لبنان
30 كانون الأول 2020, 06:00

البطريرك الحويّك عاد إلى أحضان مزار سيّدة لبنان في حريصا

تيلي لوميار/ نورسات
دشّن البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي ظهر الثّلاثاء، نصب مؤسّس مزار سيّدة لبنان البطريرك المكرّم مار الياس بطرس الحويّك في حريصا، بحضور السّفير البابويّ في لبنان جوزيف سبيتاري، ورئيس عامّ جمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الموارنة الأب مارون مبارك، والرّئيسة العامّة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة الأم ماري أنطوانيت سعادة، والنّائب السّابق نعمة الله أبي نصر رئيس الرّابطة المارونيّة الّتي قدّمت هذا النّصب الّذي قام بتنفيذه النّحّات باسكال القاضي.

إستُهلّ اللّقاء بإزاحة السّتارة عن النّصب التّذكاريّ للبطريرك المكرّم والّذي وُضع في الباحة الخارجيّة لمزار سيّدة حريصا، ثمّ جرت صلاة التّبريك للتّمثال.

وبعدها كانت كلمة لرئيس مزار سيّدة لبنان الأب فادي تابت قال فيها إنّه من خلال النّصب التّذكاريّ الّذي احتفلنا بمباركته يعود إلى أحضان هذا المزار البطريرك المكرّم، الّذي طالما تردّد إليه وتضرّع إلى مريم العذراء، سيّدة لبنان لتحمي هذا الوطن، وشكر الأب تابت البطريرك الرّاعي على حضوره كما شكر الرّابطة المارونيّة وكلّ من ساهم في إنجاز هذا العمل الفنّيّ الرّائع .

أمّا الرّئيس العامّ لجمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الموارنة الأب مارون مبارك، قال كلمة جاء فيها: "ليس جديدًا على من بنى علاقة راسخة وطويلة مع المطران يوحنّا حبيب مؤسّس جمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الموارنة، أن يسند إلى أبناء الجمعيّة مهمّة إنشاء هذا المزار وإدارته وخدمته الرّوحيّة، فلقاؤنا اليوم، وقفة وفاء للبطريرك الياس الحويّك. صديق مؤسّسنا المطران يوحنّا حبيب، وقفة تقدير لما جمعهما من حبّ الوطن والحمية الرّوحيّة والغيرة الرّسوليّة، فكرّسا كلّ قدراتهما للخدمة والعطاء، بغية النّهضة والإنماء.

لقاؤنا اليوم وقفة وجدانيّة نستلهم فيها مسيرتهما لنشكر الرّبّ على عطاياه فيهما: بطريرك قائد حكيم، ومطران قاضٍ نزيه، فيهما نرى ما يحتاجه بلدنا اليوم، الحكمة في القيادة والنّزاهة في القضاء حتّى تستقيم حالنا في حماية سيّدة لبنان."

ثمّ كانت كلمة لرئيس الرّابطة المارونيّة النّائب السّابق نعمة الله أبي نصر، استذكرت مواقف البطريرك الحويّك عندما طالبَ بدولةِ لبنان الكبير، وضمّ الولايات العثمانيّة الأربعة، وراهن أمام اللّبنانيّين والعالم، أنَّهُ يمكنُ للحضارَتينِ الإسلاميّة والمسيحيّة، ويمكنُ للدّيانَتين أنّ تُؤَسِسا لدولةٍ واحدةٍ موَحَّدةٍ ذاتَ سيادة وعيشٍ مشترك، ليكونَ لبنانَ قُدوةً للعالم.  

وقال أبي نصر في كلمته: "الرّهانُ الآخر جاءَ على لسانِ مار بشارة بطرس الرّاعي ساعةَ إعلان انتخابِه بطريركًا على الموارنة في الخامس عشر من شهر آذار 2011 فأطلقَ دُعاءَهُ الشّهير، شراكة ومحبّة.  

وتوجّه إلى الرّاعي شاكرًا رعايته لهذا الحفل وقائلاً: " نحن لسنا في أزمةِ تأليفِ حكومةٍ فحسب، نحن أيضًا في أزمةِ حكمٍ ونظامٍ، جعلَ من رئيسِ الحكومة؛ الحاكمَ الفعليّ الأوّل، يفاوضُ، ويخطِّطُ منفردًا بإسم لبنان مع الدّول، ويقرِّرُ في مستقبلِ الوطن، غير آبهٍ باستعادة التّوازن والتّكافؤ والشّراكة في آليّة الحكم والمؤسّسات العامّة وإحياء الممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة في شتّى الميادين السّياسيّة والاجتماعيّة، لكي يستعيد لبنان سيادته واستقلاله وعافيته ودوره الرّائد في الشّرق العربيّ والعالم فيصبح فعلاً لا قولاً، بلدًا حرًّا ومستقلاًّ."

