البابا فرنسيس: ليعزّز الرّوح القدس فينا الدّعوة لكي نكون مبشّرين شجعان وفرحين
مع وصول القدّيس بولس إلى قلب الإمبراطوريّة تنتهي رواية أعمال الرّسل الّتي لا تُختتم باستشهاد بولس وإنّما بزرع الكلمة الوافر. إنّ خاتمة رواية القدّيس لوقا، الّتي تتمحور حول رحلة الإنجيل في العالم، تحوي وتُلخّص ديناميكيّة كلمة الله، كلمة لا يمكن إيقافها وتريد أن تركض لكي تحمل الخلاص للجميع. في روما التقى بولس أوّلاً بإخوته في المسيح الّذين استقبلوه وشدّدوا عزيمته (راجع أعمال 28، 15) وأظهروا له من خلال استقبالهم له أنّهم كانوا ينتظرون وصوله بشوق. بعدها سُمح لبولس أَن يُقيمَ في مَنزِلٍ خاصٍّ بِه مع الجُندِيِّ الَّذي يَحرُسُه، لقد كان قيد الإقامة الجبريّة. وبالرّغم من كونه سجينًا تمكّن بولس من لقاء أعيان اليهود ليشرح لهم كيف أُجبر على رفَع دَعواه إِلى قَيصَر ويحدّثهم عن ملكوت الله. فحاول أن يُقنِعَهم بِشأنِ يَسوع مُعتَمِدًا على شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياء مُظهرًا لهم الاستمراريّة بين حداثة المسيح و"رجاء إسرائيل" (أعمال 28، 20). إنّ بولس يعترف بكونه يهوديًّا ويرى في الإنجيل الّذي يبشّر به، أيّ في إعلان المسيح المائت والقائم من الموت، تمام الوعود الّتي قُطعت للشّعب المختار.
تلا هذا اللّقاء الأوّل غير الرّسمي الّذي أظهر خلاله اليهود جهوزيّتهم، لقاء آخر رسميّ أعلن خلاله بولس، ليوم كامل، ملكوت الله وعمل على فتح محاوريه على الإيمان بيسوع انطلاقًا من "شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياء" (أعمال 28، 23). وبما أنّهم لم يقتنعوا جميعهم، أدان بولس قساوة قلب شعب الله الّذي هو سبب إدانته (راجع أشعيا 6، 9- 10)، واحتفل بشغف بخلاص الأمم الّتي ظهرت متنبّهة لله وقادرة على الإصغاء لكلمة إنجيل الحياة (راجع أعمال 28، 28).
في هذه المرحلة من الرّواية، يختتم لوقا كتابه مُظهرًا لنا لا موت القدّيس بولس وإنّما ديناميكيّة بشارته، وديناميكيّة كلمة "ليست مُقيّدة" (2 تيم 2، 9)– لم يكن بولس حرًّا في التّنقّل ولكنّه كان حرًّا في التّكلّم لأنّ الكلمة ليست مقيّدة– إنّها كلمة مستعدّة لأن يزرعها الرّسول بملء يديه؛ ويقوم بولس بذلك "بِكُلِّ جُرأَةٍ، لا يَمنَعُه أَحَد" (أعمال 28، 31) في بيت يستقبل جميع الّذين يريدون أن ينالوا إعلان ملكوت الله ويعرفوا المسيح. هذا البيت المفتوح لجميع القلوب الباحثة هو صورة للكنيسة الّتي وبالرّغم من أنّها مُضطهدة ومقيّدة ويُساء فهمها لا تتعب أبدًا من أن تستقبل بقلب والديّ جميع الرّجال والنّساء لكي تعلن لهم محبّة الآب الّتي أصبحت مرئيّة في يسوع.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في ختام هذه المسيرة الّتي عشناها معًا متّبعين مسيرة الإنجيل في العالم، ليعزّز الرّوح القدس في كلِّ فردٍ منّا الدّعوة لكي نكون مبشّرين شجعان وفرحين. وليجعلنا نحن أيضًا، على مثال بولس، قادرين على أن نخصّب بيوتنا بالإنجيل ونجعلها علّيّات أخوّة نستقبل فيها المسيح الحيّ الّذي يأتي "للقائنا في كلّ إنسان وفي كلّ زمان" (راجع مقدّمة المجيء 2).