الفاتيكان
27 كانون الثاني 2025, 06:55

البابا فرنسيس يعلن استعداد الكنيسة الكاثوليكيّة لقلول التّاريخ الّذي يريده الجميع من أجل توحيد عيد الفصح

تيلي لوميار/ نورسات
"شاءت العناية الإلهيّة أن يتزامن الاحتفال بعيد الفصح هذا العام في اليوم عينه بحسب التّقويمين الغريغوريّ واليوليانيّ، خلال هذه الذّكرى المسكونيّة تحديدًا. وبالتّالي أجدّد ندائي بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيّين لاتّخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد الفصح. والكنيسة الكاثوليكيّة على استعداد لقبول التّاريخ الّذي يريده الجميع: تاريخ للوحدة."

هذا ما قاله البابا فرنسيس في ختام أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين، ولمناسبة عيد ارتداد بولس الرّسول، خلال ترؤّسه صلاة الغروب، مساء السّبت، في بازيليك مار بولس خارج أسوار روما القديمة، وذلك في عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "وصل يسوع إلى بيت صديقتيه، مرتا ومريم، عندما كان أخوهما لعازر قد مات منذ أربعة أيّام. وكان يبدو أنّ كلّ أمل قد ضاع، لدرجة أنّ كلمات مرتا الأولى تعبّر عن ألمها مع النّدم لأنّ يسوع تأخّر في الوصول: "يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي". ولكن في الوقت عينه، يشعل وصول يسوع في قلب مرتا نور الرّجاء ويقودها إلى إعلان إيمان: "ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه". ويسوع في الواقع يعلن لها القيامة من الموت ليس فقط كحدث سيتمُّ في نهاية الأزمنة، بل كشيء يحدث في الحاضر، لأنّه هو نفسه القيامة والحياة. ومن ثمّ يوجّه إليها سؤالًا: " َتُؤمِنينَ بِهذا؟".

لنتوقف عند هذا السّؤال: " أَتُؤمِنينَ بِهذا؟". إنّه سؤال قصير لكنّه مُلزِم. هذا اللّقاء الحنون بين يسوع ومرتا، الّذي استمعنا إليه في إنجيل اللّيلة، يعلّمنا أنّه حتّى في لحظات الحزن العميق، نحن لسنا وحدنا ويمكننا أن نستمرّ في الرّجاء. لأنّ يسوع يمنح الحياة، حتّى عندما يبدو أنّ كلّ رجاء قد تلاشى. بعد خسارة مؤلمة، مرض، خيبة أمل مريرة، خيانة تعرّضنا لها، أو خبرات صعبة أخرى، قد يتزعزع الرّجاء؛ ولكن إذا كان كلّ واحد قد عاش لحظات من اليأس أو التقى بأشخاص فقدوا الرّجاء، فإنّ الإنجيل يقول لنا إنّه مع يسوع، يولد الرّجاء مجدّدًا على الدّوام، لأنّه من رماد الموت، هو ينهضنا على الدّوام، ويمنحنا القوّة لكي نستأنف المسيرة ونبدأ من جديد.

أيّها الإخوة والأخوات، هذا أمر مهمّ أيضًا لحياة الجماعات المسيحيّة، وكنائسنا، وعلاقاتنا المسكونيّة. أحيانًا نغرق في التّعب، ونشعر بالإحباط من نتائج التزامنا، ويبدو لنا أيضًا أنّ الحوار والتّعاون بيننا هما بلا رجاء، وكأنّهما محكومان بالموت، وهذا كلّه يجعلنا نختبر القلق عينه الّذي اختبرته مرتا؛ لكن الرّبّ يأتي. فهل نؤمن بهذا؟ هل نؤمن أنّه هو القيامة والحياة؟ وأنّه يجمع جهودنا ويمنحنا دائمًا النّعمة لكي نستأنف المسيرة معًا؟