بدوره، قال البطريرك المارونيّ: "أحيّي جميع الحضور الّذين تربطهم وتربطنا علاقة خاصّة بالبطريرك المكرّم، وسأبدأ بالبطريركيّة كخلف خامس للبطريرك الحويّك، يمسّني هذا الاحتفال بالعمق كي نحافظ على الوديعة الّتي سلّمها البطريرك الحويّك للبطريركيّة المارونيّة، كما أنّ حضور السّفير البابويّ له رموز وقيم، فعند الاحتفال باليوبيل الذّهبيّ لعقيدة الحبل بلا دنس، البطريرك الحويّك آنذاك والسّفارة البابويّة قرّروا إنشاء مزار سيّدة لبنان ولذلك هذا الرّباط بين السّفير البابويّ وحريصا له قيمته المعنويّة، واللّافت أنّ الصّلاة الّتي نقولها تُظهر العلاقة المتينة بين الكرسيّ الرّسوليّ والبطريركيّة المارونيّة، ونحن نحافظ على هذا الرّباط المقدّس مع الكرسيّ الرّسوليّ لأنّه عزيز على قلبنا.

إنّ وجود جمعيّة الآباء المرسلين اللّبنانيّين بشخص الرّئيس العامّ والمشيرين والأب فادي تابت رئيس المزار والكهنة، هو دليل على الإخلاص للوديعة الّتي استلموها من البطريرك الحويّك وهي مزار سيّدة لبنان، ودليل على إخلاصهم كجمعيّة مارونيّة لشخص البطريرك الحويّك، وإنّ وجود الرّئيسة العامّة لراهبات العائلة المقدّسة له قيمته أيضًا وهنّ الحاملات في قلبهنّ وصلواتهنّ قضيّة تطويب البطريرك الحويّك الّتي تسلك على طريق التّقديس ونرافقها نحن بالصّلاة كي تصل الى خواتيمها وتُرفع على المذابح.

وأريد أيضًا أن أحيّي الرّابطة المارونيّة الحريصة على التّراث المارونيّ وأشكر رئيسها النّائب السّابق نعمة الله أبي ونصر وكلّ الأعضاء على ولائهم للبنان والبطريركيّة المارونيّة وأشكركم على حملكم قضيّة مئويّة لبنان الكبير في هذا المجسّم للبطريرك الحويّك. وأريد أن أحيّي الفنان باسكال القاضي على هذا العمل الفنّيّ الرّائع، فالبطريرك المكرّم ترك إرثًا مكتوبًا يذكّر كلّ من جلس بجانب النّصب أكان مواطنًا أم مسؤولاً، بحبّ الوطن، وهو البطريرك العظيم الّذي أرسلته العناية الإلهيّة لوطننا".

وإختتم كلمته قائلاً: "أحيّيكم جميعًا وسويًّا نشكر الرّبّ على الإرث الّذي تركه لنا البطريرك الحويّك وعلى مزار سيّدة لبنان، والأكيد أنّ هذا الاحتفال لا ينتهي الآن بل جدّد فينا الهمم والرّجاء والثّبات بإخلاصنا للعذراء مريم وبإيماننا ومحبّتنا للبنان، فالبطريرك الحويّك ناضل كثيرًا في سبيل لبنان وتحمّل الشّدّة والإساءات وأراد أن يعلّمنا كيف تكون محبّة الأوطان، فهو تحمّل كثيرًا وصبر كثيرًا ووصل لما أراده، ونحن كلبنانيّين مهما كانت الصّعوبات لا يمكننا أن نضحّي بهذا الوطن الوحيد بنوعه ورسالته في كلّ الشّرق، ولا ننسى كلمة البطريرك الحويّك الشّهيرة في فرنسا عندما سألوه عن طائفته فقال إنّ طائفتي هي لبنان، وهكذا أطلق الانتماء للوطن ليس من الدّين ولا الطّائفة بل من المواطنة فأسّس ما يُعرف اليوم بالدّولة المدنيّة بكلّ مفاهيمها، فصل بين الدّين والدّولة، وحافظ على احترام الله، وفتح لبنان الكبير الّذي لاموه حينها، ولكنّه كان يعلم ماذا يفعل، فهذه رسالة المسيحيّة والكنيسة المفتوحة على الجميع، وراهن على القيم والعيش المشترك والتّعدّديّة والتّنوّع الثّقافيّ والدّينيّ، وهذا ما يميّز لبنان عن باقي بلدان الشّرق الأوسط، هذه هي الوديعة الّتي نحملها، ورغم الصّعوبات الّتي نمرّ بها، لا يجب أن ننسى أنّ مسبحة البطريرك الحويّك صلاته هي طريق الخلاص الوحيد، ولنتذكّر أنّ لبنان رسالة ونموذج كما قال البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، عشتم وعاش لبنان ".