الفاتيكان
18 آذار 2022, 12:50

البابا فرنسيس: ليتم تعزيز الحوار والصداقة الاجتماعية، لكي ينمو التعايش الإنساني القائم على الأخوة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة انعقاد الأيّام الاجتماعيّة الكاثوليكيّة الأوروبيّة في براتيسلافا من السّابع عشر وحتّى العشرين من شهر آذار/ مارس الجاري، وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى رئيس أساقفة فيلنيوس ورئيس اتّحاد مجالس أساقفة أوروبا المطران جينتاراس غروشاس جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ ما نشهده في الأسابيع الأخيرة ليس ما كنّا نرجوه بعد الحالة الصّحّيّة الطّارئة الصّعبة التي سببها الوباء الذي جعلنا نختبر علامة ضعف وخوف، بالإضافة إلى الحالة الهشّة لحياتنا. إنّ مأساة الحرب التي تدور في قلب أوروبا تتركنا مذهولين. لم نفكر أبدًا في أنّنا سنرى مجدّدًا مثل هذه المشاهد التي تذكّرنا بصراعات الحرب الكبرى في القرن الماضي. إنّ صرخة طلب المساعدة لإخوتنا الأوكرانيّين تدفعنا كجماعة من المؤمنين ليس فقط لكي نفكّر بشكل جدّيّ، وإنّما لكي نبكي معهم أيضًا ونعمل من أجلهم، ونشارك آلام شعب جُرح في هويّته وتاريخه وتقاليده. إنَّ دماء الأطفال ودموعهم، ومعاناة النّساء والرّجال الذين يدافعون عن أرضهم أو يهربون من القصف تهزّ ضمائرنا. مرّة أخرى، تتعرّض البشريّة للتّهديد من قبل سوء استخدام للسّلطة ومصالح الأطراف، التي تحكم على الأشخاص العزّل بأن يعانوا جميع أشكال العنف الوحشيّ.

أشكركم جميعًا، أيّها الإخوة الأعزّاء في الأسقفيّة، على استجابتكم السّريعة والاجماعيّة لمساعدة هؤلاء السّكان، وضمان المساعدة المادّيّة لهم، والاستقبال والضّيافة. لا نتعبنَّ أبدًا من ذلك ولا نتوقفنَ أبدًا عن طلب السّلام من الله والنّاس. لذلك أحثّكم على مواصلة الصّلاة، لكي لا يوفِّر الذين يمسكون مصير الأمم أيّ جهد من أجل وقف الحرب وفتح حوار بنّاء من أجل وضع حدّ للمأساة الإنسانيّة الهائلة التي تسبّبها. فاليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، من الملحّ أن نراجع أسلوب وفعاليّة العلاقات السّياسيّة. وإزاء التّغيّيرات العديدة التي نشهدها على المستوى الدّوليّ، من واجبنا أن نتيح إمكانيّة تطوير جماعة عالميّة قادرة على تحقيق الأخوّة بدءًا من الشّعوب والأمم التي تعيش الصّداقة الاجتماعيّة. إنّ الحرب، التي تجعل العالم أسوأ وهي فشل للسّياسة والإنسانيّة، واستسلام مخجل لقوى الشّرّ، قد تُثير، بهذا المعنى، ردّ فعل معاكس، والتزامًا بإعادة تأسيس بنية السّلام على المستوى العالميّ، حيث يلعب البيت الأوروبيّ، الذي ولد لضمان السّلام بعد الحروب العالميّة، دورًا أساسيًّا.

إنَّ العنوان الذي اخترتموه لهذه الأيّام، "أوروبا ما بعد الوباء: بداية جديدة"، يدعونا للتّفكير في التّحوّل الجاري في المجتمع الأوروبيّ. هذه المرحلة، التي لا تزال مشروطة بالوباء، قد تسبّبت في تغيّرات ملحوظة على الصّعيد الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثّقافيّ وكذلك على الصّعيد الكنسيّ. وفي هذا الوضع المطبوع بالألم نمت المخاوف وازداد الفقر وتضاعفت الوحدة. وبينما فقد الكثيرون وظائفهم ويعيشون بطريقة غير مستقرّة، تغيّر بالنّسبة للجميع أسلوب التّواصل والعلاقات مع الآخرين. في هذا السّياق، لم تسلم حتّى الحياة الكنسيّة من كثير من الصّعوبات، لاسّيما بسبب محدوديّة النّشاطات الرّعويّة. وبالتّالي لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي. كمسيحيّين وكمواطنين أوروبيّين، نحن مدعوّون لكي نحقّق بشجاعة ما قاله أحد الآباء المؤسّسين للجماعة الأوروبيّة ألتشيديّ دي غاسبيري، متحدثًا عن "الخير العام لأوطاننا الأوروبيّة، ووطننا أوروبا". نعم، إنَّ أوروبا والدّول التي تكونها لا تتعارض مع بعضها البعض، وبناء المستقبل لا يعني التّطابق، وإنّما الاتّحاد بشكل أكبر في احترام التّنوع. بالنّسبة للمسيحيّين، فإنّ إعادة بناء البيت المشترك تعني أن يصبحوا صانعي شركة، وناسجي وحدة على جميع المستويات: ليس من خلال الاستراتيجيّة، وإنّما بواسطة الإنجيل. بعبارة أخرى، علينا أن نبدأ من جديد من صميم الإنجيل: يسوع المسيح ومحبّته التي تُخلِّص. هذا هو الإعلان الجديد على الدّوام الذي علينا أن نحمله إلى العالم، أوّلاً من خلال شهادة الحياة التي تُظهر جمال اللّقاء مع الله ومحبّة القريب.

نُعبِّر عن ذلك جيّدًا الصّورة التي اخترتموها كشعار لهذه الأيّام: صورة القدّيس مارتن دي تور الذي يقسم عباءته إلى قسمين لكي يعطيها لرجل فقير. هي تذكّرنا بأن الحبّ هو قرب ملموس لمشاركة واهتمام بالآخر. إنَّ الذي يحبّ يتغلّب على الخوف وانعدام الثّقة إزاء الذين يأتون إلى حدودنا بحثًا عن حياة أفضل: إذا كان استقبال وحماية ومرافقة وإدماج العديد من الإخوة والأخوات الذين يهربون من الصّراعات والمجاعة والفقر، واجب وأمر إنسانيّ، فهو أمر مسيحيّ أكثر. لتتحوّل الجدران التي لا تزال موجودة في أوروبا إلى أبواب للوصول إلى إرثها التّاريخيّ والإيمانيّ والفنّيّ والثّقافيّ؛ وليتمّ تعزيز الحوار والصّداقة الاجتماعيّة، لكي ينمو التّعايش الإنسانيّ القائم على الأخوّة.

أوكل أعمالكم أيّها الأخ العزيز إلى الشّفاعة الوالديّة لأمّ الكنيسة وملكة السّلام، وإلى حماية القدّيسات والقدّيسين شفعاء أوروبا. أبارككم من قلبي وأسألكم من فضلكم أن تستمرّوا في الصّلاة من أجلي."