الفاتيكان
23 تشرين الثاني 2021, 10:30

البابا فرنسيس للشّباب: شكرًا لأنّكم لم تفقدوا القدرة على الحلم!

تيلي لوميار/ نورسات
"نحن بحاجة أيضًا ككنيسة لأن نحلم، ونحن بحاجة لحماس الشّباب واندفاعهم، لكي نكون شهودًا لإله شابّ على الدّوام!"، هذا ما أكّده البابا فرنسيس خلال قدّاس الأحد ترأّسه في بازيليك القدّيس بطرس، في عيد يسوع الملك واليوم العالميّ السّادس والثّلاثين للشّباب الّذي احتُفل به على صعيد أبرشيّ، توجّه خلاله إلى الشّباب تحديدًا قائلًا بحسب "فاتيكان نيوز":

"تساعدنا الصّورتان اللّتان سمعناهما، والمأخوذتان من كلمة الله، لكي نقترب من يسوع ملك الكون. الصّورة الأولى، المأخوذة من سِفرِ رؤيا القدّيس يوحنّا، والّتي استبقها النّبيّ دانيال في القراءة الأولى، تصفها الكلمات التّالية: "آتٍ في الغَمام". وتشير إلى مجيء يسوع المجيد ربًّا، وإلى نهاية التّاريخ. أمّا الصّورة الثّانية فهي الصّورة الّتي يقدّمها الإنجيل: صورة المسيح الّذي يقف أمام بيلاطس ويقول له: "إِنِّي مَلِك". سيساعدنا أيّها الشّباب الأعزّاء، أن نتوقّف ونتأمّل في صور يسوع هذه، فيما نبدأ مسيرتنا نحو اليوم العالميّ للشّباب لعام 2023 في لشبونة.

لنتوقّف إذًا عند الصّورة الأولى: يسوع يأتي في الغَمام. إنّها صورة تتكلّم عن مجيء المسيح الثّاني في المجد، في نهاية الأزمنة، وهي تجعلنا نفهم أنّ الكلمة الأخيرة حول حياتنا ستكون ليسوع. ويقول الكتاب المقدّس أيضًا: إنّه هو "الرَّاكِبِ على الغَمام" الّذي يظهر قدرته في السّماوات: أيّ أنّ الرّبّ يسوع الّذي يأتي من العُلى ولا يغيب أبدًا، هو الّذي يقاوم كلّ ما يزول، وهو ثقتنا الأبديّة الّتي لا تتزعزع. إنَّ نبوءة الرّجاء هذه تنير ليالينا. وتقول لنا إنّ الله آتٍ، وهو حاضر، ويعمل، ويوجّه التّاريخ نحوه، نحو الخير. هو يأتي "في الغّمام" ليطمئننا، وكأنّه يقول: "لن أترككم وحدكم عندما تغمر الغيوم الدّاكنة حياتكم. أنا معكم على الدّوام. آتي لكي أُنيركم وأعيد إليكم الصّفاء". لكنَّ النّبيّ دانيال قد حدّد في كلامه أنّه رأى الرّبّ آتيًا في الغَمام، فيما كان ينظُرُ في رُؤياه لَيلاً. في الرّؤى اللّيليّة: إنَّ الله يأتي في اللّيل، في الغمام المظلم غالبًا، والّذي يدْلَهِمُّ ويشتدُّ ظلامه في حياتنا. نحن بحاجة لأن نتعرّف عليه، ولأن ننظر أبعد من اللّيل، ونرفع نظرنا لكي نرى الله وسط الظّلام.

