البابا فرنسيس: لا نفقدنّ الرّجاء!
وفي تفاصيل التّعليم، قال البابا: "بعد أن تأمّلنا في لقاء يسوع مع نيقوديمس الّذي ذهب ليبحث عن يسوع، نتأمّل اليوم في تلك اللّحظات الّتي يبدو أنّه ينتظرنا فيها عند مفترق طريق حياتنا. إنّها لقاءات تفاجئنا، وقد نشعر في البداية ببعض التّردّد: نحاول أن نفهم ما الّذي يحدث. وربّما كانت هذه أيضًا خبرة المرأة السّامريّة الّتي يتحدّث عنها الفصل الرّابع من إنجيل يوحنّا (راجع ٤، ٥ – ٢٦). فلم تكن تتوقّع أن تجد رجلًا عند البئر في منتصف النّهار لا بل كانت تأمل ألّا تجد أحدًا على الإطلاق. فقد ذهبت لتجلب الماء من البئر في وقت غير معتاد عندما كان هناك حرّ شديد. ربّما تخجل هذه المرأة من حياتها، وربّما شعرت بأنّها مُدانة، ولهذا انعزلت وقطعت علاقاتها مع الجميع.
كان بإمكان يسوع، وكي يذهب من اليهوديّة إلى الجليل، اختيار طريق آخر بدون أن يمرّ في السّامرة، نظرًا للعلاقات المتوتّرة بين اليهود والسّامريّين. ولكنّه أراد أن يمرّ من هناك وتوقّف عند تلك البئر في تلك السّاعة تحديدًا. يسوع ينتظرنا ويجعلنا نجده عندما نعتقد أنّه لم يعد لنا رجاء. يريد يسوع أن يساعد هذه المرأة لكي تفهم أين تبحث عن الجواب الحقيقيّ لرغبتها في أن تكون محبوبة.
إنّ الرّغبة هي موضوع أساسيّ كي نفهم هذا اللّقاء، وقد عبّر يسوع عن رغبته أوّلًا قائلًا " اِسْقيني" (يوحنّا ٤، ٧). وعلى الرّغم من أنّه بدأ الحوار، فقد أظهر يسوع نفسه ضعيفًا، لكي يجعل هكذا الشّخص الآخر يشعر بالارتياح وعدم الخوف.
إنّ العطش هو أحيانًا في الكتاب المقدّس صورة للرّغبة. يسوع هو متعطّش لخلاص تلك المرأة. وإن كان نيقوديمس قد جاء إلى يسوع ليلًا، فإنّ يسوع قد التقى المرأة السّامريّة عند الظّهر، في اللّحظة الأكثر نورًا. إنّ يسوع قد ساعد هذه المرأة كي تقرأ قصّتها بطريقة جديدة، وهي قصّة معقّدة ومؤلمة: كان لها خمسة أزواج، وهي الآن مع رجل سادس ليس بزوجها.
وعندما أدركت هذه المرأة أنّ يسوع يعرف حياتها، انتقلت للحديث عن المسألة الدّينيّة الّتي كانت تفرّق بين اليهود والسّامريّين. إنّ هذا يحدث أيضًا معنا في بعض الأحيان عندما نصلّي. فعندما يلمس الله حياتنا بمشاكلها نضيع أحيانًا في أفكار تعطينا وهم صلاة ناجحة. لكنّنا في الواقع نرفع حواجز لحماية أنفسنا. غير أنّ الرّبّ هو دائمًا أعظم، ولتلك المرأة السّامريّة الّتي، وبحسب الأعراف الثّقافيّة، لم يكن ينبغي حتّى أن يكلّمها، كلّمها عن الآب الّذي يجب أن يُعبد بالرّوح والحقّ. وعندما تفاجأت مرّة أخرى ولاحظت أنّ في هذه الأمور من الأفضل انتظار المسيح، قال لها يسوع "أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ" (يوحنّا ٤، ٢٦). إنّه كإعلان حبّ: إنّ الّذي تنتظرينه هو أنا؛ هو الّذي يستطيع أن يجيب على رغبتك في أن تكوني محبوبة. في تلك اللّحظة أسرعت المرأة إلى دعوة أهل القرية، لأنّ الرّسالة تنبع من خبرة الشّعور بأنّنا محبوبون.
إنّ المرأة السّامريّة نسيت جرّتها عند قدمَي يسوع. فقد كان ثقل تلك الجرّة على رأسها يذكّرها، كلّما عادت إلى بيتها، بحالتها وحياتها المضطربة. لكن الجرّة الآن هي عند قدمَي يسوع. فالماضي لم يعد عبئًا؛ أصبحت مصالحة. وهكذا بالنّسبة لنا أيضًا، فلكي نذهب لإعلان الإنجيل، نحتاج أوّلًا إلى أن نضع ثقل قصصنا عند قدمَي الرّبّ، أن نسلّمه عبء ماضينا. وحدهم الأشخاص المصالحَون يمكنهم أن يحملوا الإنجيل."
وإختتم البابا تعليمه، قائلًا: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا نفقدنّ الرّجاء! وحتّى إن بدت لنا قصصنا ثقيلة ومعقّدة، وربّما مدمَّرة، لدينا دائمًا إمكانيّة أن نسلّمها إلى الله ونبدأ مسيرتنا من جديد. إنّ الله هو رحمة وينتظرنا دائمًا!".