الفاتيكان
17 حزيران 2021, 13:50

البابا فرنسيس للمشاركين في مؤتمر العمل الدّوليّ: الكنيسة تدعمكم وتسير إلى جانبكم!

تيلي لوميار/ نورسات
"لقد حان الوقت للقضاء على التّفاوتات وعلاج الظّلم الّذي يقوِّض صحّة العائلة البشريّة بأسرها"، هذا ما أكّده البابا فرنسيس في رسالة مصوّرة وجّهها إلى المشاركين في الدّورة التّاسعة بعد المئة لمؤتمر العمل الدّوليّ في جنيف، مشدّدًا على دعم الكنيسة لهم، قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

"يُعقد هذا المؤتمر في مرحلة حاسمة من التّاريخ الاجتماعيّ والاقتصاديّ تطرح تحدّيات خطيرة وبعيدة المدى للعالم أجمع. خلال هذه الأزمة المستمرّة، علينا أن نستمرّ في ممارسة "رعاية خاصّة" للخير العامّ. إنَّ العديد من الاضطرابات المحتملة والمتوقّعة لم تحدث بعد؛ لذلك ستكون هناك حاجة لاتّخاذ قرارات دقيقة. لقد أدّى الانخفاض في ساعات العمل في السّنوات الأخيرة إلى فقدان الوظائف وتقليص يوم العمل لمن احتفظوا به. كذلك واجهت العديد من الخدمات العامّة، والعديد من الشّركات، صعوبات هائلة، وواجهت بعضها خطر الإفلاس الكلّيّ أو الجزئيّ. كما شهدنا في عام 2020 في جميع أنحاء العالم فقدان وظائف لا سابق له.

مع الاندفاع للعودة إلى نشاط اقتصاديّ أكبر، في نهاية وباء فيروس الكورونا، لنتجنَّب التّركيز الشّديد على الرّبح والعزلة والقوميّة والاستهلاك الأعمى وإنكار الأدلّة الواضحة الّتي تدلّ على تمييز إخوتنا وأخواتنا في مجتمعنا. ولنبحث عن حلول تساعدنا في بناء مستقبل عمل جديد يقوم على ظروف عمل لائقة وكريمة، تأتي من مفاوضة جماعيّة، وتعزّز الخير العامّ، وهي عبارة ستجعل العمل مكوّنًا أساسيًّا لعنايتنا بالمجتمع والخليقة. بهذا المعنى، يكون العمل إنسانيًّا حقًّا وبصورة أساسيّة. وإذ نشير إلى الدّور الأساسيّ الّذي تلعبه هذه المنظمة وهذا المؤتمر كمجالات مميّزة للحوار البنّاء، نحن مدعوّون إلى إعطاء الأولويّة لاستجابتنا للعمّال الّذين يجدون أنفسهم على هامش عالم العمل والّذين لا يزالون متأثّرين بوباء فيروس الكورونا؛ العمّال ذوو المهارات المتدنّية، والعمّال المياومون، والعاملون في القطاع غير الرّسميّ، والعمّال المهاجرون واللّاجئون، والّذين يقومون بما يسمّى عادة "العمل ذي الأبعاد الثّلاثة": الخطير والقذر والمهين.

عادة ما يتمّ استبعاد العديد من المهاجرين والعاملين المستضعفين، مع عائلاتهم، من الوصول إلى برامج تعزيز الصّحّة الوطنيّة والوقاية من الأمراض والعلاج والمساعدة، وكذلك من خطط الحماية الماليّة والخدمات النّفسيّة والاجتماعيّة. كذلك أدّى غياب معايير الحماية الاجتماعيّة في مواجهة تأثير فيروس الكورونا إلى زيادة الفقر والبطالة وزيادة في العمل غير الرّسميّ وتأخير إدماج الشّباب في سوق العمل وزيادة عمالة الأطفال، وضعف الاتجار بالبشر، وانعدام الأمن الغذائيّ وزيادة التّعرّض للإصابة بين السّكّان مثل المرضى والمسنّين.

