الفاتيكان
02 كانون الثاني 2024, 07:30

البابا فرنسيس: لِنُوكِل السّنة الجديدة إلى أمِّ الله

تيلي لوميار/ نورسات
إلى مريم أمّ الله أوكل البابا فرنسيس السّنة الجديدةن داعيًا الجميع إلى تكريس حياتهم لها، وذلك خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه صباح الإثنين في بازيليك القدّيس بطرس احتفالاً بعيد القدّيسة مريم أمّ الله، ولمناسبة اليوم العالميّ السّابع والخمسين للسّلام تحت عنوان "الذّكاء الاصطناعيّ والسّلام".

وللمناسبة ألقى الحبر الأعظم عظة جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ كلمات بولس الرّسول تُنير بداية السّنة الجديدة: "فلَمَّا تَمَّ مِلءُ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لِامرَأَةٍ". تؤثِّر فينا عبارة "مِلءُ الزَّمان". لقد كان الوقت يُقاس قديمًا من خلال إفراغ الجِرَار ومَلئِها: فإذا فرغت الجرّة، كانت تبدأ فترة زمنيّة جديدة، تنتهي عندما تمتلئ الجرَّة. هذا هو مِلءُ الزَّمان: عندما امتلأت "جرّة" التّاريخ، فاضت النّعمة الإلهيّة: صار الله إنسانًا بواسطة امرأة، مريم. إنّها الدّرب الّتي اختارها الله، ونُقطة وُصول لأشخاص كثيرين ولأجيال كثيرة أعدّوا "لحظة بعد لحظة" مجيء الرّبّ إلى العالم. هكذا كانت الأمّ في قلب الزَّمان: وقد طاب لله أن يقلب التّاريخ من خلالها، هي المرأة. بهذه الكلمة، يعيدنا الكتاب المقدّس إلى الأصول، إلى سِفر التّكوين، ويقترح علينا أنّ الأمّ مع الطّفل يطبعان خلقًا جديدًا وبداية جديدة. لذلك، وفي بداية زمن الخلاص نجد أُمّ الله، أمّنا القدّيسة.

من الجميل إذن أن تُفتَتح السّنة الجديدة بالابتهال إليها، ومن الجميل أن يُعلِنَ الشّعب الأمين بفرح، كما فعل في أفسس، أمّ الله القديسة. إنَّ كلمة أُمّ الله تعبّر في الواقع، عن اليقين الفرح بأنّ الرّبّ يسوع، الطّفل الحنون بين ذراعي أمّه، قد اتَّحد ببشريّتنا إلى الأبد، لدرجة أنّها لم تعد بشريّتنا فقط، وإنّما بشريّته أيضًا. أُمُّ الله: كلمات قليلة لكي نعترف بعَهدِ الرّبّ الأبديّ معنا. أمّ الله: إنّها عقيدة إيمان، ولكنّها أيضًا "عقيدة رجاء": الله في الإنسان والإنسان في الله، إلى الأبد.

في مِلء الزَّمان، أرسل الآب ابنه مولودًا من امرأة، لكنَّ نصّ القدّيس بولس يضيف إرسالًا ثانيًا: "أن الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا، الرّوح الّذي ينادي: "أبا"، "يا أبت". وفي إرسال الرّوح القدس، تكون الأمُّ رائدةً أيضًا، فالرّوح القدس حلّ عليها أوّلاً في البشارة، ثمّ في بدايات الكنيسة، نزل الرّوح القدس على الرّسل المجتمعين في الصّلاة مع "مَريَمَ أُمِّ يسوع". وهكذا، حمل لنا قبول مريم للّرّوح القدس، أكبر العطايا: فهي "قد جعلت ربَّ الجلال أخًا لنا" وسمحت للرّوح أن يُنادي في قلوبنا: "أبًّا، يا أبتِ". إنَّ أمومة مريم هي الدّرب لكي نلتقي بحنان الله الأبويّ، وهي الدّرب الأقرب والمباشر والأسهل. إنَّ الأمَّ في الواقع، تقودنا إلى البداية وإلى قلب الإيمان، الّذي ليس نظريّة أو التزامًا، وإنّما عطيّة كبرى، تجعلنا أبناءً محبوبين، ومسكنًا لمحبّة الآب. لذلك، أن نقبل الأمّ في حياتنا ليس خيارًا تقويًّا، وإنّما هو شرط أساسيّ للإيمان: "إذا أردنا أن نكون مسيحيّين، علينا أن نكون مريميّين".