أيّها الشّباب الأعزّاء، علينا أن ننظر في الرّؤى اللّيليّة! أيّ: أن نتحلّى بعيون منيرة حتّى وسط الظّلام، وألّا نتوقّف عن البحث عن النّور في وسط الظّلمة الّتي نحملها في قلوبنا ونراها من حولنا. وأن نرفع نظرنا عن الأرض، نحو العُلى، لكي نتغلّب على تجربة أن نبقى مُضجعين على أرضيّات مخاوفنا، وننغلق في أفكارنا ونبكي على أنفسنا. إرفع نظرك، وانهض! إنّها الدّعوة الّتي يوجّهها الرّبّ يسوع إلينا، والّتي أرَدْتُ أن أردّد صداها في الرّسالة المكرّسة إليكم، أيّها الشّباب، لكي ترافق مسيرة هذه السّنة. إنّها المهمّة الأصعب والأروع الّتي أوكلت إليكم: أن تبقوا واقفين فيما يبدو أنّ كلّ شيء حولكم ينهار، وأن تكونوا رُقباء يعرفون كيف يرون النّور في الرّؤى اللّيليّة، وأن تكونوا بَنَّائين وسط الأنقاض، وأن تكونوا قادرين على أن تحلُموا. لأنّ هذا ما يفعله الشّخص الّذي يحلم: لا يسمح للّيل بأن يمتصّه، بل يضيءُ شعلةً، نورَ رجاء يُبشر بالغَد.

أودّ أن أقول لكم هذا: نحن، جميعًا، شاكرون لكم عندما تحلمون: وعندما تجعلون يسوع حلم حياتكم وتعانقوه بفرح وحماسة مُعدية تفيدنا جميعًا! شكرًا لكم عندما تكونون قادرين على المُضيِّ قدمًا بالأحلام بشجاعة، وعندما لا تتوقّفون عن الإيمان بالنّور، حتّى في ليالي الحياة، وعندما تلتزمون بشغف لكي تجعلوا عالمنا أجمل وأكثر إنسانيّة. شكرًا لكم عندما تزرعون حلم الأخوّة، وعندما تهتمّون بجراح الخليقة، وتناضلون من أجل كرامة الأشدَّ ضعفًا، وتنشرون روح التّضامن والمشاركة. ولكن شكرًا لكم بشكل خاصّ، لأنّكم في عالم، يقوم على أرباح الحاضر ويتوق لخنق المثل العليا، لم تفقدوا القدرة على الحلم! هذا الأمر يساعدنا، نحن البالغين، ويساعد الكنيسة. نعم، نحن بحاجة أيضًا ككنيسة لأن نحلم، ونحن بحاجة لحماس الشّباب واندفاعهم، لكي نكون شهودًا لإله شابّ على الدّوام! وأودّ أن أقول لكم شيئًا آخر: تنسجم العديد من أحلامكم مع أحلام الإنجيل. الأخوّة، والتّضامن، والعدالة، والسّلام: إنّها أحلام يسوع عينها للبشريّة. لا تخافوا من أن تنفتحوا على اللّقاء معه: هو يحبّ أحلامكم ويساعدكم على تحقيقها. لقد كان الكاردينال مارتيني يقول إنّ الكنيسة والمجتمع بحاجة إلى "حالمين يبقوننا منفتحين على مفاجآت الرّوح القدس". أتمنّى لكم أن تكونوا من بين هؤلاء الحالمين!

