكنيسة"، ممّا قال فيها:
"إسطفان الدويهي هو البطريرك الأوّل في الكنيسة المارونيّة الذي يكتب اسمه على لائحة الطوباويّين.
ولد البطريرك الدويهي في إهدن، يوم عيد مار إسطفانوس أوّل الشهداء، وذلك في 2 آب 1630، من والدين تقيّين، هما الشدياق ميخائيل الإهدناني الدويهي ومريم الدويهي، وقد دعي إسطفان تيّمنًا بالقدّيس الشهيد؛ وفي التاريخ عينه سيدخل (دخل) هو نفسه التاريخ، بعد 394 عامًا من ولادته".
وأضاف: "صدق من قال: "حيث يمرّ الله هناك القدّيسون". نعم، وكأنّ الله مرّ في إهدن، واختار إسطفان الدويهي الذي فقد والده وهو بعد في الثالثة من عمره لينشأ يتيمًا، وليكون هذا الذي نحتفي به اليوم: 2 آب 2024، هديّة السماء التي انتظرناها أكثر من 394 سنة وقد جاءتنا كنعمة إلهيّة في الزمن الصعب".
وتابع: "لمّا بلغ الحادية عشرة من عمره، أرسل في العام 1641 إلى المدرسة المارونيّة في روما حيث كان علامةً فارقةً في الدرس والتحصيل، ومن هناك بدأت رحلته مع التمايز الذي استمرّ فيه حتّى مماته، قارئًا، باحثًا، منقّبًا، كاتبًا، ليتورجيًّا مؤرّخًا إلى أن استحقّ الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت، ولقّب بالعلّامة إضافةً إلى ألقاب لا حصر لها، ولعلّ أبرزها: "وحيد عصره وفريد دهره في العلم والقداسة. وملفانٌ شديد الذكاء..." حتّى إنّه لشدّة كدّه في سبيل العلم وسهره الليالي، فقد بصره وهو في الثامنة عشرة من عمره، غير أنّ العذراء أعادت له بصره ومنحته قوّة البصيرة والقدرة على استشراق المستقبل، بعد استغراق طويل في الصلاة وطلب الشفاء".
وقال الأب قزّي: "عاد إلى لبنان سنة 1655، وسيم كاهنًا في الخامس والعشرين من شهر آذار/مارس، عيد سيّدة البشارة عام 1656، وهو ابن ستّة وعشرين عامًا، لينطلق بعدها إلى التعليم والتأليف، ومحو الأميّة وإلغاء الجهل وإلى تولّي مهامّ كنسيّة في غير مكان وخصوصًا تدريسه الأولاد في إهدن، فكان منهم الكاهن والراعي، كما إنّه جال للوعظ وللرياضات الروحيّة في لبنان كلّه. أُرسل إلى حلب حيث قضى حوالى سبع سنوات، وأسّس مدرسة الكتّاب المارونيّة، واشتهر بوعظه وعلمه، حيث دعي "فم الذهب الثاني" وبقربه من المسيحيّين جميعهم الذين أعادوا اتّحادهم بالكنيسة الجامعة مع إخواننا السريان الكاثوليك مع بطريرك الأوّل أخاجيان والأرمن الكاثوليك وغيرهم من الكنائس الشرقيّة وكان المحور الجامع للسفراء ورجال العلم. وكان قد تمّ تعيينه من قبل مجمع انتشار الإيمان مرسلًا خاصًّا في الشرق. وبعد زيارة حجّ مع والدته للأراضي المقدّسة، وكان قد بلغ الثمانية والثلاثين من عمره، رقّاه البطريرك جرجس السبعليّ إلى درجة الأسقفيّة في 8 تمّوز/يوليو 1668، على كرسي مطرانيّة قبرص، وبعد سنتين من تفقّد الموارنة في جزيرة قبرص، انتخب في وادي قنّوبين بطريركًا على الموارنة في 20 أيّار/مايو 1670 وكان له من العمر أربعون سنة؛ حاول التهرّب، لكنّه خضع أخيرًا لمشيئة الله".
وتابع الأب بولس: "عانى الدويهي واضطهد كثيرًا إبّان تولّيه السدّة البطريركيّة، لكنّه لم يستسلم بل ظلّ يقاوم ويكافح، يؤلّف ويكتب، يشدّ أزر الرعيّة ويقوّي عزيمة الناس، يدعمهم ويقف إلى جانبهم، مستمدًّا من الضعف والفقر قوّةً وغنًى، متسلّحًا بإيمان عميق به تغلّب على المحن والتجارب. وكان يهرب من مغارة إلى أخرى في وادي قنّوبين وذلك بسبب الاضطهاد الحادّ، كما أنّه ترك الوادي أكثر من سبع مرّات، بعد حادثة مع جباة الجزية، قائلًا "أنا عليّ أن أترك الوادي كرامةً لشعبي وحفاظًا على كنيستي". وانتقل من يومها إلى دير مار شلّيطا مقبس في غوسطا، كسروان وجعل منه كرسيًّا بطريركيًّا. بعدها انتقل إلى بلدة مجدل المعوش، الشوف سنة 1682 بسبب نظرته الثاقبة إلى مستقبل لبنان، وباشر ببناء كنيسة مار جرجس، وبقي ثلاث سنوات حيث عمل على لمّ شمل الطوائف المتناحرة، ناشرًا جوًّا من الألفة بينها، معزّزًا مفهوم العيش المشترك بين مكوّنات لبنان، والحقيقة تقال أنّه كان السبّاق في رؤيته للبنان المستقبل".
