البابا فرنسيس من اليابان: لا للحرب أبدًا، لا لدويّ السّلاح!
بعد استقباله في مطار طوكيو، التقى البابا أساقفة البلاد في مقرّ السّفارة البابويّة في طوكيو، حيث عبّر لهم عن محبّته لهذه الأرض منذ كان شابًّا، وقد أتاح له الرّبّ فرصة اليوم أن يزورها كحاجّ على خطى شهود عظماء للإيمان، في الذّكرى الأربعمئة والسّبعين لوصول القدّيس فرنسيس كسفاريوس إلى اليابان، وبداية انتشار المسيحيّة في هذه الأرض.
وللمناسبة رفع البابا الشّكر لله مع الأساقفة على جميع الّذين كرّسوا أنفسهم على مرّ القرون لزرع الإنجيل وخدمة الشّعب اليابانيّ بمحبّة كبيرة، لافتًا إلى أنّ "هذا التّفاني قد أعطى وجهًا مميّزًا جدًّا للكنيسة اليابانيّة".
وأشار للأساقفة، على ضوء شعار الزّيارة، إلى أنّ "حماية كلّ حياة تعني بالدرجة الأولى التّحلّي بنظرة تأمّليّة قادرة على محبّة حياة كلّ الشّعب الموكل إليهم، لكي يروا فيه قبل كلّ شيء عطيّة من الرّبّ"، حاثًّا إيّاهم على متابعة البشارة وتقديم شهادة متواضعة ويوميّة وحوار مع التّقاليد الدّينيّة الأخرى بالرّغم من أنّ الكنيسة في اليابان صغيرة والكاثوليك فيها أقلّيّة، داعيًا إيّاهم كذلك إلى اهتمام خاصّ بالشّباب واحتياجاتهم، وإلى تنمية رسالة قادرة على إشراك العائلات وعلى تعزيز تنشئة قادرة على بلوغ الأشخاص حيث يكونون.
أمّا صباح الأحد فزار الأب الأقدس مدينة ناغازاكي ووضع نصبًا تذكاريًّا في الحديقة العامّة حيث أُلقيت القنبلة الذّرّيّة في العام 1945. ومن هناك شدّد على أنّ حيازة السّلاح النّوويّ وباقي أسلحة الدّمار الشّامل ليست التّجاوبَ الأنسب مع رغبة السّلام والاستقرار، فهما "لا يتماشيان مع أيّ محاولةٍ لزرع الخوف من الدّمار المتبادل، لأنّه يمكن تحقيقهما فقط من خلال خلقيّةٍ عالميّةٍ للتّضامن والتّعاضد في خدمةِ مستقبلٍ يقوم على أساسِ التّعاون والمسؤوليّة المشتركة وسطَ العائلة البشريّة اليوم وغدًا"، موضحًا أنّ "التّسلّح يبدّد المواردَ الثّمينة الّتي يمكن استخدامُها لصالح النّموّ المتكامل للشّعوب وحماية البيئة الطّبيعيّة".
وعبّر البابا في الختام عن أمنيته بأن "تصبح الصّلاةُ، المرفقة بالبحثِ الدّؤوب عن التّفاهم والحوار، "السّلاحَ" الّذي نضع فيه ثقتَنا من أجل بناء عالمٍ يرتكز إلى العدالة والتّضامن ويقدّم ضماناتٍ حقيقيّةً للسّلام".
