الفاتيكان
24 تشرين الأول 2022, 13:20

البابا فرنسيس: لا يجب أن ننتظر حتّى تصبح العائلة مثاليّة لكي نعتني بدعوتها ونشجّع رسالتها

تيلي لوميار/ نورسات
حذّر البابا فرنسيس من الإيديولوجيّات لأنّها تدمّر العائلة، فـ"العائلة ليست أيديولوجيا، بل هي واقع وحقيقة. والعائلة تنمو بحيويّة الواقع"، بحسب تعبيره.

كلام البابا فرنسيس جاء خلال استقباله الجماعة الأكاديميّة للمعهد اللّاهوتيّ يوحنّا بولس الثّاني لعلوم الزّواج والعائلة، فتوجّه إليهم بكلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد مرّت خمس سنوات منذ أن أردتُ، من خلال الإرادة الرّسوليّة  Summa familiae cura، أن أستثمر في هذا الإرث الّذي خلّفه القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، الّذي أسّس المعهد في عام ١٩٨١. أقدّر وأشجّع التزامكم في المضيِّ قدمًا بصدق وإبداع بالمشروع التّعليميّ الّذي يلهم إرثه وتحديثه. إنّه التزام يملأ، يومًا بعد يوم، صفة "الحبريّ" المنسوبة إلى المعهد والّتي يجب فهمه في أهمّيّته: خدمة الكنيسة في أعقاب خدمة بطرس هي العطيّة الّتي يتلقّاها، وينقلها في الوقت عينه. لهذا السّبب، فإنّ أيّ شخص يقرأ ارتباطه المتجدّد بالسّلطة التّعليميّة الحيّة من حيث معارضة الرّسالة الّتي تلقّاها بتأسيسه سيكون مخطئًا بشكل كبير. لأنّ البذرة في الواقع، تنمو وتعطي الأزهار والثّمار.

تحثّ رسالة الكنيسة بإلحاح على تكامل لاهوت الرّابط الزّوجيّ مع لاهوت أكثر واقعيّة لحالة العائلة. إنَّ الاضطرابات غير المسبوقة، الّتي تمتحن في هذا الوقت جميع الرّوابط العائليّة، تتطلّب تمييزًا دقيقًا لفهم علامات حكمة الله ورحمته. نحن لسنا أنبياء بلوى، بل أنبياء رجاء. لذلك، عند النّظر في أسباب الأزمة، لن نغفل أبدًا عن العلامات المعزّية للقدرات الّتي تستمرّ الرّوابط العائليّة في إظهارها: لصالح جماعة الإيمان والمجتمع المدنيّ والتّعايش البشريّ. لقد رأينا جميعًا كم هي ثمينة، في لحظات الضّعف والقيود، شجاعة ومثابرة وتعاون الرّوابط العائليّة.

