الفاتيكان
06 تشرين الأول 2021, 11:50

البابا فرنسيس يوضح "ما هي الحرّيّة المسيحيّة؟"

تيلي لوميار/ نورسات
تساءل البابا فرنسيس، خلال المقابلة العامّة الّتي أجراها اليوم في قاعة بولس السّادس، عن الحرّيّة المسيحيّة، مشيرًا إلى أنّ الأخيرة "تقوم على ركيزتين أساسيّتين: أوّلاً، نعمة الرّبّ يسوع. ثانيًا، الحقيقة الّتي يكشفها لنا المسيح والّتي هي نفسه"، فتأمّل بهذا الموضوع على ضوء رسالة بولس الرّسول إلى أهل غلاطية، وقال بحسب "فاتيكان نيوز":

وعن ذلك قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "نستعيد اليوم تأمّلنا حول رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية، والّتي كتب فيها القدّيس كلمات خالدة عن الحرّيّة المسيحيّة. ما هي الحرّيّة المسيحيّة؟ سنتوقّف واليوم عند هذا الموضوع: الحرّيّة المسيحيّة.

إنَّ الحرّيّة هي كنز لا يُقدَّر حقًّا إلّا عندما يضيع. بالنّسبة للكثيرين منّا، الّذين اعتادوا العيش في حرّيّة، غالبًا ما تظهر الحرّيّة كحقّ مكتسب أكثر من كونه عطيّة وإرثًا ينبغي علينا أن نحافظ عليه. ما أكثر سوء الفهم حول موضوع الحرّيّة، وكم هي مختلفة الرّؤى الّتي تصادمت عبر مرّ القرون! في حالة أهل غلاطية، لم يكن بإمكان بولس الرّسول أن يتحمّل أن يسمح هؤلاء المسيحيّين، بعد أن عرفوا وقبلوا حقيقة المسيح، أن تجذبهم مقترحات خادعة، وتنقلهم من الحرّيّة إلى العبوديّة: من حضور المسيح المحرّر إلى عبوديّة الخطيئة والشّريعة وما إلى ذلك. لذلك فهو يدعو المسيحيّين إلى الثّبات في الحرّيّة الّتي نالوها في المعموديّة، دون أن يسمحوا لـ"نير العبوديّة" أن يُخضعهم مرّة أخرى. إنَّ بولس دقيق جدًّا فيما يتعلّق بالحرّيّة. وهو يدرك أنّ بعض "الإِخوَةِ الكَذَّابينَ" قد دسّوا نفسهم في الجماعة "لِيتجَسَّسوا– كما يكتب– حُرِّيَّتَنا الَّتي نَحنُ علَيها في المسيحِ يسوع فيَستَعبِدونا"، وبالتّالي لا يمكنه أن يسمح بذلك. إنَّ البشارة الّتي تمنع الحرّيّة في المسيح لن تكون إنجيليّة أبدًا. لا يمكننا أبدًا أن نفرض شيئًا بإسم يسوع، كما لا يمكننا أن نستعبد أيّ شخص بإسم يسوع الّذي يحرّرنا.

لكن تعليم القدّيس بولس عن الحرّيّة إيجابيّ قبل كلّ شيء. يقترح بولس الرّسول تعليم يسوع، والّذي نجده أيضًا في إنجيل يوحنّا: "إِن ثَبتُّم في كلامي كُنتُم تلاميذي حَقًّا تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم". فالدّعوة إذن هي أوّلاً أن نثبت في يسوع، مصدر الحقّ الّذي يحرّرنا. وبالتّالي تقوم الحرّيّة المسيحيّة على ركيزتين أساسيّتين: أوّلاً، نعمة الرّبّ يسوع. ثانيًا، الحقيقة الّتي يكشفها لنا المسيح والّتي هي نفسه.

إنّها أوّلاً عطيّة من الرّبّ. إنَّ الحرّيّة الّتي نالها أهل غلاطية- ونحن مثلهم- هي ثمرة موت يسوع وقيامته. يركّز بولس الرّسول كلّ وعظه على المسيح، الّذي حرّره من الرّوابط مع حياته الماضية: منه فقط تنبعث ثمار الحياة الجديدة بحسب الرّوح. إنّ الحرّيّة الحقيقيّة، في الواقع، الحرّيّة من عبوديّة الخطيئة، قد انبعثت من صليب المسيح. هناك بالتّحديد حيث سمح يسوع بأن يُسمَّر، وضع الله مصدر التّحرّر الجذريّ للإنسان. هذا الأمر لا يتوقّف أبدًا عن إدهاشنا: أنّ المكان الّذي نُجرّد فيه من جميع أشكال الحرّيّة، أيّ الموت، يمكنه أن يصبح مصدرًا للحرّيّة. لكن هذا هو سرّ محبّة الله! ويسوع نفسه قد أعلن ذلك عندما قال: "إِنَّ الآبَ يُحِبُّني لِأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً". يحقّق يسوع حرّيّته الكاملة في تسليم نفسه للموت؛ فهو يعلم أنّه بهذه الطّريقة فقط يمكنه أن ينال الحياة للجميع.

لقد اختبر بولس سرّ الحبّ هذا بنفسه. ولهذا يقول لأهل غلاطية بجرأة شديدة: "لقد صُلِبتُ مع المسيح". هو يعرف أنّه في فعل الاتّحاد الأسمى بالرّبّ، قد نال أعظم عطيّة في حياته: الحرّيّة. في الواقع، لقد سمّر على الصّليب "الجَسَدَ وما فيه مِن أَهْواءٍ وشَهَوات". نحن نفهم مدى تأثير الإيمان على القدّيس بولس الرّسول، ومدى عظمة علاقته الحميمة مع يسوع، وبينما نشعر، من ناحية، أنّنا نفتقر إلى ذلك، تشجّعنا من ناحية أخرى، شهادة الرّسول.

الرّكن الثّاني للحرّيّة هو الحقيقة. في هذه الحالة أيضًا، من الضّروريّ أن نتذكّر أنّ حقيقة الإيمان ليست نظريّة مجرّدة، بل هي حقيقة المسيح الحيّ، الّتي تلمس بشكل مباشر معنى حياتنا الشّخصيّة اليوميّ والشّامل. إنَّ الحقيقة تحرّرنا بقدر ما تغيّر حياة الإنسان وتوجّهها نحو الخير. لكي نكون أحرارًا حقًّا، نحن لا نحتاج لأن نعرف ذواتنا وحسب، على المستوى النّفسيّ، وإنّما وبشكل خاصّ لأنّ نجعل الحقيقة فينا على مستوى أعمق. وهناك، في القلب، ننفتح على نعمة المسيح. على الحقيقة أن تقلقنا، وأن تطرح علينا الأسئلة باستمرار، لكي نتمكّن من التّعمّق في ما نحن عليه حقًّا. بهذه الطّريقة نكتشف أنّ مسيرة الحقيقة والحرّيّة هي مسيرة متعبة تدوم مدى الحياة. مسيرة ترشدنا فيها وتعضدنا المحبّة الّتي تأتي من الصّليب: المحبّة الّتي تكشف لنا الحقيقة وتمنحنا الحرّيّة. وهذه هي مسيرة السّعادة."