أوروبا
04 نيسان 2022, 07:50

البابا في مالطا... ما كانت أبرز محطّات يوم السّبت؟

تيلي لوميار/ نورسات
خطا البابا فرنسيس، يومي السّبت والأحد، كحاج على خطى مار بولس في مالطا، في زيارة رسوليّة هي السّادسة والثّلاثون له.

وفي اليوم الأوّل من الزّيارة، وصل البابا صباح السّبت إلى مطار مالطا الدّوليّ حيث استقبله السّفير البابويّ في مالطا المطران ألساندرو ديريكو وسفير مالطا لدى الكرسيّ الرّسوليّ فرانك زاميت ورئيس الجمهوريّة جورج ويليام فيلا وعقيلته، لينتقل بعدها إلى القصر الرّئاسيّ في وسط العاصمة في لافاليتا، حيث عقد لقاءً خاصًّا مع فيلا في قاعة السّفراء، عقبه تبادل للهدايا ولقاء مع عائلة رئيس الجمهوريّة وتوقيع للسّجلّ الذّهبيّ. وفي ختام اللّقاء رافق رئيس الجمهوريّة الأب الأقدس إلى قاعة الوصفاء حيث التقى برئيس الوزراء روبرت أبيلا مع أسرته لبضع دقائق، بعد ذلك، توجّهوا إلى قاعة المجلس الأكبر حيث تمَّ اللّقاء مع السّلك الدّبلوماسيّ والسّلطات، ألقى البابا خلاله كلمة سلّط فيها الضّوء على جزيرة مالطا، كـ "قلب المتوسّط"، مشيرًا إلى التّنوّع  

الّذي يميّز شعوب مالطا، وإلى قيمتي الحرّيّة والدّيمقراطيّة مع الحفاظ على الذّاكرة واحترام التّناغم بين الأجيال، دون الانجرار وراء تجانس اصطناعيّ واستعمار أيديولوجيّ.

وتطرّق الأب الأقدس إلى ظاهرة الهجرة ومأساة البحر الأبيض المتوسّط داعيًا إلى مسؤولية أوروبيّة متقاسمة، لكي يعود المتوسّط مجدّدًا مسرحًا للتّضامن، وكي لا يكون موقعًا للغرق المأساويّ للحضارة.  

هذا وحثّ على فتح القلوب على مصراعيها واكتشاف من جديد جمال خدمة المحتاجين ومساعدتهم، واعتبار أنّ "الآخر ليس فيروسًا ينبغي أن نحمي أنفسنا منه، بل هو شخص لا بدّ من استضافته، على الرّغم من أنّ الضّيافة تتطلّب الجهد وتقديم تنازلات ولكنّها من أجل خير أكبر، من أجل حياة الإنسان، الّذي هو كنز الله".

ودعا مالطا أن تستمرّ في الإبقاء على نبضات الرّجاء والاعتناء بالحياة، واستقبال الآخر، والتّوق إلى السّلام، بمساعدة الله، الّذي اسمه السّلام، وصناعة تعايشر مثمر، لافتًا إلى أنّ هذا ما يحتاج إليه الشّرق الأوسط، مسمّيًا لبنان، سوريا، اليمن ومناطق أخرى تعاني من المشاكل والعنف.  

أمّا عصرًا فترأّس البابا الصّلاة في مزار تابينو المريميّ في غوزو، أشهر مواقع الحجّ في مالطا، والّذي يعود إلى القرن الخامس عشر ميلاديّ. وهناك عند مدخله الجانبيّ، اجتمع حوالي 3000 مؤمن، وكان في استقباله أمين عامّ سينودس الأساقفة ورئيس أساقفة مالطا وأسقف غوزو ورئيس المزار الكاردينال غريتش الّذي سلّمه الصّليب. بعدها توجّه الأب الأقدس إلى الكنيسة حيث وضع وردة ذهبيّة أمام لوحة العذراء، وتلا بدوره ثلاث مرّات صلاة السّلام عليك يا مريم كما طلبت العذراء مريم في ظهورها. بعدها بارك الحبر الأعظم المرضى الموجودين في الكنيسة وتوجّه إلى ساحة المزار حيث ترأّس الصّلاة مع المؤمنين المحتشدين في الخارج؛ وخلال الصّلاة ألقى البابا فرنسيس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "لمّا أخذ يسوع على نفسه جراح البشريّة، صلّى وقال: "إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟". هذه هي صلاتنا أيضًا في لحظات الحياة الّتي يطبعها الألم. ولكن ساعة يسوع ساعة الموت على الصّليب لم تكن نهاية التّاريخ وإنّما بداية حياة جديدة، يمكننا أن نتأمّلها من مزار تابينو، تلك الكنيسة الصّغيرة الّتي أصبحت وجهةَ للحجّاج وينبوعَ حياة جديدة.

