الفاتيكان
20 أيلول 2018, 12:25

البابا فرنسيس: لننمّي ونعزز احترام كرامة كلِّ شخص بشريّ بدءًا من العائلة

إستقبل البابا فرنسيس صباح اليوم في القصر الرّسوليّ المشاركين في مؤتمر حول كراهية الأجانب والعنصريّة في إطار الهجرة العالميّة الحاليّة، وتوجّه إليهم بكلمة أبرز ما جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"نعيش في زمن تعود فيه وتنتشر المشاعر التي كان يبدو أنّنا قد تخطيناها. مشاعر الشّك والخوف والازدراء وحتّى الكراهيّة تجاه الأفراد والمجموعات التي تعتبر مختلفة بسبب انتمائها الإثنيّ أو الوطنيّ أو الدّينيّ والتي بسبب هذا الاختلاف لا تعتبر أهلاً للمشاركة في حياة المجتمع بملئها. إنَّ هذه المشاعر غالبًا ما تلهم تصرّفات تعصُّب وتمييز وتهميش تجرح كرامة الأشخاص وحقوقهم الأساسيّة. لا يمكننا أن نقف غير مبالين أمام خطورة هذه الظّواهر. جميعنا مدعوّون، بحسب أدوارنا، لننمّي ونعزز احترام كرامة كلِّ شخص بشريّ بدءًا من العائلة – المكان الذي نتعلّم فيه منذ نعومة أظافرنا قيم المشاركة والقبول والأخوّة والتّضامن – وإنّما أيضًا في مختلف الأُطر الاجتماعيّة التي نعمل فيها. أفكِّر أولاً بالمنشئين والمربّين الذين يُطلب منهم التزامًا متجدّدًا لكي يتمَّ في المدرسة والجامعة وأماكن التّنشئة الأخرى تعليم احترام كلّ شخص بشريّ بالرّغم من اختلافه الجسديّ والثّقافيّ الذي يميِّزه متخطّين الأحكام المسبقة. في عالم أصبح فيه استعمال أدوات العلم والتّواصل أكثر انتشارًا، تقع مسؤوليّة خاصّة على الذين يعملون في عالم التّواصل الاجتماعيّ إذ من واجبهم أن يضعوا أنفسهم في خدمة الحقيقة وينشروا المعلومات متنبّهين لنشر ثقافة اللّقاء والانفتاح على الآخر في الاحترام المتبادل للاختلافات. من ثمَّ يجب على الذين يستفيدون اقتصاديًّا من جوّ عدم الثّقة بالغريب الذي يعزز ويغذّي نظام فقر واستغلال أن يقوموا بفحص ضمير مدركين أنّه ينبغي عليهم يومًا ما أن يؤدّوا الحساب أمام لله على الخيارات التي قاموا بها.

إزاء انتشار أشكال جديدة من كراهيّة الأجانب والعنصريّة يلعب قادة جميع الدّيانات دورًا مهمًّا فينشروا بين مؤمنيهم المبادئ والقيم الأخلاقيّة التي طبعها الله في قلب الإنسان كقانون أخلاقيّ طبيعيّ؛ ويقوموا بتصرّفات تساهم في بناء مجتمع يقوم على مبدأ قداسة الحياة البشريّة واحترام كرامة كلّ إنسان، وعلى المحبّة والأخوّة والتّضامن. وبالتّالي على الكنائس المسيحيّة، بشكل خاصّ، أن تكون شاهدة متواضعة وعاملة لمحبّة المسيح. إنَّ المصدر المشترك والرّابط الفريد مع الخالق يجعلان جميع الأشخاص أعضاء في عائلة واحدة، إخوة وأخوات، مخلوقين على صورة الله ومثاله كما يعلمنا الوحي البيبليّ.

إنّ كرامة جميع البشر والوحدة الأساسيّة للجنس البشريّ والدّعوة للعيش كإخوة، جميع هذه الأمور تجد التّأكيد وتتعزز أكثر بقدر ما يتمُّ قبول البشرى السّارة بأنَّ المسيح يجمعنا ويخلِّصنا أجمعين، لدرجة – وكما يقول القدّيس بولس – "لَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع. فإِذا كُنتُم لِلمسيح فأَنتُم إِذًا نَسْلُ إِبراهيم وأَنتُمُ الوَرَثَةُ وَفقًا لِلوَعْد" (غلا ۳، ٢٨). في هذا المنظار لا يكون الآخر مجرّد كائن ينبغي احترامه لكرامته الطّبيعيّة وإنّما هو أخ أو أخت نحبّهما. في المسيح يتحوّل التّسامح إلى محبّة أخويّة وحنان وتضامن عامل تجاه إخوتنا الصّغار الذين يمكننا أن نرى فيهم الغريب الذي يتماهى به يسوع. ففي يوم الدّينونة الأخيرة سيذكّرنا الرّبّ قائلاً: "كُنتُ غَريباً فما آوَيتُموني" (متّى ٢٥، ٤۳). ولكنّه يسائلنا منذ اليوم: "أنا غريب، ألا تتعرفون علي؟". وعندما كان يسوع يقول للتّلاميذ الاثني عشر: "فلا يَكُنْ هذا فيكُم"، لم يكُن يقصد فقط سلطة رؤساء الأمم فيما يخصّ السّلطة السّياسيّة وإنّما الكيان المسيحيّ بأسره.

إذ أدرك المظاهر العديدة للقرب والقبول والإدماج الموجودة تجاه الغرباء، أتمنّى أن تولد من هذا اللّقاء العديد من مبادرات التّعاون لكي نتمكّن معًا من بناء مجتمع أكثر عدالة وتضامن. أكلكم مع عائلاتكم إلى شفاعة مريم الكليّة القداسة أمّ الحنان وأمنحكم فيض البركة الرّسوليّة لكم ولجميع أحبّائكم."