الفاتيكان
01 حزيران 2019, 10:16

البابا فرنسيس يلتقي بطريرك ومجمع الكنيسة الأرثوذكسيّة في رومانيا

في إطار زيارته الرّسوليّة إلى رومانيا، توجّه البابا فرنسيس، بعد ظهر يوم الجمعة، إلى مقرّ البطريركية الأرثوذكسيّة في العاصمة بوخارست للقاء البطريرك دانيال والسّينودس المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة. ووجّه الأب فرنسيس كلمةً بدأها بالتّحيّة الفُصحيّة "المسيح قام" مُذكّرًا بأنّ قيامة الرّبّ هي قلب البشارة الرّسوليّة التي تنقلها وتحفظها كنائسنا. أعرب بعد ذلك عن فرحه لوجوده في هذا المكان الذي زاره عشرين سنة مضت البابا يوحنا بولس الثاني. وجاء في كلمة البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز":

"أُريدُ أن أُذكّركم بالرّباط بين الكنيستين، والذي يعود إلى الرّسل شهود القائم من الموت، وبشكل خاصّ إلى الرّباط بين بطرس وأندراوس الذي حمل الإيمان إلى هذه الأرض. إنّ سمعان بطرس وأندراوس كانا أخوين أيضًا في بذل الدّم من أجل الرّبّ، ويُذكِّرنا هذا بأنّ هناك أخوّة دم تسبقنا ولم تتوقّف أبدًا عن أن تروي وتدعم مسيرتنا عبر القرون كمجرى صامت ومُحيي.

 

وأنتم اختبروا فصح الموت والقيامة، حيث عانى الكثير من أبناء وبنات هذا البلد من كنائس وجماعات مسيحيّة عديدة: جمعة الاضطهاد وعبروا سبت الصّمت وعاشوا أحد الولادة الجديدة. كما يوجود الكثير من الشّهداء والمؤمنين جنبًا إلى جنب في السّجون داعمين أحدهم الآخر، وهذا مثال بالنّسبة لنا وللأجيال التي لم تعرف تلك الظّروف المأساويّة. وهكذا، فإنّ ما تألّموا بسببه وصولًا إلى تقديم حياتهم، هو إرث ثمين لا يمكن نسيانه أو خزيه. وبالتّالي، لنحيا نحن أَيضًا حياةً جديدة بالوحدة بالمسيح في الألم والقيامة.

وبالنّسبة لزيارة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني إلى رومانيا سنة 1999 والتي كانت أوّل زيارة لأسقف روما إلى بلد ذي أغلبيّة أرثوذكسيّة، فهذه الزّيارة فتحت الطّريق أمام أحداث مماثلة.

 

وفي هذا السّياق، أذكّر بامتنان البطريرك تيوكتيست الذي التقى البابا بوحنّا بولس الثّاني خلال تلك الزيارة، كما وبتلك الصّرخة العفويّة من أجل الوحدة التي رافقت ذلك الحدث. إنّها صرخة إعلان رجاء أطلقه شعب الله ونبوءة افتتحت زمنًا جديدًا، زمن السّير معًا في إعادة إكتشاف وإيقاظ الأخوّة التي توحدنا. ولا بدّ من السّير معا بقوّة الذّاكرة، لا ذاكرة الأحكام المُسبقة التي تحبسنا في تصرّفات عقيمة، بل ذاكرة الجذور، القرون الأولى التي أُعلن فيها الإنجيل بروح نبوءة ليلتقي ويُنير شعوبًا وثقافات جديدة، قرون الشّهداء والآباء والقداسة المُعاشة، والتي شُهد لها يوميًّا من أشخاص بُسطاء. وأشكُر الله على تلك الجذور القويّة، ونحن مدعوّون وأمام الصّعاب عبر الزّمن إلى أن نذكر أعمال الرّب ونتأمّل فيها، حسبما يقول صاحب المزامير. وإنّ ذكرى الخطوات التي قمنا بها معًا تُشجّعنا على مواصلة السّير نحو المستقبل، واعين بالإختلافات، ولكن في المقام الأوّل بأجواء عائليّة يجب إعادة اكتشافها.

 

ويجب أن نسير معًا في إصغاء إلى الرّبّ، كما سار يسوع القائم مع تلميذَي عماوس، حيث استمع إليهما بصبر وحاورهما بقلب مُنفتح مُساعدًا إيّاهما على الفهم والتّمييز. وإنّنا نحن أيضًا في حاجة إلى الإصغاء إلى الرّبّ وخاصّةً في هذه المرحلة التي تشهد تغيّرات اجتماعيّة وثقافيّة سريعة، حيث استفاد كثيرون من التّطوّر التّكنولوجي والرّخاء الاقتصادي إلا أنّ الأغلبيّة ظلّت مستبعَدة، كما أنّ العولمة قد ساهمت في القضاء على قيم الشّعوب وأضعفت الأخلاقيّات، وتغلغلت إلى العيش معًا في السّنوات الأخيرة، مشاعر خوف غالبًا ما تُغذى عن قصد، ما يقود إلى انغلاق وكراهيّة. وبالتّالي نحن بحاجة إلى تبادل المساعدة كي لا نسقط في ثقافة كراهيّة وفرديّة. كما أنّ ضعف الرّوابط، والذي يؤدّي إلى عزل الأشخاص، يؤثّر بشكل خاص على الخليّة الأساسيّة للمجتمع، العائلة، ويتطلّب هذا منّا الخروج لمواجهة متاعب إخوتنا وأخواتنا، وخاصّةً الشّباب؛ ولكن لا بإحباط أو حنين إلى الماضي مثل تلميذَي عماوس، بل برغبة في إعلان يسوع القائم جوهر الرّجاء.

 

وإنّ المسيرة تصل إلى هدفها من خلال الصّلاة المُثابِرة لكي يمكث معنا الرّبّ الذي نعرفه في كسر الخبز ويدعونا إلى المحبّة وإلى الخدمة معًا. وأُشير هنا الى العديد من الأمثلة لجماعات أرثوذكسيّة رومانيّة تتعاون بشكل جيّد مع الكثير من الأبرشيّات الكاثوليكيّة في أوروبا الغربيّة حيث توجد هذه الجماعات. وفي حالات عديدة تنشأ علاقة ثقة متبادلة وصداقة تُغذّيها أفعال ملموسة، أفعال استقبال ودعم وتضامن. وهكذا أدرك كاثوليك وأرثوذكس كثر في رومانيا أنّهم ليسوا غرباء بل أخوة وأصدقاء.

 

علينا السّير معًا نحو عنصرة جديدة. إنّ الطّريق التي تنتظرنا هي من الفصح إلى العنصرة، من فجر الفصح الموحِّد الذي نشأ هنا عشرين سنة مضت نسير نحو عنصرة جديدة. وهذا زمن الصّلاة في حماية أم الله القدّيسة، وتضرّع كي يجدّدنا الرّوح القدس، وكي تلتهم ناره شكوكنا وتُبعد ريحه تردّدنا الذي لا يجعلنا نشهد معًا للحياة الجديدة التي يقدمها لنا، وليمنحنا هو صانع الأُخوّة نعمة السّير معًا.

 

وأدعوكم جميعًا إلى السّير معًا لمجد الثّالوث الأقدس وللفائدة المتبادلة ومساعدة إخوتنا على رؤية يسوع. وأشكركم مجدّدًا، مؤكّدًا لكم المحبّة والصّداقة والصّلاة من جانبه، ومن جانب الكنيسة الكاثوليكيّة."