أوّلاً، تتمثّل الرّسالة الأساسيّة للكنيسة في مناشدة الجميع للعمل معًا، مع الحكومات والمنظّمات متعدّدة الأطراف والمجتمع المدنيّ، لخدمة الخير العامّ والعناية به ولضمان مشاركة الجميع في هذا الالتزام. لا ينبغي أن يُترك أحد جانبًا في حوار من أجل الخير العامّ يهدف بشكل خاصّ إلى بناء وتعزيز السّلام والثّقة بين الجميع. إنَّ الكنيسة تتمتّع بخبرة طويلة في المشاركة في هذه الحوارات من خلال جماعاتها المحلّيّة والحركات الشّعبيّة والمنظّمات، وهي تقدّم نفسها للعالم كبانيةٍ للجسور لكي تساعد في خلق الظّروف لمثل هذا الحوار أو، عند الاقتضاء، للمساعدة في تسهيله. ثانيًا، من الجوهريّ أيضًا لرسالة الكنيسة ضمان حصول الجميع على الحماية الّتي يحتاجونها اعتمادًا على نقاط ضعفهم: المرض، أو السّنّ، أو الإعاقة، أو النّزوح، أو التّهميش، أو الإدمان. كذلك تحتاج أنظمة الحماية الاجتماعيّة، الّتي تواجه بدورها مخاطر كبيرة، إلى الدّعم والتّوسّع لضمان الوصول إلى الخدمات الصّحّيّة والغذاء والاحتياجات البشريّة الأساسيّة. في حالات الطّوارئ، كجائحة فيروس الكورونا، من المطلوب اتّخاذ تدابير مساعدة خاصّة. كذلك من المهمِّ أيضًا إيلاء اهتمام خاصّ لتوفير المساعدة المتكاملة والفعّالة من خلال الخدمات العامّة.

في مرحلة التّأمُّل هذه، الّتي نحاول فيها صياغة عملنا المستقبليّ وتشكيل جدول أعمال دوليّ لما بعد فيروس الكورونا، يجب أن نولي اهتمامًا خاصًّا للخطر الحقيقيّ المتمثّل في نسيان الّذين بقوا في الخلف. وبالتّالي بالنّظر إلى المستقبل من الضّروريّ أن تدعم الكنيسة، وكذلك عمل الكرسيّ الرّسوليّ مع منظّمة العمل الدّوليّة، التّدابير الّتي تصحّح المواقف الظّالمة أو الخاطئة الّتي تفسد علاقات العمل، وتجعلها خاضعة تمامًا لفكرة "التّهميش"، أو انتهاك حقوق العمّال الأساسيّة.

لقد ذكّرنا الوباء الحاليّ بأنّه لا وجود لاختلافات أو حدود بين الّذين يتألّمون. جميعنا هشّون، وفي الوقت عينه، لدينا جميعًا قيمة كبيرة. نأمل أن يحرِّكنا بعمق ما يحدث من حولنا. لقد حان الوقت للقضاء على التّفاوتات وعلاج الظّلم الّذي يقوِّض صحّة العائلة البشريّة بأسرها. إزاء أجندة منظّمة العمل الدّوليّة، علينا أن نواصل ما فعلناه في عام 1931، عندما أدان البابا بيوس الحادي عشر، بعد أزمة وول ستريت عدم التّناسق بين العمّال ورجال الأعمال كظلم عبق أطلق العنان لرأس المال والتّوافر. حتّى في تلك الظّروف، عزّزت الكنيسة الموقف القائل بأنّ مبلغ الأجر عن العمل المنجز يجب ألّا يقتصر فقط على تلبية الاحتياجات الفوريّة والحاليّة للعمّال، وإنّما يجب أن يفتح أيضًا قدرة العمّال على حفظ المدّخرات المستقبليّة لعائلاتهم واستثمارات قادرة على ضمان هامش أمان للمستقبل. وهكذا، منذ الدّورة الأولى للمؤتمر الدّوليّ، دعم الكرسيّ الرّسوليّ قواعد موحّدة قابلة للتّطبيق على العمل من جميع جوانبه المختلفة، كضمان للعمّال. إذ أنّه مقتنع بأنّ العمل، وكذلك العمّال، يمكنهم أن يعتمدوا على الضّمانات والدّعم إذ تمّت حمايتهم من "لعبة" رفع القيود.