تبقى العائلة "قواعد أنثروبولوجيّة" لا يمكن استبدالها للمشاعر الإنسانيّة الأساسيّة. لأنّه في العائلة تتعلّم قوّة جميع روابط التّضامن والمحبّة أسرارها. وعندما يتمّ إهمال هذه القواعد أو قلبها، فإنّ نظام العلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة بأكمله سيعاني. على سبيل المثال: ألا يستمدّ التّطوّع الاجتماعيّ من هذه الرّوابط المولِّدة للحبّ والأخويّة رموز وأنماط علاقاته الأفضل؟ ألا تجد حماية العزل جذورها في العناية بالحياة؟ إنَّ الأخوّة ليست خبرة سهلة بالطّبع، ولكن هل هناك طريقة أفضل من أن نكون قد ولدنا كأخوة وأخوات لكي نفهم معنى وجودنا- جميعًا– متساوين بشريًّا؟ هذه هي، أيّها الإخوة والأخوات، حدود التّحدّي الّذي يحثّنا على أن نأخذ مجدّدًا خيط إشعاع جميع مكوّنات الحبّ العائليّ- وليس فقط حبّ الزّوجين- للمجتمع بأسره. إنَّ نوعيّة الزّواج والعائلة تحدّد نوعيّة حبّ الفرد وأواصر الجماعة البشريّة عينها. لذلك، تقع على عاتق الدّولة والكنيسة مسؤوليّة الإصغاء إلى العائلات، في ضوء قرب حنون ومتضامن وفعّال: يدعمها في العمل الّذي تقوم به من أجل الجميع، ويشجّع دعوتها من أجل عالم أكثر إنسانيّة، لا بل أكثر تضامنًا وأخوّة. علينا أن نحرس العائلة لا أن نسجنها، وأن نجعلها تنمو كما ينبغي أن تنمو. وأن نتنبّه إلى الأيديولوجيّات الّتي تتدخّل في تفسير العائلة من وجهة نظر أيديولوجيّة. إنّ العائلة ليست أيديولوجيا، بل هي واقع وحقيقة. والعائلة تنمو بحيويّة الواقع. ولكن عندما تأتي الأيديولوجيّات لتشرح العائلة أو تُلمِّعها يحدث ما يحدث ويتدمّر كلُّ شيء. هناك عائلة لديها نعمة الرّجل والمرأة اللّذين يحبّان بعضهما ويخلقان ولكي نفهم العائلة علينا أن نذهب دائمًا إلى ما هو ملموس، وليس إلى الأيديولوجيّات. إنَّ الأيديولوجيّات تدمِّر، هي تتدخّل لتشقّ طريقًا للدّمار. إحذروا الأيديولوجيّات!

لا يجب أن ننتظر حتّى تصبح العائلة مثاليّة، لكي نعتني بدعوتها ونشجّع رسالتها. سيكون للزّواج والعائلة على الدّوام بعض النّقائص إلى أن نصل إلى السّماء. أنا أقول دائمًا للعروسين الجدد: إذا كنتما تريدان أن تتخاصما فأفعلا ذلك بشرط أن تتصالحا قبل أن ينتهي اليوم. هذه القدرة على المصالحة والبدء مجدّدًا هي الّتي تحافظ على العائلة في مواجهة الصّعوبات وهي نعمة، لأنّه إذا لم تتمَّ المصالحة فإنّ الحرب الباردة في اليوم التّالي ستكون خطيرة. ومع ذلك، نسلّم نقصنا إلى الرّبّ، لأنّ استخراج بركة من نعمة السّرّ للخليقة الّتي أوكل إليها أن تنقل معنى الحياة- وليس الحياة الجسديّة وحسب- هو "ممكن" الله. يعتمد الكثير، في هذا المجتمع المليء بالصّدوع، على فرح المغامرة العائليّة المُستوحاة من الله. لثلاثين عامًا، قام تجسد الابن الوحيد على الإقامة والتّجذّر في العلاقات العائليّة والجماعيّة لحالته البشريّة. لم يكن مجرّد زمن "انتظار"، وإنّما كان زمن "انسجام" مع الحالة البشريّة الأكثر شيوعًا، تسكنها النّظرة المحدقة إلى "ما هو للآب".

ليرافق الرّبّ شغف إيمانكم وصرامة ذكائكم، في المهمّة الرّائعة المتمثّلة في دعم هذه البركة الخلائقيّة والكنسيّة الّتي هي العائلة، والعناية بها، وإسعادها. يسعدني أن أعرف وأرى أنّكم تكرّسون أنفسكم لهذا الالتزام أيضًا من خلال إنضاج جوّ عائليّ وروح سينودسيّة في الجماعة الأكاديميّة نفسها. لترافقكم وتحفظكم والدة الرّبّ، الّتي هي أكثر خبرة منّا في هذا الرّابط بين السّرّ الخلاصيّ للخليقة الجديدة والحالة العائليّة للعواطف البشريّة. أبارككم من كلِّ قلبي، وكالعادة أسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي".