البابا يزرع الرّجاء في رسالته لليوم العالميّ للمريض
وفي هذه الرّسالة كتب، وفقًا لما نشر "فاتيكان نيوز": "نحتفل باليوم العالميّ الثّالث والثّلاثين للمريض في السّنة اليوبيليّة لعام ٢٠٢٥، الّتي تدعونا فيها الكنيسة لكي نصبح "حجّاج رجاء". ترافقنا في هذه الرحلة كلمة الله الّتي تقدّم لنا من خلال القدّيس بولس رسالة تشجيع عظيمة للتّشجيع: "الرّجاء لا يخيّب" لا بل هو يجعلنا أقوياء في الشّدّة.
إنّها كلمات تعزية، ولكنّها قد تثير بعض التّساؤلات في قلوب الّذين يتألّمون، على سبيل المثال: كيف نبقى أقوياء عندما تلمسنا في أجسادنا الأمراض الخطيرة أو المرهقة الّتي قد تتطلّب علاجات تتجاوز إمكانيّاتنا؟ كيف نثبت في القوّة عندما نرى بجانب ألمنا معاناة أحبّائنا الّذين، رغم قربهم منّا، يشعرون بأنّهم عاجزين عن مساعدتنا؟ في مثل هذه الظّروف، نشعر بالحاجة إلى دعم أكبر منّا: نحن بحاجة إلى مساعدة الله، ونعمته وعنايته، وإلى تلك القوّة الّتي هي عطيّة روحه القدّوس.
لنتوقّف لحظة للتّأمّل حول حضور الله القريب من المتألّمين، لاسيّما من خلال ثلاثة جوانب تميِّزه: اللّقاء، العطيّة، والمشاركة. أوّلًا اللّقاء. عندما أرسل يسوع الاثنين والسّبعين تلميذًا في رسالة أوصاهم بأن يقولوا للمرضى: "قد اقترب منكم ملكوت الله". بمعنى أنّه طلب منهم أن يساعدوهم لكي يفهموا أنَّ المرض، على الرّغم من كونه أليم ويصعب فهم، يمكنه أن يكون فرصة للّقاء مع الرّبّ. ففي زمن المرض، في الواقع، بينما نشعر من جهة بضعفنا كمخلوقات- جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا- نختبر من جهة أخرى قرب وشفقة الله الّذي في يسوع المسيح قد شاركنا آلامنا. فهو لا يتركنا، وغالبًا ما يفاجئنا بعطيّة ثبات لم نكن نتوقّع أنّنا نملكه أو أنّنا سنجده بمفردنا.
يصبح المرض إذًا مناسبة للقاء يغيّرنا، واكتشاف لصخرة لا تتزعزع يمكننا أن نتشبَّث بها لمواجهة عواصف الحياة. إنّها خبرة، على الرّغم من التّضحية، تجعلنا أقوى لأنّنا ندرك أنّنا لسنا وحدنا. ولهذا يقال إنّ الألم يحمل دائمًا سرَّ خلاص، لأنّه يجعلنا نختبر التّعزية القريبة والحقيقيّة الّتي تأتي من الله، وصولًا إلى "معرفة ملء الإنجيل بكلّ وعوده وحياته". وهذا الأمر يقودنا إلى نقطة التّأمّل الثّانية: العطيّة. في الواقع نحن لا نتنبّه أبدًا كما في زمن الألم أنّ كلّ رجاء يأتي من الرّبّ، وأنّه أوّلًا عطيّة علينا أن نتقبّلها وننمّيها، "ثابتين في الأمانة لأمانة الله"، كما تقول مادلين ديلبريل. في الواقع، لا يجد مصيرنا مكانه في الأفق اللّامتناهي للأبديّة إلّا في قيامة المسيح. فمن خلال فصحه المقدّس فقط يأتينا اليقين بأنّ لا شيء، "لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ". ومن هذا "الرّجاء العظيم" ينبع كلّ شعاع نور آخر يساعدنا على تخطّي تجارب وصعوبات الحياة.
