أوروبا
06 كانون الأول 2021, 09:45

البابا فرنسيس للمكرّسين في أثينا: اعملوا بـ"الثّقة" و"التّرحيب" لتتذوّقوا الإنجيل وتختبروا الفرح والأخوّة

تيلي لوميار/ نورسات
لم تمرّ زيارة البابا فرنسيس إلى اليونان من دون أن يلتقي الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والإكليركيّين ومعلّمي التّعليم المسيحيّ، فاجتمع بهم في كاتدرائيّة القدّيس ديونيسيوس في أثينا، عصر السّبت، حيث كان له خطاب قال فيه وفقًا لـ"فاتيكان نيوز":

"يسعدني أن ألتقي بكم في هذه الأرض الّتي هي هبة وتراث للإنسانيّة، عليها بُنيت أسس الغرب. نحن جميعًا أبناء لبلدكم ومدينون له: بدون الشّعر والأدب والفلسفة والفنون الّتي نشأت وتطوّرت هنا، لما استطعنا أن نعرف جوانب كثيرة من الوجود البشريّ، ولا استطعنا أن نجيب على أسئلة كثيرة في داخلنا عن الحياة والحبّ، والألم والموت. في تربة هذا التّراث الغنيّ، هنا في بداية المسيحيّة بدأ "مختبر" الانثقاف الإيمانيّ، أدارته حكمة العديد من آباء الكنيسة، وهم بسيرتهم المقدّسة وبكتاباتهم منارة مضيئة للمؤمنين في كلّ العصور. وإذا سألنا من افتتح اللّقاء بين المسيحيّة المبكرة والثّقافة اليونانيّة، لن تذهب أفكارنا إلّا إلى الرّسول بولس. هو الّذي فتح "مختبر الإيمان"، الّذي جمع بين هذين العالمين. لنسترشد بموقفين للرّسول بولس يساعداننا في فهمنا وتنمية إيماننا اليوم.  

إنّ الموقف الأوّل هو الثّقة. بينما كان بولس يعظ، بدأ بعض الفلاسفة يتساءلون عمّا يريد أن يعلم هذا "الثّرثار". فأتوا به ليستنطقوه ووُضِع بولس أمام محكمة. لذلك فهو لا يمرّ بلحظة انتصار. إنّه يحمل رسالته في ظروف صعبة. ربّما، في لحظات عديدة في مسيرتنا، نشعر نحن أيضًا بالتّعب وأحيانًا بالإحباط لأنّنا جماعة صغيرة، أو كنيسة ضعيفة، تتحرّك في بيئة غير مؤاتية دائمًا. تأمّلوا في قصّة بولس في أثينا. كان وحيدًا، في أقلّيّة، وفرص النّجاح أمامه ضئيلة. لكنّه لم يسمح لنفسه بالاستسلام للإحباط، ولم يتخلَّ عن رسالته. ولم يترك نفسه تذهب إلى الشّكوى والتّذمّر. هذا هو موقف الرّسول الحقيقيّ: المضيّ قدمًا بثقة، مفضّلاً صعوبة المواقف غير المتوقّعة على العادة والتّكرار. تمتّع بولس بهذه الشّجاعة. من أين أتته؟ من الثّقة بالله. شجاعته هي شجاعة الثّقة: الثّقة بعظمة الله الّذي يحبّ أن يعمل معنا لأنّنا صغار.  

لنثق بالله وبأنفسنا، لأنّ كوننا كنيسة صغيرة يجعلنا علامة بليغة للإنجيل، ولله الّذي أعلن يسوع أنّه يختار الصّغار والفقراء، والّذي يغيّر التّاريخ بأعمال الصّغار البسيطة. نحن، الكنيسة، غير مطالَبين بروح الفتوحات والنّصر، ولا بعظمة الأعداد الكبيرة، ولا بكبرياء الدّنيا. هذا كلّه خطر علينا. هذه تجربة التّباهي بالانتصار. المطلوب منّا هو أن نأخذ عبرة من حبّة الخردل، فهي صغيرة جدًّا، لكنّها تنمو بتواضع وببطء. وأودّ أن أقول لكم: باركوا الصِّغَر ورحّبوا به. فإنّه يهيّئكم للثّقة بالله وبالله وحده. أن تكونوا أقلّيّة- والكنيسة أقلّيّة في العالم كلّه- لا يعني أن تكونوا غير مهمّين، بل يعني أن تسيروا في الطّريق الّذي فتحه الله. لنساعد بعضنا بعضًا لتجديد هذه الثّقة بعمل الله، وحتّى لا نفقد حماس الخدمة. تشجّعوا وتقدّموا.

الموقف الثّاني لبولس: ألا وهو التّرحيب. إنّه الاستعداد الدّاخليّ الضّروريّ للبشارة بالإنجيل: عدم الرّغبة في اتّخاذ محلّ الآخر وفرض أنفسنا على حياته، بل هو زَرعُ البشارة السّارّة في تربة وجوده. وقبل ذلك، نتعلّم أن نقبل ونعترف بالبذور الّتي وضعها الله في قلبه، قبل مجيئنا. لنتذكّر: الله يسبق دائمًا زرعنا. ليست البشارة تعبئة وعاء فارغ، بل هي تسليط الضّوء على ما بدأه الله وحقّقه. وهذه هي الطّريقة الخارقة الّتي أظهرها الرّسول بولس أمام الأثينيّين. إنّه يعترف بالكرامة لمن يخاطبهم، ويرحّب ويحترم حساسيّتهم الدّينيّة. حتّى لو كانت شوارع أثينا مليئة بالأصنام. فقد رأى بولس طلب الله الخفيّ في قلوب هؤلاء الأشخاص، وأراد أن يقدّم لهم بوداعة ولطف دهشة الإيمان. إنّه يؤمن بأنّ الرّوح القدس يعمل في قلب الإنسان، ما وراء التّسميات الدّينيّة.  

لقد أظهر القدّيس بولس ثقته الهادئة بالله، وهذا جعله يرحّب بجماعة الأريوباغوس الّذين اشتبهوا به. بهذين الموقفَين بشّر مخاطبيه بالإله المجهول. وقد قدّم وجه إله زرع في قلب العالم، بيسوع المسيح، بذور القيامة، وحقَّ الجميع في الرّجاء. عندما أعلن بولس هذه الأخبار السّارّة، استخفّ به معظمهم وتركوه. "غَيرَ أَنَّ بَعضَ الرّجالِ انضَمُّوا إِلَيه وآمنوا". الأكثريّة انسحبت وانضمّت بقيّة صغيرة إلى بولس. هكذا ينسج الله خيوط التّاريخ، منذ ذلك الزّمن وحتّى اليوم.  

أتمنّى لكم من كلّ قلبي أن تتابعوا عملكم في مختبركم التّاريخيّ للإيمان، واعملوا بهذين المكوّنَين: الثّقة والتّرحيب، لتتذوّقوا الإنجيل وتختبروا الفرح والأخوّة."