تفتخر الكنيسة في مالطا بتاريخ ثمين تستقي منه الكثير من الغنى الرّوحيّ والرّعويّ. لكن حياة الكنيسة ليست أبدًا مجرّد "تاريخٍ ماضٍ نتذكّره"، بل هي "مستقبل عظيم يجب بناؤه"، في الطّاعة لمشاريع الله. وبالتّالي نحن بحاجة إلى إيمان يتأسّس ويتجدّد في اللّقاء الشّخصيّ مع المسيح، وفي الإصغاء اليوميّ إلى كلمته، وفي المشاركة الفعّالة في حياة الكنيسة، وفي روح التّقوى الشّعبيّة. أعلم أنّكم بدأتم، من خلال السّينودس، عمليّة تجديد، وأشكُرُكم على هذه المسيرة. أيّها الإخوة والأخوات، هذا هو الوقت المناسب لنعود إلى تلك البداية، تحت الصّليب، وننظر إلى الجماعة المسيحيّة الأولى. لكي نكون كنيسة تهتمّ بالصّداقة مع يسوع وبشارة إنجيله، ولا تبحث عن فسحات واعتبارات، كنيسة تكون الشّهادة فيها هي المحور وليس بعض العادات الدّينيّة، كنيسة ترغب في أن تذهب للقاء الجميع مع مصباح الإنجيل المضاء، لا أن تكون دائرة مغلقة. وبالتّالي لا تخافوا من أن تسلكوا مسارات جديدة، للبشارة والإعلان، تلمس الحياة.

إنّ يسوع أوكل العذراء ويوحنّا تحت الصّليب إلى بعضهما البعض وبالتّالي فالعودة  إلى البداية تعني أيضًا أن ننمّي فنّ الضّيافة. إنّ يسوع لم يوكل أمِّه إلى يوحنّا لكي لا تبقى بمفردها بعد موته، وإنّما كعلامة ملموسة لنا لعيش الوصيّة الكبرى، وصيّة المحبّة. لأنّ عبادة الله تمرُّ من خلال القرب الأخويّ. إنّ الاستقبال المتبادل بإسم المسيح هو تحدٍّ دائم أوّلاً بالنّسبة لعلاقاتنا الكنسيّة، لأنّ رسالتنا ستؤتي ثمرها إذا عملنا في صداقة وشركة أخويّة. لكن الاستقبال هو أيضًا العلامة بأنّ الكنيسة مطبوعة بروح الإنجيل."  

وذكّر البابا في هذا السّياق بخبرة الرّسول بولس الّذي استقبله سكّان مالطا، بعد غرقٍ مروّع، "إذ يقول "قابَلَنا الأَهلونَ فأَوقَدوا نارًا وقَرَّبونا جَميعًا إِلَيهِم حَولَها لِنُزولِ المَطَرِ وشِدَّةِ البَرْد"، هذا هو الإنجيل الّذي نحن مدعوّون إلى أن نعيشه: أن نستقبل، ونكون خبراء في الإنسانيّة، ونشعل نيران الحنان عندما يخيّم برد الحياة على الّذين يتألّمون. أنتم جزيرة صغيرة، ولكن قلبكم كبير. أنتم كنز في الكنيسة وللكنيسة. ولكي نحافظ عليه، يجب أن نعود إلى جوهر المسيحيّة: إلى محبّة الله، محرّك فرحنا، الّذي يجعلنا نخرج ونسير في دروب العالم، ونستقبل الآخرين، وهذه هي أبسط وأجمل شهادة لنا في العالم."

تخلّل الصّلاة، قراءة من إنجيل القدّيس يوحنّا (19: 25- 27)، وأربع شهادات وكلمة لأسقف غوزو المطران أنطوني تويما رحّب فيها بالأب الأقدس في جزيرة صغيرة إنّما قلبها كبير، كما قال، وأشار إلى أنّ الكنيسة المحلّيّة ممثّلة في هذا اللّقاء، كنيسة جذورها راسخة في التّاريخ، سائلاً الأب الأقدس أن يساعدنا لنصلّي كي نصبح أكثر فأكثر مثل مريم، تلاميذ حقيقيّين ليسوع.