الفاتيكان
03 حزيران 2025, 11:15

البابا لاون الرّابع عشر: العلمانيّون مدعوّون أيضًا ليكونوا "صيّادي عائلات"

تيلي لوميار/ نورسات
"التّبشير مع عائلات اليوم والغد. تحدّيات كنسيّة وراعويّة"، هو عنوان النّدوة الّتي تنظّمها دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة.

وللمناسبة، وجّه البابا لاون الرّابع عشر رسالة إلى المشاركين كتب في سطورها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ هذا الموضوع يُعبّر بوضوح عن القلق الوالديّ للكنيسة تجاه العائلات المسيحيّة المنتشرة في جميع أنحاء العالم: فهي أعضاء حيّة في الجسد السّرّيّ للمسيح، وهي النّواة الكنسيّة الأولى الّتي أوكل إليها الرّبّ مهمّة نقل الإيمان والإنجيل، لاسيّما إلى الأجيال الجديدة. وبالتّالي فالسّؤال العميق المكتوب في قلب كلّ إنسان، يمنح الآباء والأمّهات مهمّة أن يجعلوا أبناءهم يدركون أبوّة الله، بحسب ما كتبه القدّيس أوغسطينوس: "كما أنّ فيك لدينا نبع الحياة، كذلك في نورك نرى النّور".

نحن نعيش في زمن يتميّز بسعي متزايد نحو الرّوحانيّة، لاسيّما بين الشّباب، الّذين يرغبون في علاقات أصيلة ومعلّمي حياة. ولهذا بالذّات، من المهمّ أن تعرف الجماعة المسيحيّة كيف تنظر إلى البعيد، فتكون حارسة، أمام تحدّيات العالم، للتّوق إلى الإيمان الّذي يسكن في قلب كلّ إنسان. ومن الملحّ بشكل خاصّ، في هذا الجهد، أن نولي اهتمامًا خاصًّا لتلك العائلات الّتي، لأسباب مختلفة، هي بعيدة روحيًّا: تلك الّتي لا تشعر بأنّها معنيّة، أو الّتي تعلن عدم اهتمامها، أو الّتي تشعر بأنّها مستبعدة من المسارات المشتركة، لكنّها، مع ذلك، تودّ بطريقة ما أن تكون جزءًا من جماعة تنمو معها وتسير معها. كم من الأشخاص، اليوم، يجهلون الدّعوة إلى اللّقاء مع الله! وللأسف، إزاء هذه الحاجة، فإنّ "الخصخصة" المُنتشرة للإيمان كثيرًا ما تمنع هؤلاء الإخوة والأخوات من التّعرّف على غنى الكنيسة وعطاياها، وعلى كونها مكان للنّعمة، والأخوّة، والمحبّة!

وبهذا وعلى الرّغم من الرّغبات السّليمة والمقدّسة، وبينما يبحثون بصدق عن نقاط ارتكاز تساعدهم على صعود دروب الحياة الجميلة والفرح الكامل، ينتهي الأمر لكثيرين منهم بالاتّكال على نقاط ارتكاز زائفة لا تحتمل ثقل تطلّعاتهم العميقة، فتتركهم يسقطون مجدّدًا إلى الأسفل، وتبعدهم عن الله، وتجعلهم كغرقى في بحر من المغريات الدّنيويّة. ومن بينهم آباء وأمّهات، وأطفال، وشباب، ومراهقون، يجدون أنفسهم أحيانًا مغتربين بسبب نماذج حياة وهميّة لا مكان فيها للإيمان، وتُسهم في انتشارها بشكل غير قليل إساءة استخدام وسائل في ذاتها جيّدة- كوسائل التّواصل الاجتماعيّ- ولكنّها تصبح ضارّة عندما تُستَخدَم كوسائط لرسائل مضلّلة. ولذلك فإنّ ما يدفع الكنيسة في جهدها الرّاعويّ والإرساليّ هو بالتّحديد الرّغبة في "صيد" هذه الإنسانيّة، وإنقاذها من مياه الشّرّ والموت، من خلال اللّقاء مع المسيح.

