البابا فرنسيس مترئّسًا صلاة مسكونيّة: ليكن السّينودس زمنًا للأخوّة ومكانًا يطهّر فيه الرّوح القدس الكنيسة من الثّرثرة والأيديولوجيّات والاستقطابات
وللمناسبة، ألقى الأب القدس كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "Together معًا مثل الجماعة المسيحيّة الأولى في يوم العنصرة. مثل قطيع واحد، محبوب يجمعه راعٍ واحد، يسوع. مثل الجمع الكبير في سفر الرّؤيا نحن هنا، إخوة وأخوات "من كلّ أمّة وقبيلة وشعب ولسان"، قادمون من جماعات وبلدان مختلفة، بنات وأبناء الآب عينه، يحرّكهم الرّوح القدس الّذي نالوه في المعمودية، مدعوّون إلى الرّجاء عينه.
شكرًا لحضوركم. شكرًا لجماعة تيزيه على هذه المبادرة. أحيّي بمودّة كبيرة رؤساء الكنائس وقادة ووفود التّقاليد المسيحيّة المختلفة، وأحيّيكم جميعًا، ولاسيّما الشّباب: أشكركم على مجيئكم لكي تصلّوا من أجلنا ومعنا، في روما، قبل الجمعيّة العامّة العاديّة لسينودس الأساقفة عشيّة الاختلاء الرّوحيّ الّذي يسبقها "Syn-odos" :نسير معًا، ليس فقط الكاثوليك، بل جميع المسيحيّين، وشعب المعمدين بأكمله، وشعب الله بأكمله، لأنّه من خلال الاتّحاد معًا فقط يمكن أن تكون هناك وحدة الجميع. مثل الجمع الكبير في سفر الرّؤيا، صلّينا في صمت، وأصغينا إلى "صمت عظيم". إنَّ الصّمت مهمّ وقويّ: يمكنه أن يعبّر عن ألم لا يوصف إزاء المصائب، وإنّما أيضًا، في لحظات الفرح، عن فرح يتجاوز الكلمات. ولهذا السّبب أودّ أن أتأمّل معكم بإيجاز حول أهمّيّته في حياة المؤمن، وفي حياة الكنيسة، وفي مسيرة وحدة المسيحيّين.
أوّلاً: الصّمت هو جوهريّ في حياة المؤمن. إنذه في الواقع في بداية ونهاية حياة المسيح الأرضيّة. الكلمة، كلمة الآب، صارت "صمتًا" في المذود وعلى الصّليب، في ليلة الميلاد وفي ليلة الفصح. لقد وقفنا اللّيلة، نحن المسيحيّون بصمت أمام صليب القدّيس داميانو، مثل التّلاميذ الّذين يصغون أمام الصّليب، كرسيّ المعلّم. لم يكن صمتنا صمتًا فارغًا، بل كان وقفة مفعمة بالانتظار والجهوزيّة. في عالم مليء بالضّجيج، لم نعد معتادين على الصّمت، لا بل نحن نتعب أحيانًا لتحمله، لأنّه يضعنا أمام الله وأمام أنفسنا. ومع ذلك هو أساس الكلام والحياة. يقول القدّيس بولس إنّ سرّ الكلمة المتجسّد "ظلّ مكتومًا مدى الأزل"، ويعلّمنا أنّ الصّمت يحفظ السّرّ، كما حفظ إبراهيم العهد، وكما كانت مريم تحفظ في حشاها حياة ابنها وتتأمّل بها في قلبها. من ناحية أخرى، إنّ الحقيقة لا تحتاج إلى صرخات عنيفة لكي تصل إلى قلوب البشر. إنَّ الله لا يحبّ التّصريحات والصّراخ والثّرثرة والضّجيج: بل يفضّل، كما فعل مع إيليّا، أن يتكلّم بـ"صوت نسيم لطيف"، "بخيط صمت رنّان". وبالتّالي، نحن أيضًا، مثل إبراهيم، ومثل إيليّا، ومثل مريم، نحتاج إلى أن نحرّر أنفسنا من الضّوضاء لكي نصغي إلى صوته. لأنّه في صمتنا فقط يتردّد صدى كلمته.
