الفاتيكان
28 آذار 2022, 14:00

البابا فرنسيس: لتصمت الأسلحة، وليتمّ التّفاوض بجدّيّة من أجل السّلام!

تيلي لوميار/ نورسات
هو نداء جديد أطلقه البابا فرنسيس ظهر الأحد، في ختام صلاة التّبشير الملائكيّ، أمام المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، دعا فيه إلى وقف الحرب في أوكرانيا، لافتًا إلى أنّ "الحرب لا تدمّر الحاضر فحسب، وإنّما مستقبل المجتمع أيضًا"، وقال:

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لقد مضى أكثر من شهر على بدء غزو أوكرانيا، منذ بداية هذه الحرب الوحشيّة الّتي لا معنى لها والّتي، مثل أيّ حرب، تمثّل هزيمة لنا جميعًا. هناك حاجة لنبذ الحرب، مكان الموت حيث يدفن الآباء والأمّهات أبناءهم، وحيث يقتل البشر إخوتهم دون أن يكونوا قد رأوهم، وحيث يقرّر الأقوياء ويموت الفقراء.

إنَّ الحرب لا تدمّر الحاضر فحسب، وإنّما مستقبل المجتمع أيضًا. لقد قرأت أنّ طفلاً من اثنين قد نزح من البلاد منذ بدء الهجوم على أوكرانيا. هذا يعني تدمير المستقبل، والتّسبّب في صدمات مأساويّة في الأصغر والأكثر براءة بيننا. هذه هي وحشيّة الحرب، عمل همجيٌّ وتدنيس!

لا يمكن للحرب أن تكون أمرًا لا مفرّ منه: لا يجب أن نعتاد على الحرب! وإنّما علينا أن نحوّل سخط اليوم إلى التزام الغد. لأنّه إذا خرجنا من هذه القصّة كما كنّا في السّابق، فسنكون جميعًا مذنبين بطريقة ما. إزاء خطر تدمير الذّات، تدرك البشريّة أنّ الوقت قد حان لإلغاء الحرب، ومحوها من تاريخ البشريّة قبل أن تمحو الإنسان من التّاريخ.

أُصلّي من أجل كلّ مسؤول سياسيّ لكي يفكّر في هذا الأمر، ويلتزم به! ويفهم بالنّظر إلى أوكرانيا المعذّبة، أنّ الوضع يزداد سوءًا في كلّ يوم من أيّام الحرب. لذلك أجدّد ندائي: كفى، توقّفوا، لتصمت الأسلحة، وليتمَّ التّفاوض بجدّيّة من أجل السّلام! لنرفع صلاتنا مرّة أخرى، دون كلل، لملكة السّلام، الّتي كرّسنا لها البشريّة، ولاسيّما روسيا وأوكرانيا، بمشاركة كبيرة أشكركم جميعًا عليها."

وكان الأب الأقدس قد تلا كلمة روحيّة قبل الصّلاة، على ضوء إنجيل الإبن الضّال، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يروي الإنجيل الّذي تقدّمه اللّيتورجيا هذا الأحد ما يُعرف بمثل الابن الضّال. هو يقودنا إلى قلب الله الّذي يغفر على الدّوام برأفة وحنان. يخبرنا أنّ الله هو أب لا يقبل مجدّدًا وحسب ابنه الّذي عاد إلى البيت بعد أن بدّد كلّ ممتلكاته بل يفرح به ويقيم له حفلاً. نحن ذلك الابن، ونتأثّر لمجرّد أن نفكّر في أنّ الآب يحبّنا وينتظرنا على الدّوام.

لكن في المثل نجد أيضًا الابن الأكبر، الّذي عاش أزمة أمام هذا الأب، الّذي يمكنه أن يضعنا نحن أيضًا في أزمة. في الواقع، يوجد في داخلنا أيضًا هذا الابن، أو على الأقلّ جزئيًّا، نميل إلى الاتّفاق معه: لقد قام دائمًا بواجبه، ولم يغادر المنزل، لذلك غضب لرؤيته للأب يعانق مجدّدًا الأخ الّذي تصرّف بأسلوب خاطئ. ولذلك يحتجّ ويقول: "ها إِنِّي أَخدُمُكَ مُنذُ سِنينَ طِوال، وما عَصَيتُ لَكَ أَمرًا قَطّ"، أمّا لـ"ابنكَ هذا" فتقيم له حفلاً!