يمكن للكنيسة الكاثوليكيّة ومنظّمة العمل الدّوليّة، بالاستجابة لطبيعتيهما ووظيفتيهما المختلفتين أن تستمرّا في تنفيذ استراتيجيّاتهما ولكن يمكنهما أيضًا الاستمرار في اغتنام الفرص الّتي تُقدّم لهما من أجل التّعاون في مجموعة متنوّعة من الإجراءات المهمّة. ولتعزيز هذا الإجراء المشترك، من الضّروريّ أن يتمَّ فهم العمل بشكل صحيح. يدعونا العنصر الأوّل لهذا الفهم إلى تركيز الاهتمام اللّازم على جميع أشكال العمل، بما في ذلك أشكال التّوظيف غير الاعتياديّة. إذ يتجاوز العمل ما يُعرف تقليديًّا بإسم "التّوظيف الرّسميّ" وعلى برنامج العمل الكريم أن يشمل جميع أشكال العمل. إنّ غياب الحماية الاجتماعيّة للعاملين في الاقتصاد غير الرّسميّ ولعائلاتهم يجعلهم عرضة بشكل خاصّ للمواجهات، ممّا يعني أنّهم لا يستطيعون الاعتماد على الحماية الّتي يوفّرها التّأمين الاجتماعيّ أو برامج المساعدة الاجتماعيّة الهادفة إلى مكافحة الفقر. أمّا العنصر الثّاني لفهم العمل بشكل صحيح: إذا كان العمل علاقة، فيجب أن يتضمّن بُعد العناية، لأنّه لا يمكن لأيّ علاقة أن تدوم بدون عناية. وبالتّالي على العناية أن تكون بُعدًا في كلّ عمل. إنّ العمل الّذي لا يعتني بالخليقة بل يدمِّرها، ويُعرِّض بقاء الأجيال القادمة للخطر، لا يحترم كرامة العمّال ولا يمكن اعتباره كريمًا. أمّا العمل الّذي يعتني بالخليقة فيساهم في استعادة الكرامة الإنسانيّة الكاملة، وسيساهم في ضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

بالإضافة إلى الفهم الصّحيح للعمل، يتطلّب الخروج من الأزمة الحاليّة في ظروف أفضل تطوير ثقافة التّضامن، لمواجهة ثقافة الإقصاء الّتي هي في أصل عدم المساواة والّتي تعذِّب العالم. لتحقيق هذا الهدف، سيكون من الضّروريّ تعزيز مساهمة جميع تلك الثّقافات، مثل ثقافة السّكّان الأصليّين، والثّقافة الشّعبيّة، والّتي غالبًا ما تُعتبر هامشيّة، ولكنّها تحافظ على ممارسة التّضامن حيّة، والّتي هي أكثر من مجرّد أفعال سخاء عرضيّة. بهذه الكلمات أخاطبكم، أيّها المشاركون في مؤتمر العمل الدّوليّ التّاسع بعد المائة، لأنّكم بصفتكم فاعلين مؤسّسيّين في عالم العمل، تملكون فرصة كبيرة للتّأثير على عمليّات التّغيير الجارية. إنَّ مسؤوليّتكم كبيرة، لكن الخير الّذي يمكنكم تحقيقه هو أكبر. لذلك أدعوكم للرّدّ على التّحدّي الّذي نواجهه.

أطلب من القادة السّياسيّين والّذين يعملون في الحكومات أن يلهموا دائمًا هذا الشّكل من أشكال الحبّ الّذي هو المحبّة السّياسيّة. وأذكّر رجال الأعمال بدعوتهم الحقيقيّة: إنتاج ثروة في خدمة الجميع. إنَّ النّشاط التّجاريّ هو في الأساس "دعوة نبيلة تهدف إلى إنتاج الثّروة وتحسين العالم للجميع، إنَّ الله يشجّعنا، ولكنّه يتوقّع منّا أن نطوِّر المهارات الّتي منحنا إيّاها. كما أدعو أعضاء النّقابة ومديري الرّابطات العمّاليّة لكي يتصرّفوا بحكمة ويركّزوا على الأوضاع الملموسة للأحياء والمجتمعات الّتي يعملون فيها، ويعالجوا في الوقت عينه القضايا المتعلّقة بالسّياسات الاقتصاديّة الأوسع. أمّا التّحدّي الثّاني فهو الابتكار. إنَّ الأنبياء هم رقباء يسهرون من موقع حراستهم. كذلك على النّقابات أيضًا أن تحرس جدران مدينة العمل، مثل الحارس الّذي يراقب ويحمي الّذين هم داخل مدينة العمل، ولكنّه أيضًا يراقب ويحمي من هم خارج الأسوار. وبالتّالي فدعوتكم أيضًا هي حماية الّذين ما زالوا لا يملكون حقوقًا، والّذين تمّ استبعادهم من العمل والّذين تمّ استبعادهم أيضًا من الحقوق والدّيمقراطيّة.

أيّها المشاركون المحترمون في العمليّات الثّلاثيّة لمنظمة العمل الدّوليّة ومؤتمر العمل الدّوليّ هذا، إنَّ الكنيسة تدعمكم وتسير إلى جانبكم. إنَّ الكنيسة تضع بين أيديكم مواردها، بدءًا من مواردها الرّوحيّة وعقيدتها الاجتماعيّة. لقد علَّمنا الوباء أنّنا جميعًا في القارب عينه وأنّه معًا فقط يمكننا أن نخرج من الأزمة."