إنَّ الكنيسة تحتاج لمريم لكي تكتشف مجدّدًا وجهها الأُنثويّ: ولكي تزداد تشبُّهًا بها، هي المرأة، والبتول والأمّ، والمثال والصّورة الكاملة لها، ولكي تُفسح المجال للنّساء لكي "يُعطين الحياة" من خلال عمل رعويّ يقوم على الرِّعايَة والاهتمام والصّبر والشّجاعة الوالديّة. لكنَّ العالم يحتاج أيضًا لأن ينظر إلى الأمّهات والنّساء لِكي يَجِدَ السّلام، وِيَخرج من دوَّامات العُنف والكَرَاهيّة، ولكي يتحلّى مجدّدًا بنظرات بشريّة وقلوب تَرَى. كلُّ مجتمع يحتاج لأن يقبل عطيّة المرأة، كلّ امرأة: ولأن يحترمها ويحميها ويُقدّرها، عالمًا أنّ الّذي يجرح امرأة واحدة هو يدنّس الله الّذي وُلِدَ من امرأة.

إنَّ مريم المرأة، هي حاسمة في حياة كلّ واحدٍ منّا، كما كانت حاسمة في ملء الزَّمان، لأنّه لا أحد يعرف أفضل من الأم أوقات الأبناء واحتياجاتهم المُلحّة. ويُظهر ذلك لنا أيضًا "بداية" أخرى، الآية الأولى الّتي صنعها يسوع في عرس قانا الجليل. هناك، تنبّهت مريم لنَقص الخَمر، فتوجّهت إليه. إنَّ احتياجات الأبناء هي الّتي تحرّكها، هي الأمّ، لكي تدفع يسوع للتّدخّل. وقال يسوع في قانا الجليل: "إِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً. فمَلأُوها إِلى أَعْلاها". إنَّ مريم، الّتي تعرف احتياجاتنا، تُسرِّع لنا نحن أيضًا فيض النِّعمة وتحمل حياتنا إلى ملئها. أيّها الإخوة والأخوات، جميعنا لدينا نواقص، وعزلات وفراغات تطلب منّا أن نملأها. ومَن غير مريم قادر على ذلك، هي أمُّ الملء؟ وعندما نتعرّض لتجربة أن ننغلق على أنفسنا، لنذهب إلى مريم، أمّ الملء؛ وعندما لا نستطيع أن نتحرّر من عقد الحياة، لنلجأ إليها. إن زمننا الخالي من السّلام يحتاج إلى أمّ تجمع العائلة البشريّة. لننظر إلى مريم لكي نُصبح بُناة وحدة، ولنقُم بذلك بإبداعها كأم تعتني بأبنائها: تجمعهم وتعزّيهم، وتصغي إلى آلامهم وتجفّف دموعهم.

لِنُوكِل السّنة الجديدة إلى أمِّ الله. لنكرّس لها حياتنا. وهي، بحنان، ستعرف كيف تفتحها على الملء. لأنّها ستقودنا إلى يسوع، ملء الزّمن، كلِّ زمن. في الواقع، وكما كُتِبَ، "إنَّ مِلء الزَّمان لم يجعل ابن الله يأتي إلى العالم، وإنّما إرسال الابن إلى العالم هو الّذي بعث مِلء الزَّمان". ليكن هذا العام مليئًا بعزاء الرّبّ، وليكن عامًا يفيض بالحنان الوالديّ لمريم أمِّ الله القدّيسة".