من هذه الكلمات تظهر مشكلة الابن الأكبر. في علاقته مع الأب، هو يؤسّس كلّ شيء على التّقيُّد بالأوامر، وعلى الإحساس بالواجب. قد تكون هذه مشكلتنا أيضًا مع الله: أن نغفل أنّه أب ونعيش ديانة بعيدة، تقوم على المحظورات والواجبات. ونتيجة هذه المسافة هي القساوة والتّشدّد إزاء القريب الّذي لا ننظر إليه بعدها كأخ. في الواقع، في المثل، لا يقول الإبن الأكبر للأب أخي، وإنّما يقول ابنك. وفي النّهاية يخاطر هو نفسه بالبقاء خارج البيت. في الحقيقة- يقول النّصّ- "أَبى أَن يَدخُل". وعند رؤيته لذلك، خرج الأب يتوسّل إليه: "يا بُنَيَّ، أَنتَ مَعي دائمًا أبدًا، وجَميعُ ما هو لي فهُو لَكَ". وحاول أن يجعله يفهم أنّ كلّ ابن بالنّسبة له هو حياته كلّها. يعرف الوالدون ذلك جيّدًا، إذ يقتربون جدًّا من شعور الله. إنّه أمر جميل ما يقوله أب في إحدى الرّوايات: "عندما أصبحت أبًا، فهمت الله". في هذه المرحلة من المثل، يفتح الأب قلبه للابن الأكبر ويعبِّر له عن حاجتين، وهما ليستا وصايا، وإنّما ضرورة للقلب: "قد وَجَبَ أَن نَتَنعَّمَ ونَفرَح، لِأَنَّ أَخاكَ هذا كانَ مَيتًا فعاش". لنرى نحن أيضًا ما إذا كان لدينا في قلوبنا هذين الاحتياجين: الاحتفال والفرح.

أوّلاً الاحتفال، أيّ إظهار مشاركتنا للشّخص الّذي يتوب أو هو في مسيرة، للّذي يعيش في أزمة أو هو بعيد. لماذا ينبغي علينا أن نفعل ذلك؟ لأنّ هذا الأمر سيساعد في التّغلّب على الخوف والإحباط اللّذين يمكنهما أن يأتيان من تذكّر أخطائنا. غالبًا ما يشعر الشّخص الّذي خطئ بتوبيخ قلبه؛ وبالتّالي فالبعد واللّامبالاة والكلمات الحادّة لا تساعد أبدًا. لذلك، وبحسب الأب، من الضّروريّ أن نقدّم له استقبالاً حارًّا، يشجّعه على المضيّ قدمًا في المسيرة. وماذا عنّا هل نفعل هكذا؟ هل نبحث عن من هو بعيد وهل نريد أن نحتفل معه؟ كم من الخير يمكن أن يفعله القلب المنفتح، والإصغاء الحقيقيّ، والابتسامة الشّفّافة؛ والاحتفال، وعدم جعل الآخر يشعر بعدم الارتياح! من ثمَّ، وبحسب الأب، علينا أن نفرح. من كان له قلب متناغم مع الله يفرح عندما يرى توبة أحد الأشخاص مهما كانت أخطاؤه كبيرة. فلا يبقى واقفًا عند الأخطاء، ولا يوجه إصبعه إلى الشّرّ، بل يفرح بالخير، لأنّ خير الآخر هو أيضًا خيري! ونحن، هل نرى الآخرين بهذه الطّريقة؟ هل نعرف كيف نفرح للآخرين؟

لتُعلّمنا مريم العذراء أن نقبل رحمة الله، لكي تصبح النّور الّذي ننظر من خلاله إلى قريبنا."