الفاتيكان
09 شباط 2019, 10:00

البابا فرنسيس: ليفتح كلٌّ منكم قلبه لكي يُحدّثه الرّبّ

ترأّس البابا فرنسيس القدّاس الإلهيّ، في كابلة بيت القدّيسة مرتا. وبعد الإنجيل المقدّس ألقى عظة جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ استشهاد يوحنّا، أعظم مواليد النّساء، هو بحسب يسوع شهادة عظيمة لأنَّ الحياة تأخذ قيمةً عندما نبذلها في سبيل الآخرين في المحبّة والحقيقة، وفي الحياة اليوميّة والعائلة.  

هذه الرّواية التي تدور حول أربع شخصيّات، أدعوكم للنّظر إليها، فلنفتح قلوبنا لكي يحدّثنا الرّبّ: الملك هيرودس فاسد ومتردّد؛ هيروديا زوجة أخ الملك والتي لم تكن تعرف إلّا الكراهية، سالومة الرّاقصة المغرورة والنّبي الذي قُطع رأسه في الزّنزانة. رواية أصفُها لكم منذ البداية وحتّى النّهاية مع تلاميذ يوحنّا الذين يطلبون جُثَّتَهُ وَيضَعوها في قَبر.

هكذا انتهى هذا العظيم، لكن يوحنّا كان يعرف ذلك؛ كان يعرف أنّه عليه أن يتجرّد، وقد قال ذلك منذ البداية لدى رؤيته ليسوع: "له ينبغي أن ينمو ولي أن أنقص" وهو قد نقص وصولًا إلى الموت. لقد كان السّابق والمُعلن ليسوع الذي قال: "لست أنا المسيح بل هو"، وقد دلَّ عليه التّلاميذ الأوائل ومن ثمَّ انطفأ نوره رويدًا رويدًا وصولًا إلى ظلام تلك الزّنزانة في السّجن حيث قُطع رأسه.

 

ولكن لماذا حصل ذلك؟ من الصّعب سرد رواية حياة الشّهداء، الاستشهاد هو خدمة، إنّه سرٌّ وبذل حياة مميّز وكبير. وفي النّهاية، تُختتم الأمور بشكل عنيف بسبب مواقف بشريّة تحمل على قتل مسيحيّ أو شخص صادق وتحويله إلى شهيد.

فلنُحلّل مواقف الشّخصيّات الثّلاثة رواد هذا الاستشهاد. أولاً الملك الذي كان يؤمن بأنّ يوحنا كان نبيًّا، وكان "يَسُرُّهُ الإِصغاءُ إِلَيه"، وكان يحميه نوعًا ما ولكنه كان قد وضعه في السّجن. كان حائرًا لأنّ يوحنّا كان يوبِّخه على خطيئته، الزّنى؛ وبالتّالي كان هيرودس يسمع من خلال النّبي صوت الله القائل له: "بدِّل حياتك" ولكنّه لم يكن قادرًا على فعل ذلك. لقد كان الملك فاسدًا، وحيث يكون الفساد يكون من الصّعب الخروج. فاسد كان يسعى للقيام بتوازن دبلوماسيّ بين حياته، حياة الزّنى، وإنّما المليئة أيضًا بالظّلم الذي كان يقوم به؛ لذا، كان ضميره يؤنِّبه إزاء قداسة النّبيّ الذي كان أمامه ولم يكن بإمكانه أن يحلّ العقدة.

 

بعدها أصف هيروديا زوجة أخ الملك الذي قتله هيرودس ليأخذها؛ ويقول لنا الإنجيل إنّها كانت ناقِمَةً عَلى يوحنا تُريدُ قَتلَهُ لأنّه كان يتكلّم بوضوح؛ ونحن نعلم جيّدًا أنّ الحقد قادر على كلِّ شيء، إنّه قوّة كبيرة جدًّا. الحقد هو نفَس الشيطان. لنفكّر أنّه لا يعرف أن يحبّ، لا بل لا يمكنه أن يحبّ؛ وبالتّالي فمحبّته هي الحقد، وهذه المرأة كانت تملك في داخلها روح الحقد الشّيطانيّ الذي يدمّر.

 

أمّا الشّخصيّة الثّالثة وهي ابنة هيروديا، سالومة التي كانت بارعة في الرّقص وقد "أَعجَبَت هيرودُسَ وَجُلَساءَهُ" وبحماسه المعهود وعدها هيرودس قائلًا: "اطلُبي مِنّي ما شِئتِ، أُعطِكِ"، وأُذكّركم، في هذا السّياق، أنّ هيرودس قد استعمل الكلمات عينها التي استخدمها الشّيطان ليجّرِب يسوع، "أُعطيكَ هذه كُلَّها إن جثوتَ لي ساجداً"؛ لكن لم يكن بإمكان هيرودس أن يعرف هذا الأمر.

 

 

خلف هذه الشّخصيّات، نجد الشّيطان الذي يزرع الحقد في المرأة والكبرياء والغرور في الفتاة والفساد في الملك. وأعظم مواليد النّساء انتهى به الأمر وحيدًا في زنزانة مُظلمة في السّجن بسبب نزوة راقصة مغرورة، وحقد امرأة شيطانيّة، وفساد ملك متردّد. إنّه شهيد سمح لحياته بأن تنقص تدريجيًا ليترك المكان للمسيح.

 

 

لقد مات يوحنّا في الزّنزانة، في المجهول تمامًا كالعديد من شهدائنا ويقول لنا الإنجيل إنّ تلاميذه "جاؤوا فَحمَلوا جُثَّتَهُ وَوَضَعوها في قَبر" وجميعنا نعتقد أنّ هذه شهادة عظيمة لرجل عظيم وقدّيس عظيم. إنّ الحياة تأخذ قيمة عندما نبذلها في سبيل المحبّة والحقيقة، عندما نبذلها في سبيل الآخرين في الحياة اليوميّة وفي العائلة؛ عندما نبذلها على الدّوام. أمّا إن احتفظ أحد بحياته كالملك في فساده أو المرأة في الحقد أو الفتاة في غرورها، تموت الحياة وتذبل وتفقد معناها.

 

 

وإنَّ يوحنا قد بذل حياته؛ هو القائل: "ينبغي عليَّ أن أنقص لكي يتمَّ الإصغاء للرّبّ ولكي تتم رؤيته ولكي يظهر". أنصحكم فقط بألا تفكروا كثيرًا في هذا الأمر؛ وإنّما تذكّروا صور هذه الشّخصيّات: الملك الفاسد، والمرأة التي كانت لم تكن تعرف إلّا الحقد، والفتاة المغرورة التي لم تكن تدرك شيئًا، والنّبي الذي استشهد وحيدًا في الزّنزانة. أنظروا إلى هذه الأمور وليفتح كلٌّ منكم قلبه لكي يُحدّثه الرّبّ."