أوروبا
04 نيسان 2022, 08:45

البابا في مالطا... قدّاس ولقاء المهاجرين قبل العودة إلى روما

تيلي لوميار/ نورسات
في صباح اليوم الثّاني من زيارته الرّسولية إلى مالطا، التقى البابا فرنسيس في السّفارة البابويّة أعضاء الرّهبانيّة اليسوعيّة في مالطا في لقاء خاصّ دام حوالي الأربعين دقيقة، بعدها توجّه إلى مغارة القدّيس بولس في الرّباط وهي المكان الّذي أقام فيه القدّيس بولس في سنة 60 بعد المسيح، بعد أن، وبسبب عاصفة رهيبة، غرقت السّفينة الّتي كانت تقلّه إلى روما لكي تتمَّ محاكمته، وحيث بقي رسول الأمم في مالطا لمدّة ثلاثة أشهر، يُعلن كلمة الله ويحتفل بالإفخارستيّا ويعمّد ويشفي المرضى. كان في استقبال الأب الأقدس رئيس بازيليك القدّيس بطرس في الرّباط الأب جوزيف ميتزي الّذي رافقه إلى المغارة حيث توقّف للصّلاة وإضاءة شمعة أمام تمثال القدّيس بولس؛ بعدها توجّه إلى البازيليك حيث التقى بعدد من القادة الدّينيّين الحاضرين والمرضى الّذين تساعدهم هيئة كاريتاس المحلّيّة.

بعدها- وبحسب "فاتيكان نيوز"- توجّه الأب الأقدس إلى مدينة فلوريانا إلى ساحة "Piazzale dei Granai" حيث ترأّس القدّاس الإلهيّ، عاونه فيه رئيس أساقفة مالطا المطران تشارلز شيكلونا وعدد من أساقفة البلاد، وللمناسبة ألقى عظة "تمحورت حول حدث لقاء يسوع بالمرأة الزّانية، وتوقّف فيها عند شخصيّة المرأة والأشخاص الّذين كانوا يتّهمونها وقال إنّنا نرى فيهم صورة الّذين يتفاخرون بأنّهم أبرار، ويحافظون على شريعة الله، وأنّهم أشخاص محترمون وشرفاء. لا ينتبهون إلى أخطائهم، لكنّهم حريصون جدًّا على البحث عن أخطاء الآخرين. هكذا ذهبوا إلى يسوع: لا بقلب منفتح لكي يصغوا إليه، بل "لِيُحرِجوهُ فيَجِدوا ما يَشْكونَه بِه". وأكّد في هذا السّياق أنّنا نحن أيضًا عرضة لهذا الموقف لأنّه في كلّ زمان وفي كلّ جماعة، هناك على الدّوام خطر عدم فهمنا ليسوع، وأن يكون اسمه على شفاهنا فيما نُكذِّبه بأفعالنا. فنكون من أولئك الأشخاص الّذين يجعلون من الإيمان مجرّد واجهة، ما يبرز منها فقط هو مظهرها الخارجيّ المهيب، لكن ينقصها الفقر الدّاخليّ، الغنى الأثمن للإنسان. فيما أنَّ ما يهمُّ بالنّسبة ليسوع هو الانفتاح المُستعدَّ للّذين لا يشعرون بأنّهم قد وصلوا، وإنّما بأنّهم يحتاجون للخلاص. وهذا ما نراه في المرأة الزّانية الّتي وإذ كانت تنهال عليها الشّتائم، وكانت مستعدّة لتسمع كلمات حكم لا ترحم وعقوبات شديدة، رأت بدهشة أنّ الله قد غفر لها، وشرّع أمامها مستقبلاً غير متوقّع.

وأكّد البابا أننا نتعلّم من هذه الحادثة أنّ كلّ ملاحظة، إذا لم تحركّها المحبّة ولم تكُن فيها المحبّة، هي تُحطّم من ينالها؛ أمّا الله فهو يترك دائمًا إمكانيّة مفتوحة، ويعرف كيف يجد في كلّ مرّة دروبًا للتّحرير والخلاص. لقد تغيّرت حياة تلك المرأة بفضل المغفرة. وقد نُفكّر أيضًا أنّها، إذ غفر لها يسوع، تعلّمت هي أيضًا أن تغفر بدورها. وربّما لم تعد ترى في مُتّهميها أشخاصًا متشدّدين وأشرارًا، وإنّما الّذين سمحوا لها بأن تلتقي بيسوع. وهذا ما يريده الرّبّ لنا أيضًا، نحن، تلاميذَه، وككنيسة، إذ يغفر لنا، أن نصبح شهود مصالحة لا يكلّون.

وفي ختام القدّاس الإلهيّ تلا قداسة البابا فرنسيس صلاة التّبشير الملائكيّ مع المؤمنين وقبل الصّلاة وجّه الحبر الأعظم كلمة شكر فيها رئيس الجمهوريّة والسّلطات، والأساقفة، والكهنة والرّهبان والرّاهبات، وجميع المواطنين والمؤمنين في مالطا وغوزو على الاستقبال والمحبّة وقال هذا المساء، بعد أن أكون قد التقيت بالعديد من الإخوة والأخوات المهاجرين، سيكون قد حان الوقت لكي أعود إلى روما، ولكنّني سأحمل معي الكثير من اللّحظات والكلمات من هذه الأيّام. سأحتفظ بقلبي بشكل خاصّ بالعديد من الوجوه، وبوجه مالطا المُنير! وخلص البابا إلى القول في هذه الجزر يمكن للمرء أن يتنفّس "حسَّ" شعب الله. سيروا قدمًا على هذا النّحو، مُتذكّرين أنّ الإيمان ينمو بالفرح ويتقوّى في العطاء."

