البابا فرنسيس: يجب ألّا نكون سيّاحًا داخل الكنيسة
"إنّ الجماعة المسيحيّةَ أبصرت النّورَ بفعل حلولِ الرّوح القدس بفيض، ونمت بفضلِ خميرةِ المقاسمة بين الأخوةِ والأخوات في المسيح. ولفت إلى وجود ديناميكيّةٍ من التّضامن تُشيِّد الكنيسةَ كعائلةِ الله، وتوجد في صلْبها خبرةُ المقاسمة أو المشاركة، أيّ أن نعيش بشركة لا بطريقة منعزلة. وفي الكنيسة النّاشئة حديثًا تمحور هذا المفهومُ بنوع خاصّ حول المشاركة في جسدِ المسيح ودمهِ، وهي شركةٌ بين المؤمنين، والّتي تُترجم إلى وحدةٍ أخويّة، بما في ذلك مشاركةُ الأملاكِ وجميعِ الأموال والتّبرّع لصالح الكنيسة الأمّ في أورشليم فضلاً عن الكنائس الأخرى. إذا أردتم أن تكونوا مسيحيّين صالحين عليكم أن تصلّوا وتتقدّموا من المناولة الّتي هي شركة كما لا بدّ أن يصل الارتدادُ إلى جيبِ الإنسان. هكذا نرى ما إذا كان المرءُ سخيًّا ومستعدًّا لمساعدة الغير، فيكون الارتداد حقيقيًّا، إذ يجب ألّا يقتصر على الكلام وحسب.
إنّ الحياة الإفخارستيّة والصّلوات وتبشير الرّسل وخبرة المقاسمة جعلت من المؤمنين جماعةً من الأشخاص لديهم قلبٌ واحد ونفسٌ واحدة ولا يعتبرون أنّهم يملكون ما هو لهم، بل جعلوا كلّ شيء مشتركًا بينهم. وهكذا كانوا أسخياء لا بخلاء. ولهذا السّبب بالذّات "لم يكن فيهم محتاج، لأنّ كلّ من يملك الحقول أو البيوت كان يبيعها، ويأتي بثمن المبيع، فيلقيه عند أقدامِ الرّسل. فيعطى كلّ منهم على قدر احتياجه". إنّ الكنيسة شهدت مسيحيّين تجرّدوا ممّا كانوا يملكون وأعطوا المحتاجين. وهذا الأمر لا يقتصر فقط على المال إنّما أيضًا على الوقت. شأن العمل التّطوّعيّ مثلاً: أيّ عندما أضع وقتي بتصرّف المحتاجين، من خلال أعمال المحبّة وزيارة المرضى.
إنّ هذه الشّركة، أصبحت بهذا الشّكل طريقةً جديدة من العلاقات بين تلامذة الرّبّ. وكان الوثنيّون ينظرون إلى المسيحيّين ويقولون "انظروا كيف يحبّون بعضهم البعض". إنّ الرّابط مع المسيح يؤسّس لرابطٍ بين الأخوة يُعبَّر عنه أيضًا من خلال مشاركة الخيور المادّيّة. هذه المحبّة هي مؤشرٌ يصل في نهاية المطاف إلى جيب الإنسان ويقف في وجه مصالحه الخاصّة. على المسيحيّين أن يساعدوا بعضهم البعض لا أن يكونوا غير مبالين. هذا هو معنى أن نكون مسيحيّين. كما لا بدّ أن يعضد الأقوياءُ الضّعفاءَ، وينبغي ألّا يختبر أحدٌ العوز الّذي يذل ويشوّه الكرامةَ البشريّة. لقد كان قلبهم مشتركًا، وكانوا يحبّون بعضهم البعض. هذه هي علامة للمحبّة الملموسة.
إنّ يعقوب وبطرس ويوحنّا الّذين كانوا أعمدة الكنيسة في أورشليم قرّروا بالإجماع أنّه يتعيّن على بولس وبرنابا أن يبشّرا الوثنيّين وهم يبشّرون اليهود، وطلبوا منهما أن يتذكّرا الفقراء، الفقراء ماديًّا وروحيًّا. على المسيحيّ أن ينطلق من ذاته ويقترب من الآخرين، كما اقترب الرّبّ منّا. هكذا كانت الجماعة المسيحيّة الأولى. كما أنّ برنابا نفسه قدّم مثالاً ملموسًا لهذا التّضامن إذ كان يملك حقلاً فباعه وسلّم المالَ إلى الرّسل. لكن هناك أيضًا مثالٌ سلبيّ وحزين، إنّه مثالُ حننيا وزوجتِه سفيرة، اللّذين باعا حقلاً وقرّرا أن يسلّما جزءًا من ثمن المبيع إلى الرّسل ويحتفظا بالجزء الآخر.
إنّ عمليّة الاحتيال هذه قطعت سلسلة التّقاسم المجّانيّ وكانت العواقب وخيمةً ومميتة. فقد فضح القدّيس بطرس غشّ حننيا وقال له: "لماذا ملأ الشّيطان قلبك فكذبت على الرّوح القدس، واقتطعت قسمًا من ثمن الحقل؟ أنت لم تكذب على النّاس، بل على الله". يمكن القول إنّ حننيا كذّب على الله بسبب ضميرهِ المنعزل والمنافق: بسبب انضمام جزئيّ وانتهازيّ إلى الكنيسة. النّفاق هو العدوّ اللّدود للجماعة المسيحيّة والمحبّة المسيحيّة، أيّ عندما يدّعي الإنسانُ أنّه يحبّ الآخرين لكنّه في الواقع يبحث عن مصالحهِ الخاصّة وحسب".
وحذّر البابا المؤمنين من مغبّة عيش النّفاق والابتعاد عن الحقيقة والسّقوط في الأنانيّة وإخماد نارِ الشّركة والاستسلام لجليد الموت الباطنيّ، لافتًا إلى أنّ "من يتصرّف على هذا النّحو داخل الكنيسة هو أشبه بسائح يبيت في فندق. يجب ألّا نكون سيّاحًا داخل الكنيسة. إنّها حياةٌ ترتكز فقط إلى المنفعة الذّاتيّة والإفادة من الفرص المتاحة على حساب الآخرين. وهذا ما يسبب حتمًا موتًا باطنيًّا. كثيرون يقولون إنّهم قريبون من الكنيسة لكنّهم في الواقع يبحثون عن مصالحهم وحسب: إنّه النّفاق الّذي يدمّر الكنيسة".
في الختام، سأل البابا فرنسيس الرّبّ "أن ينعم على جميع الحاضرين بروحه، روح الحنان، الّذي ينتصر على كلّ شكل من أشكال النّفاق، ويحرّك الحقيقةَ الّتي يتغذى منها التّضامنُ المسيحيّ، الّذي هو بعيدٌ كلَّ البعد عن نشاطِ الرّعاية الاجتماعيّة، لأنّه تعبيرٌ جوهريٌ عن طبيعة الكنيسة، الأمّ الحنونة بالنّسبة للجميع، لاسيّما الأشدّ فقرًا."