البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي في غومري
بعدها استقل الأب الأقدس الطائرة متوجها إلى غومري حيث احتفل بالقداس الإلهي في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا في ساحة فارتانانتس وألقى عظة للمناسبة قال فيها "ويَبنونَ الخرائِبَ القديمةَ ويُرَمِّمونَ مِنها ما تهَدَّمَ ويُجدِّدونَ المُدُنَ المُدمَّرةَ" (أشعيا 61، 4). في هذه الأماكن أيها الإخوة والأخوات، يمكننا أن نقول أن كلمات النبي أشعيا التي سمعناها قد تحقَّقت. لكن يمكننا أيضًا أن نسأل أنفسنا: ماذا يدعونا الرب لنبنيه اليوم في حياتنا؟ لاسيما على ماذا يدعونا لنبني حياتنا؟ في السعي للإجابة على هذا السؤال أريد أن أقترح عليكم ثلاث قواعد ثابتة يمكننا أن نبني عليها ونعيد بناء الحياة المسيحيّة بدون أن نتعب.
تابع الأب الأقدس يقول إن القاعدة الأوّلى هي الذكرى. نعمة ينبغي علينا أن نطلبها وهي أن نعرف كيف نستعيد الذكرى، ذكرى ما صنعه الرب فينا ومن أجلنا: أن نتذكّر، كما يقول لنا إنجيل اليوم، أنّه لم ينسانا، بل "ذكرنا" (لوقا 1، 72): اختارنا وأحبّنا ودعانا وغفر لنا؛ لقد حصلت أحداث كبيرة في تاريخ محبتنا الشخصي معه وينبغي علينا أن نعيد إحياءها في العقول والقلوب. ولكن هناك ذكرى أخرى ينبغي علينا أن نحافظ عليها: ذكرى الشعب، وذكرى شعبكم هي قديمة جدًّا وثمينة. ففي أصواتكم يتردّد صدى صوت قديسي الماضي الحكماء؛ في كلماتكم نجد صدى الذي خلق أبجديّتكم بهدف إعلان كلمة الله؛ في أناشيدكم تختلط آهات وأفراح تاريخكم. وبالرغم من الضيقات الشديدة يمكننا أن نقول مع إنجيل اليوم إن الرب قد افتقد شعبكم (راجع لوقا 1، 68): ذكر أمانتكم للإنجيل وباكورة إيمانكم وجميع الذين شهدوا، من خلال إراقة دمائهم أيضًا، أن محبّة الرب أفضل من الحياة (راجع مزمور 63، 4). إنه أمر جميل لكم أن تتذكّروا بامتنان أن الإيمان المسيحي قد أصبح نفس شعبكم وقلب ذكراه.
أضاف الحبر الأعظم يقول يشكِّل الإيمان أيضًا الرجاء لمستقبلكم والنور في مسيرة الحياة وهو القاعدة الثانية التي أريد أن أكلّمكم عنها. هناك على الدوام خطر يمكنه أن يُضعف نور الإيمان وهي تجربة اختصاره بشيء من الماضي، كما لو كان كتابًا ينبغي حفظه في متحف. مع ذلك، إذا حُفظ الإيمان في أرشيف التاريخ، يفقد قوّته المحوّلة وجماله المحيي وانفتاحه الإيجابي نحو الجميع. لكن الإيمان يولد على الدوام من اللقاء المحيي مع يسوع ومن اختبار رحمته التي تضيء جميع أوضاع الحياة. سيساعدنا كثيرًا أن نقرأ كلمة الله ونفتح قلوبنا على محبّته بالصلاة الصامتة. سيساعدنا كثيرًا أن نسمح للقاء الحنان مع الرب بأن يُشعل الفرح في قلوبنا: فرح أكبر من الحزن، فرح يصمد أيضًا في وجه الألم ويتحوّل إلى سلام. هذه الأمور كلها تجدّد الحياة وتجعلها حرّة ومطيعة للمفاجآت وجاهزة ومستعدَّة للرب وللآخرين.