ونأتي الآن إلى الصّورة الثّانية، إلى يسوع الّذي قال لبيلاطس: "إِنِّي مَلِك". يدهشنا تصميمه، وشجاعته، وحرّيّته المطلقة. لقد اعتُقِلَ، واقتيدَ إلى دار الحاكم، وتمَّ استجوابه من قبل الّذي يمكنه أن يحكم عليه بالموت. في ظرف كهذا، كان بإمكانه أن يلجأ إلى حقّه الطّبيعي في الدّفاع عن نفسه، ربّما من خلال محاولته "لإصلاح الأمور"، والمساومة. ولكن يسوع لم يُخْفِ هويّته، ولم يُخبّئ نواياه، وكذلك لم يستغلّ فتحة النّجاة الّتي تركها له بيلاطس مفتوحة. لا. بل أجاب بشجاعة الحقيقة وقال: "إِنِّي مَلِك". تحمّل مسؤوليّة حياته: لقد جئت من أجل رسالة وسأذهب إلى النّهاية لكي أشهد لملكوت الآب. وقال: "أَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلّا لأَشهَدَ لِلحَقّ". لقد أتى من دون ازدواجيّة، ليعلن بواسطة حياته أنّ مملكته مختلفة عن ممالك العالم، وأنّ الله لا يملك لكي يزيد قوّته ويسحق الآخرين، ولا يحكم بالجيوش وبالقوّة. وإنّما ملكوته هو ملكوت المحبّة، ملكوت مَن يبذل حياته من أجل خلاص الآخرين. أيّها الشّباب الأعزّاء، إنَّ حرّيّة يسوع مُذهلة! لنسمح لها بأن تتردّد في داخلنا وأن تهُزُّنا وتولِّد فينا شجاعة الحقيقة. يمكننا أن نسأل أنفسنا: لو كنت هنا الآن، مكان بيلاطس أمام يسوع، أنظر إليه في عينيه، ما هي الأمور الّتي سأخجل منها؟ أمام حقيقة يسوع، أمام الحقيقة الّتي هي يسوع، ما هي أكاذيبي الّتي لا تصمد، وازدواجيّتي الّتي لا يحبّها؟ نحن بحاجة لأن نقف أمام يسوع لنجعل الحقيقة فينا. نحن بحاجة لأن نعبده لكي نصبح أحرارًا في داخلنا، لكي ننير حياتنا ولا نسمح بأن تخدعنا نزعات اللّحظة، والألعاب النّاريّة لاستهلاك يُبهر عيوننا ويشلُّنا. أيّها الأصدقاء، نحن لسنا هنا لكي نسمح لأمور الدّنيا أن تفتننا، وإنّما لكي نمسك بيدنا بزمام أمور حياتنا، و"لكي ننهش الحياة"، ونعيشها بملئها!

وهكذا نجد في حرّيّة يسوع أيضًا الشّجاعة لكي نسير عكس التّيّار؛ ليس ضدّ أحد، كما يفعل الّذين يدّعون أنّهم ضحيّة أو المتآمرون، الّذين يلقون اللّوم دائمًا على الآخرين، لا، وإنّما ضدَّ التّيّار غير السّليم للـ"أنا" الأنانيّ، المنغلق، والقاسي، لكي نضع أنفسنا على خُطى يسوع. هو يعلّمنا أن نقاوم الشّرّ بقوّة الخير المتواضعة والوديعة فقط. بدون مساومات وأكاذيب. إنَّ عالمنا الّذي تجرحه شرور عديدة، لا يحتاج إلى المزيد من المساومات الغامضة وإلى أشخاص تتلاعب فيهم أمواج البحر فيذهبون قليلاً إلى اليمين وقليلًا إلى اليسار بحثًا عمّا يتناسب معهم. لا، أيّها الشّباب الأعزّاء! كونوا أحرارًا، وحقيقيّين، وكونوا الضّمير التّفاضليّ للمجتمع. تحلّوا بشغف الحقيقة لكي تتمكّنوا من أن تقولوا بأحلامكم: إنَّ حياتي ليست عَبْدَة لمنطق هذا العالم، لأنّني أَمْلِكُ مع يسوع من أجل العدالة، والمحبّة، والسّلام! أتمنّى أن يشعر كلّ فرد منكم بفرح أن يقول: "مع يسوع، أنا أيضًا مَلِك". أنا مَلك: أنا علامة حيّة لمحبّة الله، ورحمته وحنانه. أنا حالم بهرني نور الإنجيل، وأنظر برجاء في رؤى اللّيل. وعندما أسقط أجد في يسوع الشّجاعة لكي أكافح وأرجو، والشّجاعة لكي أحلم مجدّدًا في جميع مراحل الحياة."