الفاتيكان
05 تشرين الأول 2020, 06:30

البابا فرنسيس وقّع في أسيزي الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، فماذا عن مضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
في زيارة هي الرّابعة له إلى أسيزي، وقَّع البابا فرنسيس عصر السّبت عشيّة عيد القدّيس فرنسيس الرّسالة العامّة الجديدة والّتي تتمحور حول الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة Fratelli Tutti، بعد قدّاس إلهيّ ترأّسه في بازيليك أسيزي شارك فيه 20 راهبًا وراهبة، إلى جانب أسقف أسيزي المطران دومينيكو سورنتينو والموفد الحبريّ الكاردينال أغستينو فالّيني، بدون مشاركة المؤمنين نظرًا للأزمة الصّحّيّة.

وتركّز الرّسالة الّتي تمّ تقديمها أمس الأحد، على قيم لا غنى عنها لمنح رجاء للبشريّة الجريحة بسبب جائحة كوفيد 19، وعلى أنّ الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة هما طريقتان من أجل بناء عالم أفضل وأكثر عدالة وسلامًا، مع التزام الجميع: الشّعوب والمؤسّسات.  

ونشر موقع "فاتيكان نيوز" نبذة عن مضمونها:

"ما هي المُثل العظيمة وإنّما أيضًا الطّرق العمليّة والملموسة للّذين يريدون بناء عالم أكثر عدالة وأخوّة في علاقاتهم اليوميّة في المجتمع، وفي السّياسة، في المؤسّسات؟ هذا هو السّؤال الّذي تريد الرّسالة العامّة، "Fratelli Tutti"، "جميعنا إخوة" الإجابة عليه: والّتي يصفها البابا فرنسيس بأنّها "رسالة عامّة اجتماعيّة" تأخذ عنوانها من "تحذيرات" القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، الّذي استخدم هذه الكلمات لكي يخاطب جميع الإخوة والأخوات ويقدّم لهم شكلاً من أشكال الحياة يحمل نكهة الإنجيل. تهدف هذه الرّسالة العامّة إلى تعزيز تطلُّع عالميّ للأخوَّة والصّداقة الاجتماعيّة. في خلفيّة هذه الوثيقة، نجد وباء فيروس الكورونا الّذي- يكشف البابا فرنسيس– أنّه انتشر بشكل غير متوقّع تمامًا بينما كنت أكتب هذه الرّسالة. لكن حالة الطّوارئ الصّحّيّة العالميّة قد أظهرت أنّه لا أحد يخلُص بمفرده وأنّ الوقت قد حان حقًّا لكي نحلم كبشريّة واحدة نكون فيها "جميعنا إخوة".

في الفصل الأوّل الّذي يحمل عنوان  "ظلال عالم مغلق"، تركز الوثيقة على العديد من تشوّهات العصر المعاصر: التّلاعب في بعض المفاهيم وتشويهها مثل الدّيمقراطيّة والحرّيّة والعدالة؛ الأنانيّة وعدم الاهتمام بالخير العامّ؛ وسيطرة منطق السّوق القائم على الرّبح وثقافة التّهميش؛ البطالة والعنصريّة والفقر؛ التّفاوت في الحقوق وانحرافاته مثل العبوديّة، والإتجار بالبشر، وإخضاع النّساء وإجبارهنّ على الإجهاض، والإتجار بالأعضاء البشريّة. ويؤكّد البابا فرنسيس أنّ هذه المشاكل العالميّة تتطلّب إجراءات عالميّة، مشيرًا أيضًا بأصابع الاتّهام إلى "ثقافة الجدران" الّتي تعزّز انتشار المافيات الّتي يغذِّيها الخوف والوحدة.

لكنّ الرّسالة العامّة تستجيب للعديد من الظّلال بمثال ساطع، مثال السّامريّ الصّالح، الّذي تُخصّص له الفصل الثّاني، الّذي يحمل عنوان "غريب على الطّريق". في هذا الفصل، يؤكّد البابا فرنسيس أنّه وفي مجتمع مريض يدير ظهره للألم وفي مجتمع "جاهل وأُمّيّ" في رعاية الضّعفاء والعناية بهم، جميعنا مدعوّون لكي نقترب من بعضنا البعض، ونتخطّى الأحكام المسبقة والمصالح الشّخصيّة. في الواقع، نتحمّل جميعًا المسؤوليّة المشتركة في بناء مجتمع يعرف كيف يشمل، ويدمج، ويخفّف آلام من يعاني. ويضيف الحبر الأعظم في هذا السّياق أنَّ الحبّ يبني الجسور ونحن قد خُلقنا من أجل الحبّ، ويحثّ المسيحيّين بشكل خاصّ على الاعتراف بالمسيح في وجه المستبعَدين والمهمَّشين.