تابع البابا فرنسيس يقول أما القاعدة الثالثة، بعد الذكرى والإيمان فهي المحبّة الرحيمة: وعلى هذه الصخرة، صخرة المحبّة التي نلناها من الله ومنحناها للقريب، تقوم حياة تلميذ يسوع، وبعيش المحبّة يستعيد وجه الكنيسة شبابه ويصبح جذّابًا؛ إن المحبّة الملموسة هي بطاقة تعريف المسيحي. نحن مدعوون أولاً لبناء وإعادة بناء دروب شركة بدون أن نتعب أبدًا، ولبناء جسور وحدة ولتخطّي حواجز الفصل. ليعطِ المؤمنون المثال على الدوام، من خلال التعاون مع بعضهم البعض بالاحترام المتبادل والحوار عالمين أن "المنافسة الوحيدة الممكنة بين تلاميذ الربّ هي منافسة من بإمكانه أن يقدّم حبًّا أكبر!"
أضاف الأب الأقدس يقول في القراءة الأولى يذكّرنا النبي أشعيا أن الروح القدس يرافق على الدوام من يحمل البشرى السارة للمساكين ويجبر القلوب المنكسرة ويعزّي البائسين (راجع أشعيا 61، 1- 2). إن الله يقيم في قلب الذي يُحبّ؛ الله يسكن حيث الحب، لاسيما حيث يتم الاعتناء بشجاعة وشفقة بالضعفاء والفقراء. نحن بحاجة ماسة لمسيحيين لا يستسلمون إزاء التعب ولا يفقدون الشجاعة
أضاف الحبر الأعظم يقول ولكن يمكننا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نصبح رحماء، مع كل الضعف والعلل التي يراها كلٌّ منا في ذاته وحوله؟ أريد أن أستلهم بمثال ملموس أردت أن أضعه في محور اهتمام الجميع وأُدرجه بين ملافنة الكنيسة الجامعة: القديس غريغوريوس الناريكي، كلمة وصوت أرمينيا. من الصعب لنا أن نجد شخصًا يوازيه في تفحُّص عمق البؤس الذي يُعشش في قلب الإنسان. غريغوريوس الناريكي هو معلّم حياة لأنّه يعلّمنا أنه من الأهميّة بمكان أولاً أن نعترف بأننا بحاجة للرحمة وثم ألا ننغلق على أنفسنا إزاء البؤس والجراح التي نراها وإنما أن ننفتح بصدق وثقة على الرب.
وختم البابا فرنسيس عظته بكلمات القديس غريغوريوس الناريكي سائلاً الرحمة الإلهيّة ونعمة ألا نتعب أبدًا من محبّة الآخرين وقال أيها الروح القدس المدافع القوي والشفيع وصانع السلام، نرفع إليك توسلاتنا... إمنحنا النعمة كي نتشجّع على القيام بأعمال المحبّة... يا روح العذوبة والرأفة والمحبة والرحمة للإنسان... إرحمنا أيها الرب إلهنا بحسب رحمتك العظيمة.
وفي ختام الذبيحة الإلهية وجّه البابا فرنسيس كلمة قال فيها أرغب بالتعبير عن امتناني العميق للكاثوليكوس كاريكين الثاني ورئيس الأساقفة ميناسيان على الكلمات التي وجهاها لي، كما وأشكر البطريرك غابرويان والأساقفة الحاضرين والكهنة والسلطات التي استقبلتنا.
تابع الأب الأقدس يقول أشكركم جميعًا أنتم الذين شاركتم وجئتم إلى غومري من مناطق متعددة ومن جورجيا. أود أن أحيي بشكل خاص الذين وبسخاء كبير ومحبّة ملموسة يساعدون الأشخاص المعوزين. أفكّر بشكل خاص بمستشفى أشوتسك الذي تمّ تدشينه لخمس وعشرين سنةً خلت والمعروف باسم "مستشفى البابا" – الذي ولد من رغبة البابا القديس يوحنا بولس الثاني – والذي لا يزال يشكِّل حضورًا مهمًّا وقريبًا من المتألّمين؛ أُفكِّر بالأعمال التي حملتها قدمًا الجماعة الكاثوليكيّة المحليّة وراهبات سيّدة الحبل بلا دنس الأرمنيات ومرسلات المحبّة. لترافقكم على الدوام العذراء مريم، أمنا، وتقود خطاكم على دروب الأخوّة والسلام.