أمّا عصرًا فزار البابا فرنسيس مركز المهاجرين الّذي يحمل اسم القدّيس يوحنّا الثّالث والعشرين، أو "Peace Lab" أيّ مختبر السّلام، داخل مركز الهجرة المالطيّ، والّذي أسّسه الأب الفرنسيسكانيّ ديونيسوس مينتوف عام 1971، وتديره اليوم منظّمة من المتطوّعين من بينهم ليفينغستون اليد اليمنى للأب مينتوف، وهو طالب من كينيا. وهو يستقبل حوالي خمسين مهاجرًا معظمهم من الصّومال وإريتريا والسّودان، ويقدّك عملاً تربويًّا للمهاجرين في مجال حقوق الإنسان والعدالة بالإضافة إلى المساعدة الطّبّيّة؛ ويستقبل طالبي اللّجوء ويعتني بتعزيز التّضامن والقيم المسيحيّة بشكل عامّ.

بعد الاستقبال، اجتمع البابا حوالي 200 مهاجر وأصغى إلى شهادتي حياة لضيفين من ضيوف المركز، ثمّ وجّه كلمة قال فيها: "كما قلت منذ بضعة أشهر في لسبوس، "أنا هنا لأقول لكم إنّي قريب منكم... أنا هنا لأرى وجوهكم، ولأنظر في عيونكم". منذ اليوم الّذي ذهبت فيه إلى لامبيدوزا، لم أَنسَكم قط. بل أحملكم دائمًا في قلبي، وأنتم دائمًا حاضرون في صلواتي.

إنّ قصص هؤلاء المهاجرين تجعله يفكّر بقصص الآلاف والآلاف من الأشخاص، أُجبروا في الأيّام الأخيرة على الهرب من أوكرانيا بسبب الحرب. وأيضًا بقصَص رجالٍ ونساءٍ كثيرين، أُجبروا على ترك بيوتهم وأرضهم في آسيا وأفريقيا والأميركيّتين، بحثًا عن مكان آمن."  

وقال أفكّر في مراكز الاستقبال: كم هو مهم أنّ تكون هذه الأماكن مليئة بالإنسانيّة! مشيرًا إلى العوامل العديدة الّتي تسبّب التّوتر والتّأزّم. ومع ذلك، في كلّ قارّة، هناك أشخاص وجماعات تقبل التّحدّي، وتدرك أنّ واقع الهجرة هو علامة الأزمنة الّتي تكون فيها الحضارة على المحكّ. وبالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، تكون على المحك أيضًا الأمانة لإنجيل يسوع، الذي قال لنا "كُنتُ غَريباً فآويتُموني".

وأضاف: "إسمحوا لي، أيّها الإخوة والأخوات، أن أعبّر عن حلمي، بأن تتمكّنوا أنتم المهاجرون، بعد أن اختبرتم استقبالاً غنيًّا بالإنسانية والأخوّة، من أن تصبحوا شهود ومُحرِّكي استقبال وأخوّة. هنا وحيث يشاء الله، وحيث ستقود العناية الإلهيّة خطواتكم. هذا هو الحلم الّذي أرغب في أن أتقاسمه معكم والّذي أضعه بين يدي الله. لأنّ ما هو مستحيل بالنّسبة لنا ليس مستحيلًا لدى الله. أعتقد أنّه من المهمّ جدًّا في عالم اليوم أن يصبح المهاجرون شهودًا للقيَم الإنسانيّة الأساسيّة لحياة كريمة وأخويّة. إنّها قيَم تحملونها في داخلكم وتنتمي إلى جذوركم. وما إن يلتئم جرح الانسلاخ والاقتلاع من جذوركم، يمكنكم أن تُظهروا هذا الغنى الّذي تحملونه في داخلكم، إرث إنسانيّة ثمين، وتتقاسموه مع الجماعات الّتي استقبلتكم، وفي كلّ بيئة تعيشون فيها. هذا هو الدّرب! درب الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة."

وفي الختام، أشار البابا إلى أنّه سيضيء شمعةً أمام صورة العذراء مريم وقال: "في التّقليد المسيحيّ، هذه الشّعلة الصّغيرة هي رمز للإيمان بالله. وهي أيضًا رمز للرّجاء، رجاء تعضده مريم العذراء أمّنا، في اللّحظات الصّعبة. إنّه الرّجاء الّذي رأيته اليوم في عيونكم، والّذي أعطى معنًى لرحلتكم ويجعلكم تسيرون قدمًا".

وبعد اللّقاء، توجّه البابا فرنسيس إلى مطار مالطا الدّوليّ حيث كان باستقباله رئيس جمهوريّة مالطا جورج ويليام فيلا، وأُقيمت مراسم الوداع الرّسميّة قبل أن يغادر إلى عائدًا إلى روما.