تتناول الرّسالة العامّة أيضًا مبدأ القدرة على الحبّ وفقًا "لبُعد عالميّ" في الفصل الثّالث الّذي يحمل عنوان "التّفكير في عالم منفتح وخلقه": وفيه، يحثّنا الأب الأقدس على الخروج من أنفسنا لكي نجد في الآخرين "نموًّا في الوجود" من خلال الانفتاح على القريب وفقًا لديناميكيّة المحبّة الّتي تجعلنا نميل إلى "الشّركة العالميّة". هذا وتذكر الرّسالة العامّة أنَّ المكانة الرّوحيّة للحياة البشريّة يُحدِّدُها الحبّ الّذي يقودنا لكي نسعى إلى الأفضل من أجل حياة الآخر؛ وأنَّ حسّ التّضامن والأخوّة يولَدان في عائلات يجب حمايتها واحترامها في مهمّتها التّربويّة الأولويّة والأساسيّة. ويؤكّد البابا فرنسيس أنّه لا يمكن أن يُحرمَ أحدٌ من الحقّ في العيش بكرامة، وبما أنّ الحقوق لا تعرف الحدود، فلا يمكن أن يبقى أحدٌ ما مهمَّشًا أو مُستبعدًا، بغضّ النّظر عن المكان الّذي ولد فيه. وفي هذا المنظار، يدعو الحبر الأعظم أيضًا إلى التّفكير في "أخلاقيّات للعلاقات الدّوليّة"، لأنّ كلّ بلد هو للغريب أيضًا ولا يمكن إنكار خيور الأرض على المحتاجين والّذين يأتون من مكان آخر. وبالتّالي فإنَّ الحقَّ الطّبيعيّ في الملكيّة الخاصّة سيكون ثانويًّا بالنّسبة لمبدأ التّخصيص العالميّ للخيور المخلوقة. كذلك تركز الرّسالة العامّة بشكل خاصّ على مسألة الدّيون الخارجيّة: دون المساس بمبدأ وجوب تسديدها، لكنّها تتمنّى ألّا يؤثّر هذا الأمر على نموّ ومعيشة البلدان الأشدَّ فقرًا.

ولموضوع الهجرة تُخصّص الرّسالة العامّة الفصل الرّابع بكامله والّذي يحمل عنوان  "قلب منفتح على العالم بأسره": بـ"حياتهم الممزّقة"، يهربون من الحروب والاضطهاد والكوارث الطّبيعيّة والمتاجرين عديمي الضّمير، ويُبعَدون عن جماعاتهم الأصليّة، ولذلك ينبغي استقبال المهاجرين وحمايتهم وتعزيزهم ودمجهم. وفي البلدان الّتي تستقبلهم، سيكون التّوازن الصّحيح بين حماية حقوق المواطنين وضمان استقبال المهاجرين ومساعدتهم. ويشير البابا فرنسيس بشكل خاصّ إلى بعض الأجوبة الضّروريّة لاسيّما للّذين يهربون من أزمات بشريّة خطيرة: زيادة وتبسيط منح التّأشيرات؛ فتح ممرّات إنسانيّة؛ ضمان السّكن والأمن والخدمات الأساسيّة؛ تقديم فرص للعمل والتّنشئة؛ تشجيع لمِّ شمل العائلة؛ حماية القاصرين وضمان الحرّيّة الدّينيّة. لكن ما يُطلب بشكل خاصّ– كما نقرأ في الرّسالة– هو إدارة عالميّة للهجرات تطلق مشاريع طويلة الأجل، وتتخطّى حالات الطّوارئ الفرديّة، باسم تنمية تضامنيّة لجميع الشّعوب.

