الفاتيكان
06 نيسان 2020, 13:30

البابا فرنسيس يحذّر من الاكتظاظ في السّجون

تيلي لوميار/ نورسات
توجّه البابا فرنسيس بفكره إلى المساجين، في القدّاس الإلهيّ صباح إثنين الآلام في كابيلا القدّيسة مرتا، ورفع الصّلاة إلى الله من أجل مشكلة الاكتظاظ في السّجون، فقال: "أفكّر في مشكلة خطيرة موجودة في أماكن عديدة من العالم، وأريد أن نصلّيَ اليوم من أجل مشكلة الاكتظاظ في السّجون؛ لأنّه حيث يكون هناك اكتظاظ يكون هناك خطر بسبب هذا الوباء وينتهي الأمر بكارثة كبيرة. لنصلِّ من أجل المسؤولين والّذين عليهم أن يأخذوا القرارات في هذا الأمر لكي يجدوا الدّرب الصّحيح والإبداع من أجل حلِّ المشكلة".

وتوقّف الأب الأقدس في عظته عند إنجيل القدّيس يوحنّا عن مريم أخت لعازر "الّتي أخذت حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَي يسوع ثُمَّ مَسَحَتْهما بِشَعرِها، وعن ردّة فعل يهوذا الإِسخَريوطيُّ أَحَدُ تَلاميذِه، وهوَ الَّذي أَوشَكَ أَن يُسلِمَه، والّذي قال: "لِماذا لم يُبَعْ هذا الطِّيبُ بِثَلاثِمِائَةِ دينار، فتُعْطى لِلفُقَراء؟". ويسلّط الإنجيليّ يوحنّا الضّوء على واقع أنّ يهوذا لَم يَقُلْ هذا لاهتِمامِه بِالفُقَراء، بل لأَنَّه كانَ سارِقًا وكانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ عِندَه، فَيختَلِسُ ما يُلْقى فيه.

فقالَ له يسوع: "دَعْها، فإِنَّها حَفِظَت هذا الطِّيبَ لِيَومِ دَفْني. أمّا الفُقَراء، فهم عِندكم دائِمًا أَبَدًا، وأَمَّا أَنا فَلَستُ عِندَكم دائِمًا أَبَدًا".  

هناك العديد من الفقراء والجزء الأكبر منهم يعيش في الخفاء ولا نراهم لأنّنا لا نبالي. إنّ العديد من الفقراء هم ضحايا السّياسات الماليّة وظلم الاقتصاد العالميّ. كثيرون من الفقراء يشعرون بالعار لعدم حصولهم على الموارد ويذهبون إلى الكاريتاس بشكل خفيّ، ولكن هؤلاء الفقراء سوف نلتقيهم في الدّينونة الأخيرة لأنّ يسوع يمتثل بهم، وبالتّالي سوف نُحاسب على علاقتنا بالفقراء.

ينتهي هذا النّصّ من الإنجيل بالقول: "فعَزَمَ الأَحبارُ على أَن يَقتُلوا لَعازَرَ أيضًا لأَنَّ كَثيرًا مِنَ اليَهودِ كانوا يَنصَرِفونَ عنهُم بِسَبَبِه ويُؤمِنونَ بِيسوع". لقد رأينا خلال الأيّام الماضية مراحل التّجربة: الإغراء في البداية، من ثمّ الوهم الّذي ينمو– وهذه الخطوة الثّانية– والخطوة الثّالثة تبدأ بالانتقال وبتبرير ذاتها. ولكن هناك خطوة إضافيّة وهي أنّها تسير قدمًا ولا تتوقّف. ولذلك لم يكن كافيًا بالنّسبة للأحبار أن يقتلوا يسوع ولكنّهم يريدون الآن أيضًا أن يقتلوا لعازر لأنّه شاهد حياة.

لكنّني أريد اليوم أن أتوقّف عند إحدى كلمات يسوع. قبلَ الفِصحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ، قامت مريم بفعل التّأمُّل هذا: كانت مرتا تخدم– كما في النّصّ الإنجيليّ الآخر– أمّا مريم فقد فتحت الباب للتّأمُّل. ويهوذا يفكّر بالمال وبالفقراء ولكن ليس لاهتِمامِه بِالفُقَراء، بل لأَنَّه كانَ سارِقًا وكانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ عِندَه، فَيختَلِسُ ما يُلْقى فيه. إنّ قصّة المدبّر الخائن هي آنيّة على الدّوام، هناك العديد من الأشخاص على مثاله وعلى مستوى رفيع أيضًا: لنفكّر ببعض المنظّمات الخيريّة أو الإنسانيّة الّتي لديها العديد من الموظّفين وهيكليّة مليئة بالأشخاص فيصل في النّهاية إلى الفقراء أربعين بالمائة من المال لأنّ السّتّين بالمائة هو لدفع أجور الموظّفين. إنّه أسلوب لأخذ مال الفقراء. ويأتينا جواب يسوع الّذي أريد أن أتوقّف عنده: " أمّا الفُقَراء، فهم عِندكم دائِمًا أَبَدًا". إنّها الحقيقة: "الفُقَراء، هم عِندكم دائِمًا أَبَدًا"، الفقراء موجودون وهم في الواقع كثيرون: هناك الفقير الّذي نراه ولكنَّ هذا الجزء الأصغر، لكن الجزء الأكبر هم الفقراء الّذين لا نراهم وهم الفقراء الخفيّين؛ ونحن لا نراهم لأنّنا قد دخلنا في ثقافة اللّامبالاة وبدأنا ننفي وجودهم. لكنّ الفقراء موجودين وهم كثيرون.

