الفاتيكان
02 حزيران 2021, 09:30

البابا فرنسيس: يسوع يصلّي من أجلنا الآن وعند التّجربة وعند الخطيئة

تيلي لوميار/ نورسات
دعا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس داماسو- الفاتيكان للاستماع إلى تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة، إلى الثّقة بيسوع من دون توقّف وفي كلّ الظّروف، حتّى لو تلعثمت صلواتهم أو تأرجح إيمانهم، مؤكّدًا أنّ يسوع يصلّي من أجلهم.

وفي هذا السّياق، قال البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز": "تُظهر لنا الأناجيل مدى أهمّيّة الصّلاة في علاقة يسوع مع تلاميذه. ويظهر ذلك في اختيار الّذين سيصبحون لاحقًا الرّسل. يضع لوقا اختيارهم في سياق محدّد للصّلاة: "وفي تِلكَ الأَيَّامِ ذَهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي، فأَحْيا اللَّيلَ كُلَّه في الصَّلاةِ لله. ولمَّا طَلَعَ الصَّباح دعا تَلاميذَه، فاختارَ مِنهُمُ اثَنيْ عَشَرَ سَمَّاهم رُسُلاً". يبدو أنّه لا يوجد معيار آخر في هذا الاختيار غير الصّلاة والحوار مع الآب. إنطلاقًا من الطّريقة الّتي سيتصرّف بها هؤلاء الرّجال فيما بعد، يبدو أنّ الاختيار لم يكن الأفضل؛ لكن هذا الأمر بالذّات، ولاسيّما وجود يهوذا، الخائن المستقبليّ، هو الّذي يثبت أنّ هذه الأسماء كانت مكتوبة في مُخطَّط الله.

إنَّ الصّلاة من أجل أصدقائه تظهر باستمرار في حياة يسوع. أحيانًا يصبح الرّسل مصدر قلق له، ولكن يسوع كما نالهم من الآب حملهم في قلبه، حتّى في أخطائهم، وسقطاتهم. وفي هذا كلِّه نكتشف كيف كان يسوع معلّمًا وصديقًا، ومستعدًّا على الدّوام لينتظر بصبر ارتداد التّلميذ. إنّ أعلى قمة في هذا الانتظار الصّبور هي "لوحة" محبّة نسجها يسوع حول بطرس. ففي العشاء الأخير قال له: "سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة. ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلّا تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ". من المؤثِّر، في زمن الفشل، أن نعلم أنّ محبّة يسوع لا تتوقّف في تلك اللّحظة، بل تصبح أقوى ونكون في محور صلاته!

تعود صلاة يسوع في موعدها المحدّد في لحظة حاسمة من مسيرته، لحظة التّحقّق من إيمان التّلاميذ. دعونا نستمع مرّة أخرى إلى الإنجيليّ لوقا: "واتَّفَقَ أَنَّهُ كانَ يُصَلِّي في عُزَلةٍ والتَّلاميذُ مَعَهُ فَسأَلَهم: "مَن أَنا في قَولِ الجُموع؟" فأَجابوا: "يوحَنَّا المَعمَدان". وبَعضُهم يَقول: "إِيلِيَّا. وبَعضُهم: "نَبِيٌّ منَ الأَوَّلينَ قام. فقالَ لَهم: "ومَن أَنا في قَولِكُم أَنتم؟"  فأَجابَ بُطرس: "مسيحُ الله. فَنهاهم بِشِدَّةٍ أَن يُخبِروا أَحدًا بِذلك". إنَّ التّحوّلات الكبرى في رسالة يسوع قد سبقتها على الدّوام صلاة مكثّفة وطويلة. هذا التّحقّق من الإيمان يبدو وكأنّه هدف فيما هو نقطة انطلاق متجدّدة للتّلاميذ، لأنّه منذ ذلك الحين، بدا كما لو أنّ يسوع قد رفع الوتيرة في رسالته، وخاطبهم بصراحة عن آلامه وموته وقيامته. من هذا المنظور، الّذي يثير بشكل غريزيّ النّفور، في التّلاميذ وفينا نحن الّذين نقرأ الإنجيل، تشكّل الصّلاة المصدر الوحيد للنّور والقوّة. وبالتّالي من الضّروريّ أن نصلّي بقوّة أكبر في كلّ مرّة ينحدر فيها الطّريق.

في الواقع، بعد أن أعلن للتّلاميذ ما ينتظره في أورشليم، تمَّ حدث التّجلّي. "مَضى يسوع بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضًا تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم". وبالتّالي حدث هذا الظّهور المُبكِر لمجد يسوع في الصّلاة، بينما كان الإبن غائصًا في شركة مع الآب وموافقًا تمامًا على مشيئته، مشيئة الحبّ، وعلى مخطّطه للخلاص. ومن هذه الصّلاة خرجت كلمة واضحة للتّلاميذ الثّلاثة المعنيّين: "هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا".

من خلال هذه المسيرة السّريعة عبر الإنجيل، نتعلّم أنّ يسوع لا يريدنا فقط أن نصلّي مثله، وإنّما هو يؤكّد لنا أنّه حتّى لو كانت محاولاتنا للصّلاة غير فعّالة تمامًا، يمكننا دائمًا أن نعتمد على صلاته. وبالتّالي يجب أن ندرك أنّ يسوع يصلّي من أجلنا. ذات مرّة، أخبرني أسقف صالح أنّه في لحظة سيّئة جدًّا من حياته وفي محنة كبيرة ومظلمة، نظر في البازيليك إلى الأعلى ورأى هذه الجملة مكتوبة: "أنا بطرس سأصلّي من أجلك". وهذا الأمر منحه القوّة والتّعزية. وهذا يحدث في كلّ مرّة يعرف فيها كلّ فردٍ منّا أنّ يسوع يصلّي من أجله. يسوع يصلّي من أجلنا، في هذه اللّحظة أيضَا. قوموا بتمرين الذّاكرة هذا بتكرار هذا الأمر. عندما يكون هناك بعض الصّعوبة، عندما تكونون "في فلك" الإلهاءات فكِّروا: يسوع يصلّي من أجلي. قد يسألني أحدكم: "ولكن يا أبتي هل هذا صحيح؟" إنّها حقيقة! وقد قال لنا ذلك بنفسه. لا ننسينَّ أبدًا أنَّ ما يعضدُ كلّ فرد منّا في حياته هي صلاة يسوع من أجل كلّ واحد منّا، باسمه، أمام الآب، مُظهرًا له الجراح الّتي هي ثمن خلاصنا.

حتّى ولو كانت صلواتنا مجرّد تلعثم، ومتأثّرة بإيمان متأرجح، فلا يجب أن نتوقّف أبدًا عن الثّقة به. إذ تدعمها صلاة يسوع، ترتكز صلواتنا الخجولة على أجنحة نسر وترتفع إلى السّماء. لا تنسوا هذا الأمر أبدًا: يسوع يصلّي من أجلي الآن وعند التّجربة وعند الخطيئة، يسوع يصلّي دائمًا من أجلي وبمحبّة كبيرة".