أمّا موضوع الفصل الخامس فهو  "السّياسة الأفضل"، وهي الّتي تمثّل أحد أسمى أشكال المحبّة لأنّها تضع نفسها في خدمة الخير العامّ وتعرف أهمّيّة الشّعب، كفئة منفتحة ومستعدّة للنّقاش والحوار. هذه هي الشّعبيّة (popolarismo)  الّتي أشار إليها البابا فرنسيس، والّتي تتناقض مع "الشّعبويّة" (populismo) الّتي تتجاهل شرعيّة فكرة "الشّعب"، وتجذب الإجماع لكي تستغلّه لمصلحتها الشّخصيّة. لكن السّياسة الأفضل هي أيضًا تلك الّتي تحمي العمل، وهو بُعدٌ لا غنى عنه في الحياة الاجتماعيّة، وتسعى إلى ضمان حصول كلّ فرد على فرصة لتنمية مهاراته. إنّ الاستراتيجيّة الحقيقيّة لمكافحة الفقر، كما تؤكّد الرّسالة العامّة، لا تهدف فقط إلى احتواء الفقراء، لا بل هي تهدف إلى تعزيزهم في ضوء التّضامن والتّعاضد. إنّ مهمّة السّياسة هي أيضًا إيجاد حلّ لكلّ ما يهاجم حقوق الإنسان الأساسيّة، مثل الاستبعاد الاجتماعيّ؛ الإتجار بالأعضاء والأنسجة والأسلحة والمخدّرات؛ الاستغلال الجنسيّ؛ السّخرة؛ الإرهاب والجريمة المنظّمة. قويٌّ أيضًا نداء الأب الأقدس من أجل القضاء نهائيًّا على الإتجار بالبشر الّذي يشكّل عارًا على الإنسانيّة، وعلى والجوع لأنّه "جريمة" لأنّ الغذاء هو حقّ غير قابل للتّصرّف.

ويؤكّد البابا فرنسيس أنّ السّياسة الّتي نحتاج إليها هي تلك الّتي تتمحور حول كرامة الإنسان ولا تخضع للتّمويل لأنّ السّوق وحده لا يحلّ كلّ شيء: والمجازر الّتي سبّبتها المضاربات الماليّة قد أثبتت ذلك. لذلك، تكتسب الحركات الشّعبيّة أهمّيّة خاصّة: لكونها "السّيول الحقيقيّة للطّاقة المعنويّة"، عليها أن تشارك في المجتمع بطريقة منسّقة. بهذه الطّريقة– يؤكّد الحبر الأعظم– سيكون من الممكن الانتقال من سياسة "إزاء" الفقراء إلى "سياسة مع الفقراء" و"سياسة الفقراء". نجد في الرّسالة العامّة أُمنيَةً أخرى تتعلّق بإصلاح الأمم المتّحدة: في مواجهة هيمنة البعد الاقتصاديّ، في الواقع، ستكون مهمّة الأمم المتّحدة تجسيد مفهوم "عائلة الأمم" من خلال العمل من أجل الخير العامّ، والقضاء على الفقر وحماية حقوق الإنسان. وبالتّالي من خلال اللّجوء بلا كلل إلى التّفاوض والمساعي الحميدة والتّحكيم- تؤّكّد الوثيقة البابويّة- على الأمم المتّحدة أن تعزّز قوّة القانون على حقّ القوّة.

من الفصل السّادس الّذي يحمل عنوان  "الحوار والصّداقة الاجتماعيّة" يظهر مفهوم الحياة كـ"فنّ اللّقاء" مع الجميع، حتّى مع ضواحي العالم ومع الشّعوب الأصليّة، لأنّه "يمكننا أن تتعلّم شيئًا من الجميع ولا وجود لشخص بدون فائدة". مميّزة أيضًا إشارة البابا إلى "معجزة اللّطف" وهي موقف يجب علينا استعادته لأنّه "نجم في الظّلام" و"تَحرُّرٌ من القساوة والقلق والضّرورة الغافلة" جميع هذه الأمور الّتي تسود في العصر الحديث. من جهة أخرى، يتأمّل الفصل السّابع، الّذي يحمل عنوان  "مسارات لقاء جديد"، حول قيمة السّلام وتعزيزه، ويؤكّد الأب الأقدس أنّ السّلام هو "استباقيّ" ويهدف إلى تكوين مجتمع يقوم على خدمة الآخرين وعلى تحقيق المصالحة والتّنمية المتبادلة. إنَّ السّلام هو "عمل حرفيّ" ينبغي على كلّ فرد فيه أن يقوم بدوره ومهمّته لا تنتهي أبدًا. كذلك ترتبط المغفرة بالسّلام: علينا أن نحبّ الجميع بدون استثناء- نقرأ الرّسالة العامّة- لكن أن نحبَّ الظّالم يعني أن نساعده على التّغيير وألّا نسمح له بأن يستمرّ في قمع قريبه. إنَّ المغفرة لا تعني الإفلات من العقاب، وإنّما العدالة والذّاكرة. أن نغفر لا يعني أن ننسى، وإنّما أن نتخلّى عن القوّة المدمّرة للشّرّ والانتقام. ويحثّنا البابا فرنسيس في هذا السّياق: لا يجب أن ننسى أبدًا "الفظائع" مثل المحرقة، والقصف الذّرّيّ على هيروشيما وناغازاكي، والاضطهادات والمذابح العرقيّة؛ علينا أن نتذكّرها على الدّوام مجدّدًا لكي لا نخدِّر أنفسنا ونحافظ على شعلة الضّمير الجماعيّ حيّة. كذلك من الأهمّيّة بمكان أن نتذكّر الخير.

