أوروبا
26 أيار 2022, 11:15

البابا فرنسيس: معًا فقط يمكننا أن نمضي قدمًا

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه البابا فرنسيس إلى المشاركين في مهرجان الإيمان الكاثوليكي في شتوتغارت- ألمانيا حتّى 29 من الجاري، تحت عنوان "مقاسمة الحياة"، أكّد فيها أنّ بذل الذّات هم أمر ممكن على الدّوام، فكتب بحسب "فاتيكان نيوز":

"أحيّيكم بحرارة أنتم جميعًا المجتمعين في شتوتغارت لتكريم الله والشّهادة معًا لفرح الإنجيل.

"مقاسمة الحياة". هذا هو شعار هذه الأيّام. الله الخالق وصانع كلّ حياة، قد نفخ في الإنسان روحه، روح الحياة. وغالبًا وبطرق عديدة، يشارك الإنسان بحياته الإلهيّة، وفي الابن يسوع المسيح تصل "مقاسمة حياة" الله هذه إلى ذروتها الّتي لا يمكن تخطّيها: فهو يشاركنا حياتنا الأرضيّة لكي يسمح لنا بأن نشاركه في حياته الإلهيّة. لذلك هو ينزل إلى عُمق أعماق بشريّتنا، ويوجّه محبّته الخاصّة للفقراء والمتألّمين، لا بل يتماهى معهم. وهكذا، في هذه الأيّام نقترب بفكرنا من الأشخاص في أوكرانيا ونصلّي من أجل جميع البشر، الّذين تتعرّض حياتهم للتّهديد، من أجل جميع الّذين يتوقون إلى ملء الحياة الّذي وحده الرّبّ يمكنه أن يعطيه؛ ونتضرّع سلامه!

إنَّ يسوع لا يشاركنا شيئًا ما وحسب، لكنّه يعطينا كلّ شيء: يعطينا ذاته. هو يبذل حياته من أجلنا. "وكان قد أحبّ خاصّته الّذين في العالم، فبلغ به الحبّ لهم إلى أقصى حدوده". وبطريقة مماثلة، تتوجّه إلينا وصيّته بألّا نعيش فقط لأنفسنا، وإنّما لكي نكرّس حياتنا لله وللقريب. يمكن لبذل الحياة هذا أن يتَّخذ عدّة أشكال. أفكّر، على سبيل المثال، بالأمّهات أو الآباء الّذين يكرّسون أنفسهم بالكامل لأبنائهم، وبالعديد من الأشخاص الّذين يعملون في الخدمة الكنسيّة أو في المهن الاجتماعيّة أو الخيريّة ويضعون حياتهم في المقام الأخير لكي يخدموا الآخرين ويساعدونهم. حتّى في الأزمات الحاليّة، نشكر الله لأنّه يمكننا أن نرى مدى استعداد الكثيرين لكي يقدّموا التّضحيات في سبيل الآخرين أيضًا. لا أحد يمكنه أن يخلص بمفرده. جميعنا نجلس في القارب عينه. لهذا السّبب، من الضّروريّ أن ننمّي الوعي بأنّنا جميعًا أبناء لأب واحد وإخوة وأخوات؛ نُقيم جميعًا في البيت عينه، الّذي أوكِل إلينا جميعًا معًا؛ وأنّ جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض وأنّه لا يمكننا إلّا أن نشارك حياتنا. معًا فقط يمكننا أن نمضي قدمًا. إذا أعطى كلُّ فرد منّا ما لديه ليقدّمه، فستصبح حياة الجميع أكثر غنى وجمالاً! إنَّ ما يمنحنا الله إيّاه، يمنحنا إيّاه أيضًا وعلى الدّوام لكي نتقاسمه مع الآخرين ونجعله مثمرًا للآخرين.

يُعتبر القدّيس مارتن، شفيع أبرشيّة روتنبورغ- شتوتغارت، من وجهة النّظر هذه مثالاً منيرًا لنا. فهو إذ قسم عباءته لم يمنح المتسوّل البارد الدّفء الّذي أنقذ حياته وحسب، بل أعطاه أيضًا الاعتراف والتّقدير البشريّين. إنّ جميع الّذين يحملون اسم يسوع المسيح مدعوّون لكي يحذوا حذو هذا القدّيس فنشارك في وسائلنا وإمكانيّاتنا جميع الّذين يحتاجون إلى المساعدة. لنتيقّظ إذًا فيما نسير في هذه الحياة وسنرى سريعًا أين سيكون هناك حاجة إلينا. ختامًا، أريد أن أذكر جانبًا آخر من جوانب المقاسمة مع الآخرين: في الواقع، إنّ الجميع- حتّى الأشخاص الأكثر فقرًا- لديهم شيء يمكنهم أن يقدّموه للآخرين. والعكس صحيح أيضًا، أيّ أنّ الجميع- حتّى الأغنياء- يفتقرون إلى شيء ما وبالتّالي هم يحتاجون إلى عطايا الآخرين. أحيانًا يكون قبول شيء ما من الآخرين أكثر صعوبة من إعطائه لهم، لأنّ هذا الأمر يعني ضمنًا قبول نقصنا وضعفنا. وهكذا كان على بطرس أن يتعلّم بصعوبة أن يقبل خدمة معلِّمه أثناء غسل الأرجل. لذلك لنطلب نحن أيضًا نعمة التّواضع لكي نتمكّن من أن نقبل شيئًا من الآخرين.

إنّ الطّوباويّة مريم العذراء هي مثال على هذا الموقف المتواضع تجاه الله، الّذي ترجو منه كلّ شيء، وهو شرط أساسيّ لكي يتمكّن من أن يعطينا عطاياه. فهي تطلب الرّوح القدس وتنتظره وسط الرّسل، ولا تزال اليوم أيضًا تطلب معنا هذه العطيّة. بهذا المعنى، أشرككم في هذه الأيّام بطريقة مميّزة في صلاتي. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي أيضا!".