وربّما كثير من الشّباب، الّذين يختارون اليوم العيش معًا بدلًا من الزّواج المسيحيّ، يحتاجون في الواقع إلى من يُظهر لهم بشكل ملموس ومفهوم– وخاصّة من خلال مثال الحياة– ما هي عطيّة النّعمة الأسراريّة، وما هي القوّة الّتي تنبع منها؛ ومن يساعدهم لكي يفهموا "جمال وعظمة الدّعوة إلى المحبّة وخدمة الحياة" الّتي يمنحها الله للزّوجين. بالطّريقة عينها، يحتاج كثير من الآباء والأمّهات، في تنشئة أبنائهم على الإيمان، إلى جماعات تدعمهم في تهيئة الظّروف الّتي تمكّن هؤلاء الأبناء من لقاء يسوع، أيّ "أماكن تتحقّق فيها تلك الشّركة في المحبّة الّتي تجد مصدرها الأسمى في الله نفسه". فالإيمان هو، أوّلًا، جواب على نظرة حبّ، والخطأ الأكبر الّذي يمكننا أن نرتكبه كمسيحيّين هو، بحسب كلمات القدّيس أوغسطينوس، "أن ندَّعي أنّ نعمة المسيح تكمن في مثاله فقط، لا في عطيّة ذاته". كم مرّة، في الماضي القريب ربّما، نسينا هذه الحقيقة وقدّمنا الحياة المسيحيّة بشكل رئيسيّ كمجموعة من الوصايا الّتي ينبغي اتّباعها، مستبدلين اللّقاء الرّائع مع يسوع– الله الّذي يهب ذاته لنا– بدين أخلاقيّ صارم، ثقيل، غير جذّاب، وفي بعض النّواحي غير قابل للتّحقيق في واقع الحياة اليوميّة.

في هذا السّياق، تقع المسؤوليّة أوّلًا على عاتق الأساقفة، خلفاء الرّسل ورعاة قطيع المسيح، بأن يلقوا الشّبكة في البحر، ويصبحوا "صيّادي عائلات". لكن، حتّى العلمانيّون مدعوّون أيضًا لكي يشتركوا في هذه الرّسالة، ليصبحوا، إلى جانب الكهنة، "صيّادين" للأزواج، والشّباب، والأطفال، والنّساء والرّجال من جميع الأعمار والظّروف، لكي يلتقي الجميع بالّذي وحده قادر أن يخلّص. إنَّ كلّ واحد منّا، في الواقع، في المعموديّة، قد شُكِّل كاهنًا وملكًا ونبيًّا من أجل الإخوة، وصار "حجرًا حيًّا" لبناء بيت الله "في الشّركة الأخويّة، وفي تناغم الرّوح، وفي تعايش التّنوّعات". لذا، أطلب منكم أن تنضمّوا إلى الجهود الّتي تبذلها الكنيسة بأسرها في البحث عن هذه العائلات الّتي لم تقترب بعد من تلقاء نفسها؛ لنتعلّم كيف نسير معها، وكيف نساعدها على أن تلتقي بالإيمان، فتصبح بدورها "صيّادة" لعائلات أخرى.

لا تسمحوا بأن تُحبطكم المواقف الصّعبة الّتي قد تجدونها أمامكم. صحيح أنّ الخلايا العائليّة اليوم قد جُرحت بطرق كثيرة، لكنَّ "إنجيل العائلة يغذّي أيضًا تلك البذور الّتي ما زالت تنتظر أن تنضج، وعليه أن يعتني بتلك الأشجار الّتي جفّت وتحتاج إلى عناية". لهذا السّبب، هناك حاجة كبيرة لتعزيز اللّقاء مع حنان الله، الّذي يقدّر ويحبّ قصّة كلّ شخص. لا يتعلّق الأمر بإعطاء إجابات سريعة على أسئلة صعبة، بل بأن نقترب من الأشخاص، ونصغي إليهم، ونحاول معهم أن نفهم كيف نواجه الصّعوبات، منفتحين، عند الضّرورة، على معايير جديدة للتّقييم، وأساليب مختلفة للعمل، لأنّ كلّ جيل يختلف عن الآخر، ويطرح تحدّيات وأحلامًا وتساؤلات خاصّة به. ولكن، وسط كلّ هذه التّغيّرات، يبقى يسوع المسيح "هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد". لذلك، إذا أردنا أن نساعد العائلات على عيش مسيرة فرح وشركة، وأن تكون بذار إيمان لبعضها البعض، فعلينا أوّلًا أن نغذّي ونجدّد هويتنا كمؤمنين.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أشكركم على ما تقومون به! ليكن الرّوح القدس مرشدكم في تمييز المعايير والأساليب الملائمة للالتزام الكنسيّ الّذي يدعم ويعزّز رعويّة العائلة. ولنساعد العائلات على أن تُصغي بشجاعة لنداء المسيح ودعوات الكنيسة! أذكركم في صلاتي، وأمنحكم من كلّ قلبي فيض البركة الرّسوليّة."