وإن كنّا لم ندخل في ثقافة اللّامبالاة هذه، فهناك عادة أن نرى الفقراء كالزّينة لمدينة ما، نراهم كالتّماثيل، نعم هم موجودون، تلك المرأة الّتي تطلب الصّدقة وذلك الآخر أيضًا... ولكن كما ولو كان الأمر طبيعيًّا بالنّسبة لنا. لقد أصبح وجود الفقراء في المدينة أمرًا طبيعيًّا. لكنَّ معظم هؤلاء الفقراء هم ضحايا السّياسات الاقتصاديّة والسّياسات الماليّة. إنّ بعض الإحصاءات الجديدة تُلخِّص الوضع على الشّكل التّالي: هناك العديد من الأموال بين أيدي القليلين والعديد من الفقراء؛ إنّه فقر العديد من الأشخاص ضحايا ظلم الاقتصاد العالميّ. وهناك العديد من الفقراء الّذين يشعرون بالعار ولا يكفيهم معاشهم إلى نهاية الشّهر، العديد من الفقراء من الطّبقة الوسطى الّذين يذهبون إلى كاريتاس بشكل خفيّ ليطلبوا المساعدة وهم يشعرون بالخجل. إنّ عدد الفقراء أكبر من عدد الأغنياء... وما يقوله يسوع هو حقيقي: "أمّا الفُقَراء، فهم عِندكم دائِمًا أَبَدًا". ولكن يبقى السّؤال: هل أراهم؟ هل أتنبّه لهذا الواقع؟ ولاسيّما لواقع الّذين يخجلون من القول بأنّ معاشهم لا يكفيهم لآخر الشّهر.

أذكر عندما كنت في بوينوس آيرس قيل لي إنّ هناك مبنى لمعمل مهجور تقيم فيه خمس عشرة عائلة منذ بضعة أشهر، فذهبتُ إلى هناك وكانت عائلات مع أطفالها، وكلّ عائلة تعيش في قسم من هذا المعمل المهجور، ورأيت بأنّ الأثاث الّذي كان لديهم لم يكن سيّئًا ولكنّهم كانوا قد انتقلوا للعيش في هذا المعمل لأنّهم لم يعد بإمكانهم أن يدفعوا الإيجار. لقد كان الفقراء الجدد الّذين ينبغي عليهم ترك بيوتهم لأنّه ليس بإمكانهم دفع الإيجار يذهبون للإقامة في هذا المعمل. إنّ ظلم التّنظيم الاقتصاديّ والماليّ هو الّذي يحملهم إلى ذلك. وهؤلاء الفقراء هم كثيرون وسنلتقي بهم في الدّينونة الأخيرة؛ والسّؤال الأوّل الّذي سيوجّهه يسوع لنا: "كيف هي علاقتك مع الفقراء؟ هل أعطيتهم ليأكلوا؟ هل زرتَ الفقير عندما كان في السّجن أو في المستشفى؟ هل ساعدتَ الأرملة واليتيم؟ لأنّني كنتُ هناك!" وهذا ما سنُحاسب عليه، لن نُحاسب على الرّفاهيّة الّتي نعيشها أو على الرّحلات الّتي نقوم بها أو على أهمّيّتنا الاجتماعيّة... لا! سنُحاسب على علاقتنا مع الفقراء. وبالتّالي إن كنتُ أتجاهل الفقراء وأتجنّبهم وأتصرّف كما لو أنّهم غير موجودين فالرّبّ سيتجاهلني أيضًا في يوم الدّينونة. عندما يقول لنا يسوع: "أمّا الفُقَراء، فهم عِندكم دائِمًا أَبَدًا" فهو يعني: "سأكون معكم دائمًا حاضرًا في الفقراء"، وهذا هو جوهر ومحور الإنجيل وهذا ما سنُحاسب عليه."