الفاتيكان
27 حزيران 2019, 06:15

البابا فرنسيس يوجّه رسالة للمشاركين في مؤتمر دوليّ حول العمل، والمحتوى؟

وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة للمشاركين في المؤتمر الدّوليّ حول العمل الذي نظَّمته منظّمة العمل الدّوليّة في جينيف من العاشر وحتّى الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنَّ العمل ليس مجرّد شيء نقوم به من أجل شيء آخر. ولكنَّ العمل هو أوّلًا، وقبل كلِّ شيء، ضرورة، وجزء من معنى الحياة على هذه الأرض، ووسيلة للنّموّ وللتنمية البشريّة وتحقيق الذّات. إنَّه تعبير على أنّنا خُلِقنا على صورة ومثال الله العامل. فبالإضافة إلى كونه أساسيّ لكي يحقق الإنسان ذاته، يبقى العمل أساسيًّا أيضًا للتّنمية الاجتماعيّة. يكتب سلفي القدّيس يوحنّا بولس الثّاني أمرًا جميلًا عندما يشرح أنَّ العمل هو عمل مع الآخرين وعمل من أجل الآخرين، وكثمرة له يقدّم العمل مناسبات للتّبادل والعلاقات واللّقاءات.

إنّ دعوتنا للعمل ترتبط بشكل وثيق بالطّريقة التي نتفاعل من خلالها مع محيطنا ومع الطّبيعة. نحن مدعوّون لحراثة حديقة العالم والحفاظ عليها (راجع تكوين ٢، ١٥)، أيّ أن نزرع الأرض لكي تخدم احتياجاتنا بدون أن نفشل في الاعتناء بها وحمايتها. إنّ العمل هو وسيلة للنّمو ولكن عندما يكون فقط نموًّا شاملًا ويساهم في النّظام البيئيّ الكامل للحياة. وبالتّالي لا يمكن اعتبار العمل مجرّد سلعة أو أداة في سلسلة إنتاج السّلع والخدمات. ولكن بما أنّه الأساس للتّنمية البشريّة يأخذ العمل الأولويّة على جميع عوامل الإنتاج بما فيها رأس المال.

لكنّنا نحتاج لأن نلقي نظرة صادقة على الوقائع لكي نرى أنَّ العمل غالبًا ما يعيق للأسف التّحقيق البشريّ ولا يخدم لحراثة خليقة الله والحفاظ عليها ولا لتحسين وتوطيد كرامة العمّال. فما هو إذًا نوع العمل الذي يجب علينا أن ندافع عنه ونخلقه ونعزّزه؟ عندما يكون نموذج التّنمية الاقتصاديّة قائم فقط على البعد الماديّ للشّخص أو عندما يفيد البعض فقط ويهمّش الآخرين أو عندما يؤذي البيئة ويجعل "أختنا الأرض، وجميع المهمّشين في العالم، يطالبوننا باتّخاذ مسار مختلف" (راجع "كُن مسبّحًا"، عدد ٥٣)؛ يحتاج عندها المسار الجديد للتّطوّر الاقتصاديّ المستدام لأن يضع الشّخص والعمل في محور التّطوّر، فيما نسعى لإدماج مسائل العمل مع مسائل البيئة، لأنّ كلّ شيء مرتبط ببعضه البعض وعلينا أن نستجيب بشكل شامل.

إنَّ المساهمة الصّحيحة لهذه الاستجابة الشّاملة هي ما تدعوها بعض الحركات الاجتماعيّة واتّحادات العمّال الـ "triple “T”"(tierra, techo, trabajo) أيّ الأرض والسّقف والعمل. لأنّنا لا نريد نظام تطوّر اقتصاديّ يدفع النّاس إلى البطالة وفقدان السّكن والأرض، لأنَّ "الأرض هي في الأساس إرث مشترك، ويجب أن تعود خيراتُها على الجميع" ("كُن مسبحًا"، عدد ۹٣) وأن تبلغ الجميع بشكل عادل. ولذلك يجبرنا الاعتماد المتبادل بين العمل والبيئة على إعادة التّفكير بنوع المهام التي نريد أن نعزّزها في المستقبل وتلك التي نحتاج لاستبدالها أو لنقلها على سبيل المثال كالنّشاطات المتعلّقة بالوقود الأحفوريّ الذي يسبب التّلوّث. وبالتّالي من الضّروريّ أن ننتقل من نموذج طاقة الوقود الأحفوريّ إلى طاقة أكثر تجدّدًا إن أردنا أن نعتني بأمّنا الأرض التي بدونها تفقد كل إمكانيّات العمل.

مساهمة أخرى للاستجابة الشّاملة للمشاكل الحاليّة التي تحيط بالعمل هي مجموعة أخرى من الـ(tradition,time,technology) Triple “T”   أيّ التّقليد والوقت والتّكنولوجيا. إنَّ كلمة تقليد تعني أن ننقل للآخرين ونسلّم وبالأخصّ للأجيال المقبلة. وفي مجال العمل نحن بحاجة لأنّ ننقل لا تقنيّة "أن نعرف كيف" وحسب وإنّما الخبرة والرّؤية والرّجاء أيضًا. أمّا فيما يتعلّق بالوقت بأنّ "سرعة التّغيير المستمرّة" و"السّرعة المكثّفة للحياة والعمل" لا تساهم في تطوّر مستدام أو في تحسين نوعيّة حياة الأشخاص. إنَّ الوقت في الواقع هو هدية من الله ننالها ونعززها ونقدّرها وحيث يمكننا أن نبدأ بعمليّة تقدّم بشريّ ويمكننا أن نتنبّه للحياة التي حولنا. لهذا السّبب نحتاج وللوقت لنعمل ونحتاج للوقت لنرتاح.

نعرف أيضًا أنَّ التّكنولوجيا التي ننال منها العديد من الفوائد والفرص يمكنها أن تُعيق التّطوُّر المستدام عندما تكون مرتبطة بنماذج القوّة والسّيطرة والتّلاعب. وكما يدعو موضوع اليوم العالميّ لمكافحة عمل الأطفال لعام 2019: "يجب ألّا ينشغل الأطفال بالعمل في الحقول، ولكن بتحقيق أحلامهم". وفيما يتعلّق بالشّباب فإنَّ نقص العمل يؤثّر سلبيًّا على قدراتهم بالحلم والأمل، ويحرمهم من إمكانيّة المساهمة في تطوير المجتمع. ولذلك نحن بحاجة لأن نصغي لجيل الشّباب وذلك لنحول موقف السّيطرة من خلال موقف عناية: عناية بالأرض وبأجيال المستقبل. إنّها مسألة عدالة أساسيّة بما أنَّ العالم الذي نلناه ينتمي أيضًا للذين سيتبعوننا."

وإختتم البابا: "في عالم اليوم المرتبط والمعقّد، نحن بحاجة لأن نسلّط الضّوء على أهميّة الخير والعمل المدمج والكريم. إنّه جزء من هويّتنا الإنسانيّة، وهو ضروريّ من أجل تطوّرنا البشريّ وحيويّ من أجل مستقبل كوكب الأرض. ولذلك فيما أُثني على العمل الذي قامت به منظّمة العمل الدّوليّة في القرن الماضي، أشجّع جميع الذين يخدمون المؤسّسة لكي تستمر في الاستجابة لمشكلة العمل في جميع تعقيداتها. نحن بحاجة لأشخاص ومؤسّسات تدافع عن كرامة العمال وكرامة عمل كلّ شخص وسلامة الأرض، بيتنا المشترك."