الفاتيكان
30 حزيران 2018, 08:46

البابا فرنسيس يحتفل بعيد القدّيسين بطرس وبولس

لمناسبة عيد القدّيسين بطرس وبولس، ترأّس البابا فرنسيس صباح يوم الجمعة القدّاس الإلهي في ساحة القدّيس بطرس، وبارك خلاله درع التّثبيت لرؤساء الأساقفة الجدد. وفي عظة ألقاها للمناسبة، قال الأب الأقدس بحسب إذاعة الفاتيكان:

 

"إنّ القراءات التي سمعناها تتيح لنا أن ندخل في علاقة مع التّقليد الرّسوليّ، وإنّ التّقليد هو النّهر الحيّ الذي يربطنا بالأصول. تقليد أبدي وجديد على الدّوام ينعش فرح الإنجيل ويتيح لنا هكذا أن نعترف بشفاهنا وقلبنا أنّ"يسوع المسيح هو الرّب، تمجيدًا لله الآب" (فيليبي 2، 11). والإنجيل كلّه يريد الإجابة على السّؤال الذي كان يسكن قلب شعب إسرائيل والذي اليوم أيضًا لا يزال يسكن وجوها كثيرة متعطّشة للحياة "أأنتَ الآتي، أم آخرَ ننتظر؟" (متّى 11، 3). سؤال عاوده يسوع وطرحه على تلاميذه "ومَن أنا في قولِكم أنتم؟" (متّى 16، 15). وهنا يأتي جواب بطرس الذي خصّ يسوع باللّقب الأعظم الذي يستطيع أن يناديه به: "أنتَ المسيح" (راجع متّى 16، 16). والآب هو من أوحى هذا الجواب لبطرس الذي كان يرى كيف كان يسوع "يمسح" شعبه. يسوع الممسوح، الذي يسير من قرية إلى أخرى، مع رغبة وحيدة وهي أن يخلّص ويساعد من كان يُعتبر ضائعًا: "يمسح" الميت (راجع مرقس 5، 41 – 42؛ لوقا 7، 14 -15)، يمسح المريض (راجع مرقس 6، 13 ؛ يعقوب 5، 14)، يمسح الجراح (راجع لوقا 10، 34)، يمسح التّائب (راجع متّى 6، 17). يمسح الرّجاء (راجع لوقا 7، 38. 46؛ يوحنا 11، 2؛ 12، 3). وفي هذه المسحة، تمكّن كلّ خاطئ، ومهزوم، ومريض ووثني،ّ من أن يشعر أنّه عضو محبوب في عائلة الله. فكان يسوع، من خلال أعماله، يقول له بشكل شخصيّ: أنتَ لي. كبطرس، بإمكاننا نحن أيضًا أن نعلن بشفاهنا وقلبنا، ليس فقط ما سمعناه، وإنما أيضًا الخبرة الملموسة لحياتنا: لقد قمنا من الموت، وتمّ الاعتناء بنا، وتجددنا وامتلأنا بالرّجاء من مسحة القدّوس. وإنّ كلّ نير عبوديّة تحطّم بفضل مسحته (راجع أشعيا 10، 27). وأشار إلى أنّه لا يمكننا أن نفقد الفرح وذكرى معرفتنا بأنّنا قد افتُدينا، ذاك الفرح الذي يقودنا لنعترف "أنتَ ابنُ الله الحي" (راجع متّى 16، 16).

وفي هذا المقطع من الإنجيل الذي يعلن فيه بطرس الإيمان "وبدأ يسوعُ من ذلكَ الحينِ يُظهرُ لتلاميذهِ أنَّهُ يجبُ عليهِ أن يذهبَ إلى أورشليمَ ويعاني آلامًا شديدة من الشّيوخِ وعظماءِ الكهنةِ والكتبة ويُقتلَ ويقومَ في اليوم الثّالث" (متّى 16، 21). وإنّ الممسوح من الله يحمل محبّة الآب ورحمته. وهذه المحبّة الرّحيمة تتطلّب الذّهاب إلى جميع زوايا الحياة، كي نصل إلى الجميع. وأمام هذا الإعلان غير المُنتظر، قال بطرس "حاشَ لكَ يا ربّ! لن يصيبَكَ هذا!" (متّى 16، 22)، وتحوّل فورًا إلى حجر عثرة على طريق المسيح؛ وإذ ظنَّ أنه يدافع عن حقوق الله تحوّل بدون أن ينتبه إلى عدو له (دعاه يسوع "شيطان"). وإنّ التّأمل في حياة بطرس واعترافه يعني أيضًا أن نتعلّم معرفة التّجارب التي سترافق حياة التّلميذ. ومثل بطرس، فإنّنا، وككنيسة، سنتعرّض دائمًا إلى "همسات" الشّرير هذه التي ستكون حجر عثرة للرّسالة. وإنّ المشاركة في مسحة المسيح هي المشاركة في مجده الذي هو صليبه: يا أبتِ مجّد ابنك... "يا أَبتِ مجِّدِ اسمَكَ" (يوحنّا 12، 38). والمجد والصليب في يسوع المسيح يسيران معًا ولا يمكن أن ينفصلا؛ لأنّه عندما يتمّ التّخلي عن الصّليب، وحتّى إن دخلنا في بهاء المجد الباهر، سنخدع أنفسنا، لأنّ هذا لن يكون مجد الله، وإنّما خداع العدو.

يسوع يلمس البؤس البشريّ داعيًا إيّانا لنكون معه ونلمس الجسد المتألّم للآخرين، وإنّ إعلان الإيمان بشفاهنا وقلبنا يتطلّب التّعرف – كما طلب من بطرس - على "همسات" الشّرير. نتعلّم أن نميّز ونكشف تلك "الحجج" الشّخصيّة والجماعيّة التي تُبعدنا عن البؤس البشريّ؛ والتي تمنعنا من معرفة قوّة حنان الله. وإنّ السّؤال "أأنتَ الآتي، أم آخرَ ننتظر؟" (متّى 11، 3) لا يزال يسكن ملايين الوجوه. لنعلن بشفاهنا وقلبنا أنّ يسوع المسيح هو الرّبّ (راجع فيليبيّ 2، 11). هذا هو نشيدنا الثّابت الذي نحن مدعوّون لأن نرنّمه كل يوم. ببساطة ويقين وفرح معرفة أنّ الكنيسة لا تشعّ من نورها الخاصّ، وإنّما من نور المسيح. تستمدّ بهاءها من شمس البِر، وتستطيع هكذا أن تقول: "فما أنا أحيا بعدَ ذلكَ، بل المسيحُ يحيا فيَّ" (غلاطية 2، 20)."