العالم
05 أيلول 2024, 06:20

البابا فرنسيس يتأمّل، مع الإكليروس في إندونيسيا، في شعار الزيارة: "إيمان، أخوّة، رحمة"

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار زيارته الرسوليّة إندونيسيا، التقى قداسة البابا فرنسيس الأساقفة والكهنة والمكرَّسين والإكليركيّين وأساتذة التعليم المسيحيّ في إندونيسيا، في كاتدرائيّة سيّدة الانتقال، على ما كتبت "فاتيكان نيوز".

 

بعد الإصغاء إلى شهادات حياة بعض المكرّسين وأساتذة التعليم المسيحيّ، وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها إنَّ الشعار الذي تمّ اختياره لهذه الزيارة الرسوليّة هو "إيمان، أخُوَّة، رحمة". "أعتقد أنّها ثلاث فضائل تعبّر جيّدًا عن مسيرتكم ككنسية وعن طبيعة شعبكم المتنوّعة عرقيًّا وثقافيًّا، والتي تتميّز بميل طبيعيّ إلى الوحدة والتعايش السلميّ، كما تذكر مبادئ البانكاشيلا.

أوَدّ أن أتأمَّل معكم حول هذه الكلمات الثلاث.

قال البابا فرنسيس:  

1.  الإيمان

إندونيسيا بلد كبير، وله موارد طبيعيّة كبيرة متنوّعة... إذا نظرنا إلى هذا الغنى الكبير، بنظرة سطحيّة فقط، يمكنه أن يتحوّل بسهولة إلى دافع للفخر والغرور. لكن، إذا نظرنا إليه بعقل وقلب منفتحيْن، فيمكنه أن يكون تذكيرًا بالله، وحضوره في الكون وفي حياتنا، كما يعلِّمنا الكتاب المقدّس. الربّ، في الواقع، هو الذي يعطي هذا كلّه".

أضاف البابا: "لا يوجد شبر واحد من هذه الأراضي الإندونيسيّة الرائعة، ولا لحظة واحدة في حياة كلّ واحد من ملايين السكّان فيها، إلّا وهما عطيّة منه، وعلامة لحبِّه الأبويّ المجّانيّ، الذي يستبق حاجاتنا. وبالتالي، فإذا نظرنا إلى هذا كلّه بعيون الأبناء المتواضعين، فستساعدنا هذه النظرة لكي نؤمن ونعترف بأنّنا صغار ومحبوبون، ولكي نعزّز مشاعر الامتنان والمسؤوليّة. وقد حدّثتنا أغنيس،عن علاقتنا مع الخليقة ومع الإخوة ولا سيّما الأكثر عوزًا، والتي علينا أن نعيشها بأسلوب شخصيّ وجماعيّ مطبوع بالاحترام والحضارة والإنسانيّة، وبالرصانة والمحبّة الفرنسيسكانيّة.

2.  الأخُوَّة

إستخدمت شاعرة من القرن العشرين تعبيرًا جميلًا جدًّا لوصف هذا الموقف: وكتبت: "أن نكون إخوة يعني أن نحِبَّ بعضنا بعضًا، ونعترف بأنّنا مختلفون مثل قطرتَين من الماء". وهكذا هو الأمر تمامًا. لا توجد قطرتان من الماء متشابهتان، ولا يوجد شقيقان، ولا حتّى توأمان، متطابقان تمامًا. وبالتالي، فإنّ عيش الأخوَّة يعني أن نقبل بعضنا البعض، ونعترف بأنّنا متساوون في الاختلاف".

تابع البابا: "هذه هي أيضًا قيمة عزيزة على تقليد الكنيسة الإندونيسيّة، وتتجلَّى في الانفتاح الذي تتواصل فيه مع الحقائق المختلفة التي تكوِّنها وتحيط بها، على المستوى الثقافيّ والعرقيّ والاجتماعيّ والدينيّ، وتقدِّر مساهمة الجميع، وتقدّم بسخاء مساهمتها في كلّ مجال. وهذا أمر مهمّ، لأنّ إعلان الإنجيل لا يعني أن نفرض إيماننا على إيمان الآخرين، وإنّما أن نعطي ونتقاسم فرح اللقاء مع المسيح، ودائمًا باحترام كبير ومودّة أخويّة لأيّ شخص".