ليس هذا فحسب، بل إنّ المسيح القائم من بين الأموات يسير معنا أيضًا، جاعلًا نفسه رفيقنا في الطّريق، كما فعل مع تلميذي عمّاوس. مثلهما، يمكننا أن نشاركه نحن أيضًا حيرتنا وقلقنا وخيبات أملنا، وأن نصغي إلى كلمته الّتي تنيرنا وتلهب قلوبنا، وأن نتعرّف على حضوره في كسر الخبز، ونفهم أنّه في وجوده معنا، حتّى ضمن حدود الحاضر، نجد ذلك "البعد الآخر" الّذي يقترب منّا، ويعيد إلينا الشّجاعة والثّقة. ونصل هكذا إلى الجانب الثّالث، وهو المشاركة. غالبًا ما تكون أماكن الألم أماكن مشاركة متبادلة، نُغني فيها بعضنا البعض. كم من مرّة، بجانب سرير شخص مريض، نتعلّم الرّجاء! وكم من مرّة، بالقرب من شخص يتألّم، نتعلّم الإيمان! وكم من مرّة، عندما ننحني لمساعدة شخص محتاج، نكتشف المحبّة! ندرك حينها أنّنا "ملائكة" رجاء، ومرسلون من لله، لبعضنا البعض، جميعنا معًا: مرضى، وأطبّاء، وممرّضون، وأقارب، وأصدقاء، وكهنة، ورهبان وراهبات؛ أينما كنّا: في العائلات، في العيادات، في دور الرّعاية، في المستشفيات والعيادات المتخصّصة. من المهمّ أن نفهم جمال وقيمة هذه اللّقاءات المليئة بالنّعمة، وأن نتعلّم أن نحفظها في أرواحنا لكي لا ننساها: فنحافظ في قلوبنا على ابتسامة لطيفة لأحد العاملين الصّحّيّين، أو نظرة مُمتنّة وملؤها الثّقة لمريض، أو وجهًا متفهّمًا ومهتمًّا لطبيب أو متطوّع، أو وجهًا مترقبًّا وقلقًا لزوج أو ابن أو حفيد أو صديق عزيز. جميع هذه الأمور هي علينا أن نكتنزها، وهي حتّى في ظلام التّجربة، لا تمنحنا القوّة فحسب، بل تعلّمنا المعنى الحقيقيّ للحياة في المحبّة والقرب.
أيّها المرضى الأعزّاء، أيّها الإخوة والأخوات الّذين تقدّمون مساعدتكم للمتألّمين، لديكم في هذا اليوبيل دورًا مميّزًا أكثر من أيّ وقت مضى. لأنّ سيركم معًا في الواقع هو علامة للجميع، "نشيد للكرامة البشريّة، وأنشودة رجاء"، صوتها يذهب أبعد من غرف وأسرّة أماكن الرّعاية الّتي تتواجدون فيها، لكي يحفّز ويشجّع "تناغم المجتمع بأسره" في المحبّة، في انسجام قد يبدو صعب المنال أحيانًا، ولكنّه لهذا السّبب، يكون أكثر عذوبة وقوّة، وقادرًا على أن يحمل النّور والدّفء إلى أكثر الأماكن حاجةً إليهما. إنَّ الكنيسة بأسرها تشكركم على هذا! وأنا أيضًا أشكركم، وأصلّي من أجلكم، وأوكلكم إلى العذراء مريم، شفاء المرضى، من خلال الكلمات الّتي توجّه بها إليها العديد من الإخوة والأخوات في شدّتهم: تحت ذيل حمايتك نلتجئ يا والدة الله القدّيسة، فلا تغفلي عن طلباتنا عند احتياجنا إليك، لكن نجّينا دائمًا من جميع المخاطر، أيّتها العذراء المجيدة المباركة. أبارككم، مع عائلاتكم وأحبّائكم، وأطلب منكم، من فضلكم، ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."