ثانيًا: الصّمت هو جوهريّ في حياة الكنيسة. يقول سفر أعمال الرّسل إنّه بعد خطاب بطرس في مجمع أورشليم "سكتت الجماعة كلّها"، استعدادًا لقبول شهادة بولس وبرنابا حول الآيات والعجائب الّتي أجراها الله بين الأمم. وهذا يذكّرنا بأنّ الصّمت، في الجماعة الكنسيّة، يجعل ممكنًا التّواصل الأخويّ، الّذي ينسّق فيه الرّوح القدس وجهات النّظر. أن نكون سينودسيّين يعني أن نقبل بعضنا البعض بهذه الطّريقة، مدركين أنّه لدينا جميعًا ما نشهد له ونتعلّمه، وواضعين أنفسنا معًا في الإصغاء إلى "روح الحقّ" لكي نعرف ما "يقوله للكنائس". والصّمت يسمح بالتّمييز، من خلال الإصغاء المتنبّه "لأنات الرّوح الّتي لا توصف" والّتي يتردّد صداها، وغالبًا بشكل خفيّ، في شعب الله. لنطلب إذن من الرّوح القدس عطيّة الإصغاء للمشاركين في السّينودس: "الإصغاء إلى الله، وصولاَ إلى سماع صراخ الشّعب معه؛ والإصغاء إلى الشّعب وصولاً إلى التّنفّس فيهم للإرادة الّتي يدعونا الله إليها".
وأخيرًا، ثالثًا: الصّمت هو جوهريّ في مسيرة وحدة المسيحيّين. إنّه في الواقع أساسيّ للصّلاة، الّتي منها تبدأ الحركة المسكونيّة والّتي بدونها تكون عقيمة. إنَّ يسوع في الواقع، قد صلّى لكي يكون تلاميذه "واحدًا". إنّ الصّمت الّذي يتحوّل إلى صلاة يسمح لنا بقبول عطيّة الوحدة "كما يريدها المسيح"، "بالسّبل الّتي يريدها" وليس كثمرة مستقلّة لجهودنا ووفقًا لمعايير بشريّة بحتة. كلّما توجّهنا معًا إلى الرّبّ في الصّلاة، كلّما شعرنا أنّه هو الّذي يطهّرنا ويوحّدنا أبعد من اختلافاتنا، لأنّ وحدة المسيحيّين تنمو في الصّمت أمام الصّليب، تمامًا مثل البذور الّتي سننالها والّتي تمثّل المواهب المختلفة الّتي يمنحها الرّوح القدس للتّقاليد المختلفة: واجبنا هو أن نزرعها، في اليقين أنّ الله وحده هو الّذي يُنمّي. وستكون هذه علامة لنا، نحن المدعوّين بدورنا لكي نموت بصمت عن الأنانيّة لكي ننمو، من خلال عمل الرّوح القدس، في الشّركة مع الله وفي الأخوّة فيما بيننا.
لهذا السّبب نطلب، في الصّلاة المشتركة، أن نتعلّم الصّمت مجدّدًا: لكي نصغي إلى صوت الآب، ودعوة يسوع وأنين الرّوح القدس. ونطلب أن يكون السّينودس زمنًا للأخوّة، ومكانًا يطهّر فيه الرّوح القدس الكنيسة من الثّرثرة والأيديولوجيّات والاستقطابات. بينما نتّجه نحو الذّكرى السّنويّة الهامّة لمجمع نيقيا العظيم، نطلب أن نعرف كيف نعبد متّحدين وفي صمت، مثل المجوس، سرّ الله الّذي صار إنسانًا، واثقين أنّه كلّما اقتربنا من المسيح، كلّما أصبحنا أكثر اتّحادًا فيما بيننا. وكما قاد نجم حكماء المشرق إلى بيت لحم، كذلك فليرشدنا النّور السّماويّ إلى ربّنا الواحد وإلى الوحدة الّتي صلّى من أجلها. لننطلق معًا متشوّقين لأن نلتقي به، ونسجد له ونبشّر به "لكي يؤمن العالم"."