هذا وزار البابا نصب القدّيسيّن الشّهداء في ناغازاكي حيث قُتل في هذا المكان عام 1597 القدّيس بول ميكي ورفاقه، وقد أكّد على أهمّيّة هذا المكان الّذي هو "قبل كلّ شيء نصب يعلن الفصح لأنّه يؤكّد أنّ الكلمة الأخيرة، ورغم التّجارب، ليست للموت بل للحياة، فنحن لسنا مدعوّين إلى الموت بل إلى حياة كاملة وهذا ما أعلنه الشّهداء"، وإنّ شهادتهم "تثَبتنا في الإيمان وتساعدنا على تجدّد تفانينا والتزامنا كي نعيش التّلمذة الرّسوليّة القادرة على العمل من أجل ثقافة بإمكانها حماية كلّ حياة والدّفاع عنها، وذلك من خلال "استشهاد" الخدمة اليوميّة والصّامتة إزاء الجميع وخاصّة لأكثر الأشخاص عوزًا".
بعد كلمته، تلا البابا فرنسس التّبشير الملائكيّ في المكان نفسه قبل أنّ يترأّس القدّاس الإلهيّ في إستاد البيسبول في ناغاساكي، حيث دعا أن يوحّد المشاركون أصواتهم "مع صوت اللّصّ الّذي صُلب مع يسوع والّذي اعترف به وأعلنه ملكًا. هناك في اللّحظة الأقلّ مجدًا وانتصارًا، وسط صرخات الاستهزاء والذّلّ، كان ذلك المجرم قادرًا على رفع صوته والتّعبير عن إيمانه". وعلى مثال لصّ اليمين، دعا البابا الجميع إلى "عيش اللّحظة الّتي يمكننا فيها أن نرفع أصواتنا والتّعبير عن إيماننا من أجل الدّفاع عن الرّبّ وخدمته، هو البريء المعذّب"، وإلى السّير على خطى الشّهداء والإعلان "بشجاعة أنَّ الحب أعطاه وبذله المسيح على الصّليب هو قادر على التّغلّب على جميع أشكال الحقد والأنانيّة والإهانة والتّهرّب؛ وعلى جميع أشكال التّشاؤم والرّفاهيّة المخدِّرة الّتي تشلُّ كلّ عمل وخيار صالح".
أمّا عصرًا فتوجّه الأب الأقدس إلى نصب السّلام في هيروشيما حيث نُظّم لقاء من أجل السّلام أشار خلاله في كلمته إلى انحنائه "أمام قوّة وكرامة النّاجين من تلك اللّحظات الأولى لكنّهم تحمَّلوا في أجسادهم لسنوات كثيرة ألمًا كبيرًا، وفي أذهانهم بذور الموت الّتي واصلت استهلاك طاقتهم الحيويّة"، لافتًا إلى مجيئه كحاج سلام رافعًا الصّلاة من أجل الضّحايا الأبرياء، حاملاً معه صرخة الفقراء الّذين هم دائمًا الضّحايا الأكثر ضعفًا للكراهيّة والنّزاعات.
وجدّد البابا تأكيده على أنّ "الاستخدام الحربيّ للطّاقة النّوويّة هو اليوم وأكثر من أيّ وقت سابق جريمة لا فقط ضدّ الإنسان وكرامته، بل ضدّ مستقبل ممكن لبيتنا المشترك"، متسائلاً "كيف يمكننا الحديث عن السّلام بينما نشيِّد أسلحة جديدة ومتطوّرة ونبرّر أفعالاً غير شرعيّة بخطابات تفرقة وكراهيّة؟"، مشدّدًا على أنّ "السّلام الحقيقيّ هو فقط سلام بلا سلاح"، إنّه "ثمرة العدالة والتّنمية والتّضامن والاهتمام ببيتنا المشترك وتعزيز الخير العامّ مع التّعلّم من التّاريخ"، متوقّفًا عند ثلاثة واجبات أخلاقيّة تكتسب في هذا المكان: "التّذكّر والسّير معًا والحماية".
وفي الختام، دعا البابا فرنسيس إلى "إطلاق صرخة مشتركة باسم ضحايا القصف والتّجارب النّوويّة والنّزاعات كافّة: لا للحرب أبدًا، لا لدويّ السّلاح، لا لهذا الألم الكبير أبدًا، وليحلّ السّلام على أيّامنا وعالمنا".