إنَّ رسالة الرّجاء هذه هي في محور اليوبيل الّذي بدأناه. لقد كان الرّسول بولس، الّذي نحتفل اليوم بذكرى ارتداده إلى المسيح، يقول لمسيحيّي روما: "إنَّ الرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا". جميعنا قد نلنا الرّوح نفسه، وهذا هو أساس مسيرتنا المسكونيّة. وسنة يوبيل الرّجاء هذه، الّتي تحتفل بها الكنيسة الكاثوليكيّة، تتزامن مع ذكرى ذات أهمّيّة كبيرة لجميع المسيحيّين: ذكرى مرور ١٧٠٠ عام على أوّل مجمع مسكونيّ كبير، مجمع نيقية. لقد التزم هذا المجمع بالحفاظ على وحدة الكنيسة في مرحلة صعبة جدًّا، وأقرّ الآباء المجتمعون بالإجماع قانون الإيمان الّذي ما زال العديد من المسيحيّين يتلوّنه كلّ أحد خلال القدّاس الإلهيّ. إنّها صيغة إيمان مشتركة تتجاوز كلّ الانقسامات الّتي جرحت جسد المسيح عبر القرون. لذلك، فإنّ ذكرى مجمع نيقية تمثّل سنة نعمة وفرصة لجميع المسيحيّين الّذين يتلون قانون الإيمان نفسه ويؤمنون بالإله عينه: لنُعد اكتشاف جذور الإيمان المشتركة، ولنحافظ على الوحدة!

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، هذا الإيمان الّذي نتشاركه هو عطيّة ثمينة، ولكنّه أيضًا تحدٍ. والذّكرى، في الواقع، لا يجب أن نحتفل بها كـ"ذاكرة تاريخيّة" وحسب، وإنّما أيضًا كالتزام بالشّهادة للشَّرِكة المتنامية بيننا. علينا أن نحرص على ألّا نضيِّع هذه الفرصة، وأن نبني روابط ثابتة، ونعزّز الصّداقة المتبادلة، ونكون ناسجي شَرِكة وأخوَّة. في هذا الأسبوع المخصّص للصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين، يمكننا أن نعيش ذكرى مجمع نيقية كدعوة للمثابرة في المسيرة نحو الوحدة. وقد شاءت العناية الإلهيّة أن يتزامن الاحتفال بعيد الفصح هذا العام في اليوم عينه بحسب التّقويمين الغريغوريّ واليوليانيّ، خلال هذه الذّكرى المسكونيّة تحديدًا. وبالتّالي أجدّد ندائي بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيّين لاتّخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد الفصح. والكنيسة الكاثوليكيّة على استعداد لقبول التّاريخ الّذي يريده الجميع: تاريخ للوحدة.

أعرب عن امتناني للمتروبوليت بوليكاربوس، ممثّل البطريركيّة المسكونيّة، ولرئيس الأساقفة إيان إرنست، ممثّل الشّركة الأنغليكانيّة، الّذي يُنهي خدمته الثّمينة الّتي أشكره كثيرًا عليها، وللممثّلين عن الكنائس الأخرى المشاركين في ذبيحة التّسبيح المسائيّة هذه. إنّ الصّلاة المشتركة هي أمر مهمّ، وحضوركم هنا هذا المساء هو مصدر فرح. كما أُحيّي الطّلّاب الّذين تعضدهم اللّجنة الكاثوليكيّة للتّعاون الثّقافيّ مع الكنائس الأرثوذكسيّة والكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة التّابعة لدائرة تعزيز وحدة المسيحيّين، والمشاركين في زيارة الدّراسة لمعهد بوسي المسكونيّ التّابع لمجلس الكنائس العالميّ، والمجموعات المسكونيّة والحجّاج الآخرين الّذين أتوا إلى روما لهذا الاحتفال. ليجد كلّ واحد منّا، على مثال القدّيس بولس، رجاءه في ابن الله المتجسّد، وليقدّمه للآخرين، حيثما تلاشى الرّجاء، وفُقدت الأرواح، أو تغلّبت الشّدائد على القلوب. إنّ الرّجاء ممكن دائمًا في يسوع. فهو يعضد أيضًا رجاء مسيرتنا المشتركة نحوه. ويعود مرّة أخرى السّؤال عينه الّذي طُرح على مرتا ويُوجّه إلينا في هذه اللّيلة: " َتُؤمِنينَ بِهذا؟". هل نؤمن بالشَّرِكة بيننا؟

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، هذا هو الوقت لكي نؤكِّد إيماننا المشترك بالله الواحد، ولكي نجد درب الوحدة في المسيح يسوع. وبينما ننتظر مجيء الرّبّ "في المجد ليدين الأحياء والأموات"، لا نتعبنَّ أبدًا من الشّهادة، أمام جميع الشّعوب، لابن الله الوحيد، مصدر كلّ رجائنا."