يتوقّف جزء من الفصل السّابع بعدها عند الحرب: تهديد مستمرّ يمثّل إنكار جميع الحقوق، وفشل السّياسة والإنسانيّة، والاستسلام المخزي لقوى الشّرّ. علاوة على ذلك، وبسبب الأسلحة النّوويّة والكيميائيّة والبيولوجيّة الّتي تؤثّر على العديد من المدنيّين الأبرياء، لم يعد بإمكاننا اليوم أن نفكّر، كما في الماضي، في "حرب عادلة" محتملة، وإنّما يجب علينا أن نعيد التّأكيد بقوّة: "لا للحرب بعد اليوم!". إنَّ الإزالة الكاملة للأسلحة النّوويّة "واجب أخلاقيّ وإنسانيّ"؛ لا بل- وكما يقترح الأب الأقدس- يجب إنشاء صندوق عالميّ بأموال التّسلّح للقضاء على الجوع. موقف واضح آخر يعبّر عنه البابا فرنسيس فيما يتعلّق بعقوبة الإعدام: فهي غير مقبولة ويجب إلغاؤها في جميع أنحاء العالم. ويكتب الحبر الأعظم "إنَّ القاتل لا يفقد كرامته الشّخصيّة لأنّ الله هو كفيلها". وفي الوقت عينه، تعيد الرّسالة العامّة التّأكيد على ضرورة احترام "قدسيّة الحياة" حيث يبدو أنّه من الممكن أن نضحّي بجزء من البشريّة، مثل الأطفال الّذين لم يولدوا بعد، والفقراء، والمعوّقين، والمسنّين.

في الفصل الثّامن والأخير يتوقّف الحبر الأعظم عند " الدّيانات في خدمة الأخوّة في العالم "ويعيد التّأكيد على أنَّ الإرهاب ليس بسبب الدّين، وإنّما بسبب التّفسيرات الخاطئة للنّصوص الدّينيّة، بالإضافة إلى سياسات الجوع والفقر والظّلم والقهر. وبالتّالي فإنّ مسيرة سلام بين الأديان هي ممكنة. ولذلك، من الضّروريّ ضمان الحرّيّة الدّينيّة، حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان لجميع المؤمنين. كذلك تتأمّل الرّسالة العامّة، بشكل خاصّ حول دور الكنيسة: فهي لا تحُدُّ رسالتها بالقطاع الخاصّ، وعلى الرّغم من أنّها لا تنخرط في السّياسة، لكنّها لا تتخلّى عن البعد السّياسيّ للحياة، والاهتمام بالخير العامّ والاهتمام بالتّنمية البشريّة المتكاملة، وفقًا للمبادئ الإنجيليّة.

في الختام يستشهد البابا فرنسيس بـ"وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالميّ والعيش المشترك"، الّتي وقّعها في الرّابع من شباط فبراير عام 2019 في أبو ظبي، والإمام الأكبر الدّكتور أحمد الطّيّب شيخ الأزهر: ومن حجر الزّاوية هذا للحوار بين الأديان، يستأنف الحبر الأعظم النّداء لكيما، وباسم الأخوَّة الإنسانيّة، يتمّ تبنِّي الحوار كسبيل، والتّعاون المشترك كسلوك والمعرفة المتبادلة كأسلوب ومعيار."