تابع البابا فرنسيس يقول: "من المهمّ أن نحاول بلوغ الجميع، كما ذكّرتنا الأخت رينا، مع أمنية أن نتمكَّن من أن نترجم إلى لغة الـ "Bahasa" الإندونيسيّة بالإضافة إلى نصوص كلمة الله، تعاليم الكنيسة أيضًا، لكي نجعلها في متناول أكبر عدد ممكن من الأشخاص. وقد سلّط الضوء على ذلك أيضًا نيكولاس، واصفًا رسالة أستاذ التعليم المسيحيّ بصورة "الجسر" الذي يوحِّد. لقد أثّرت فيَّ هذه الصورة، و"أرتني" آلاف "جسور القلب" التي توحِّد جزر الأرخبيل الإندونيسيّ كلّها، وكذلك ملايين "الجسور" التي توحِّد جميع الأشخاص الذين يسكنون فيها! إنّها صورة أخرى جميلة للأخُوّة: قطعة قماش كبيرة مطرَّزة بخيوط المحبّة التي تعبر البحر، وتتخطّى الحواجز وتعانق الاختلافات، وتجعل من الجميع "قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة".

3.  الرحمة.

ترتبط الرحمة جدًّا بالأخُوّة. كما نعلَم، في الواقع، إنَّ الرحمة لا تقوم على توزيع الصدقات على الإخوة والأخوات المعوزين فيما ننظر إليهم من فوق، من ضماناتنا وامتيازاتنا، وإنّما على الاقتراب من بعضنا البعض، وتجريد أنفسنا من كلّ ما يمكنه أن يمنعنا من الانحناء لكي ندخل حقًّا في علاقة مع الذين هم على الأرض، فنرفعهم ونعيد إليهم الرجاء. وليس ذلك فحسب: بل هي تعني أيضًا أن نعانق أحلامهم ورغباتهم في الفداء والعدالة، ونعتني بهم، ونجعلهم معزّزين ومعاوِنين، وأن نشرك غيرهم أيضًا، فنوسِّع "الشّبكة" والحدود في دينامية محبّة كبيرة ورحبة".

تابع البابا فرنسيس يقول: "هناك من يخاف من الرحمة، لأنّه يعتبرها ضعفًا، بينما يمدح، كما ولو كان فضيلة، دهاء من يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصّة عن طريق الابتعاد عن الجميع، وعدم السماح لأيّ شيء أو أيّ شخص بأن يؤثِّر عليه. لكنّ هذه طريقة خاطئة للنظر إلى الواقع. إنَّ ما يجعل العالم يسير قُدُمًا، ليست المصالح والحسابات- التي تؤدّي عمومًا إلى تدمير الخليقة وتقسيم الجماعات - بل المحبّة التي تبذل نفسها. الرحمة تجعلنا نرى الأشياء بصورة أفضل، في ضوء الحبّ. في هذا الصّدد، يبدو لي أنّ بوابة هذه الكاتدرائيّة، تلخِّص جيّدًا في هندستها ما قلناه، من وجهة نظر مريميّة. فهي تُظهر لنا والدة الإله أوّلًا كنموذج للإيمان، فيما تعضد بشكل رمزيّ، بالـ "نعم" الصغيرة التي قالتها، بناء الكنيسة بأسره. فالكنيسة، لا تقدر أن تعضد نفسها بنفسها. ثمّ تظهر مريم كصورة للأخُوّة، تستقبل، في وسط البوابة الرئيسية، مّن يريدون الدّخول...

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول: "يطيب لي أن أذكّر بما قاله القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، مستشهدًا بآية من المزمور: "لتَفْرَحِ الجُزُرُ الكَثيرة!"، ودعا مستمعيه إلى تحقيقها فيشهدوا لفرح القيامة ويبذلوا حياتهم فتتمكّن هكذا الجزر البعيدة من أن تفرح أيضًا بالإنجيل...".

ثمّ، بارك الأب الأقدس الجميع وأكّد لهم صلاته لهم وسألهم الصلاة من أجله.