وأكمل الأب قزّي: "جعل البطريرك الدويهي في أثناء الاضطهاد كرسيّه البطريركي ممتدًّا من قنّوبين إلى غوسطا إلى مجدل المعوش. وبكلام آخر، كتب البطريرك إسطفان الدويهي تفاصيل 2 آب 1630 على امتداد أيّام حياته الأرضيّة، إلى أن رقد برائحة القداسة في 3 أيّار 1704 ودفن، بناءً على رغبته، مع أسلافه البطاركة القدّيسين، في مغارة القدّيسة مارينا في وادي قنّوبين، لكنّ أعماله وما أتاه من عجائب لم تدفن، بل ظلّت حيّةً في الكتب والعقول والنفوس والقلوب، وتناقلها المؤمنون والمؤرّخون ورؤساء الكنيسة على امتداد مئات السنين، إلى أن حانت الساعة ليبدأ مشوار التقديس بعد أن ذاعت بطولة فضائله بسبب الشفاءات الخارقة، والتي في أثرها تألّفت لجانٌ كنسيّةٌ بطريركيّة وأسقفيّة ومؤسّسات اجتماعيّة عديدة لملاحقة دعوى البطريرك الدويهي التاريخيّة".
تابع الأب بولس: "ابتداءً من 17 تمّوز عام 2000، قرّر السينودوس المارونيّ مجدّدًا فتح دعوى تطويب وتقديس البطريرك الدويهي، وتمّ تعييني طالبًا للدعوى لدى الكرسي الرسوليّ في مجمع القدّيسين. وانتهى التحقيق في المرحلة الأبرشيّة سنة 2002. ووافق قداسة البابا بنيدكتوس السادس عشر على بطولة فضائله وأعلنه مكرّمًا، وذلك في 3 تموز 2008. ثمّ بدأنا مرحلة التحقيق الأبرشيّ، في الشفاء الخارق للسيّدة روزيت زخيا كرم المنسوب إلى شفاعة البطريرك المكرّم مار إسطفان الدويهي، وهي كانت تعاني من مرض يسمّى "Polyarthrite seronegative". وبتاريخ 30 آذار 2023 وافقت لجان الأطبّاء في مجمع القدّيسين، على الأعجوبة المنسوبة إلى البطريرك المكرّم إسطفان الدويهي بالإجماع التامّ والكامل، أي الأعضاء الستّة جميعهم؛ ثمّ ثبّت المؤتمر اللاهوتيّ الخاصّ بالدراسة، على أعجوبة الشفاء. وفي السادس من شباط من العام 2024، وافق مجمع الكرادلة والأساقفة في روما، على الأعجوبة. وبعد نحو شهر، أي في 14 آذار 2024، اجتمع رئيس مجمع القدّيسين نيافة الكاردينال مارتشيلو سيميرارو بقداسة البابا فرنسيس، ونتوّجه لهما بعاطفة شكر وامتنان، ووافق الأب الأقدس على ختم ملفّ إعلان البطريرك إسطفان الدويهي طوباويًّا على مذابح الكنيسة... بعد الشكر العميق، لقداسة البابا ومجمع القدّيسين والسينودس المارونيّ وغبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ولجان المحكمة والتاريخيّين واللاهوتيّين والأطبّاء والشهود ومؤسّسة البطريرك الدويهي، وصاحبة الشفاء، على تفانيهم وتضحياتهم ودعمهم، اسمحوا لي بأن أتوجّه بكلمة شكر وعرفان جميل لأمّي الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة بشخص رئيسها العامّ الأب العامّ هادي محفوظ، لما قدّمته لي في مسيرة هذه الدعوى طوال أربع وعشرين سنةً؛ وأقدّم شكري أيضًا لكلّ من رافقني بالصلاة، ولمحبّي البطريرك الدويهي في لبنان والعالم".
وختم الأب قزّي: "نعم في 2 آب، من لقّب بـ: "مجد لبنان ومنارة الشرق" مجّد وسيمجّد لبنان وأنار وسينير الشرق، وجمّل وسيجمّل بيعة الله. نعم هذا الطوباويّ هو هديّةٌ من السماء للكنيسة المارونيّة، وكما في الأمس كذلك اليوم وإلى الأبد سيكون صانع مجد الموارنة".