البابا فرنسيس: كلّ قدّيس وكلّ قدّيسة هو رسالة!
"أودّ أن أشاطركنَّ بعض التّأمّلات الّتي اقترحها الموضوع الّذي يوجّه عملكنَّ. أوّلاً نساء الكلمة. مثل مريم: هي امرأة الكلمة، وهي التّلميذة. ومن خلال النّظر إليها، وكذلك بالحوار معها في الصّلاة، يمكنكنَّ أن تتعلمنَ مجدّدًا ما يعنيه أن تكُنَّ "نساء الكلمة". يمكن للمسنّات أن يقدِّمنَ للشّابّات شهادة لدهشة لا تنضب وامتنان ينمو مع تقدّم العمر، وقبول للكلمة يصبح أكثر اكتمالاً، وواقعيّة، وتجسُّدًا في الحياة. ويمكن للشّابّات أن يقدِّمنَ للمسنّات شهادة لحماسة الاكتشافات، واندفاع قلب يتعلّم، في الصّمت، أن ينبض مع الكلمة، وأن يسائلنَ أنفسهنَّ لكي ينمونَ في مدرسة المعلِّم، وبالتّالي هناك حاجة لأن تضعنَ أنفسكنَّ مجدّدًا في مدرسة مريم وأن تُعِدنَ التّركيز على الكلمة وتكُنَّ نساء "يُحببن بلا حدود".
هذا هو العنصر الثّاني للموضوع: الحبّ بلا حدود. إنّها قدرة تأتي من الرّوح القدس. ولا تأتي منّا، ومن جهدنا، إنّها تأتي من الله الّذي يحبّ دائمًا بلا حدود. وعندها يصبح من الممكن أن نحبّ بلا حدود من خلال إفساح المجال للرّوح القدس وعمله في حياتنا. وهذه هي القداسة. في الواقع، يتحدّث موضوع مجمعكنَّ عن "الاقتداء مجدّدًا بحياة قداسة"، ويضيف: "في الرّسالة ومن أجلها، اليوم". إنَّ القداسة والرّسالة هما بُعدان أساسيّان للحياة المسيحيّة ولا ينفصلان عن بعضهما البعض. يمكننا أن نقول باختصار هكذا: كلّ قدّيس وكلّ قدّيسة هو رسالة. إنّ شهادة القدّيسة "Maddalena di Canossa" تظهر ذلك بوضوح. فقد شعرت بأنّها مدعوّة لكي تقدّم نفسها بالكامل لله، ولكنّها في الوقت عينه شعرت أيضًا أنّه عليها أن تكون قريبة من الفقراء. ولكن علينا أن نتنبّه: إنَّ الرّوح القدس هو الّذي أرشدها خلال المواقف الملموسة، وهي سمحت له بأن يقودها؛ لقد بحثت عن طريقها ولكنّها بقيت دائمًا مطيعة له. هذا هو السّرّ! وهكذا صاغت محبّة المسيح قلبها وحياتها. على مثال العذراء مريم، الّتي قالت "نعم" بشكل كامل منذ البداية ثمّ قامت بحجّها في الإيمان باتّباع ابنها وأصبحت أمًّا بشكل كامل عند أقدام الصّليب. كانت حياة القدّيسة "Maddalena di Canossa" اقتداء لقداسة المسيح، على مثال مريم، في الأسلوب الرّسوليّ الملموس الّذي كان يمليه الواقع الّذي كانت تعيش فيه.
أيّتها الأخوات العزيزات، أنتنَّ تُرِدنَ اليوم أن تقتدينَ مجدّدًا بهذا الأسلوب من الحياة. والسّرّ هو نفسه دائمًا: أن تسمحنَ للرّوح القدس بأن يُرشِدكنَّ لمحبّة الله والفقراء. ولكن اليوم: في حاضر الكنيسة، وحاضر المجتمع، أو بالأحرى المجتمعات المختلفة الّتي أنتنَّ حاضرات فيها. مع حالات الفقر تلك، وتلك الوجوه الّتي تطلب القرب والرّحمة والحنان. أشكركنَّ على شجاعتكنَّ وسخائكنَّ. أشكركنَّ على فرح قلوبكنَّ ووجوهكنَّ. لكنّني أودّ أن أضيف شيئين. الأوّل يتعلّق بالبعد الجماعيّ، وقد ذكّرتُ به في الإرشاد الرّسوليّ "إفرحوا وابتهجوا". القداسة هي مسيرة جماعيّة. إنَّ العيش والعمل مع الآخرين هو بلا شكّ وسيلة للنّموّ الرّوحيّ، ومشاركة الكلمة والاحتفال بالإفخارستيّا معًا تجعلنا أكثر إخوة [وأخوات] وتحوّلنا تدريجيًّا إلى جماعة مقدّسة وإرساليّة. نحن لا نفكّر في الأشياء الكبيرة، وإنّما بالتّفاصيل اليوميّة. كما هو الحال في العائلة، حيث نرى المحبّة: تكون الجماعة الّتي تحافظ على تفاصيل الحبّ الصّغيرة، حيث يعتني الأعضاء ببعضهم البعض ويحافظون على فسحة مفتوحة ومبشّرة، مكانًا لحضور القائم من بين الأموات الّذي يقدّسها بحسب مخطّط الآب". أمّا النّقطة الثّانية، والّتي أختم بها، فهي أهمّيّة صلاة العبادة. وهنا مرّة أخرى يمكنكنَّ الرّجوع إلى شهادة مؤسّستكنَّ، الّتي، مثل قدّيسي وقدّيسات المحبّة الآخرين، استمدّت الدّفع الرّسوليّ بشكل خاصّ من البقاء في العبادة في حضور الرّبّ.
أيّتها الأخوات العزيزات، أشكركنَّ على هذه الزّيارة ولاسيّما على ما أنتنَّ عليه وما تفعلنه في الكنيسة. وأسأل الرّوح القدس أن يمنحكنَّ النّور والقوّة لكي تختتمنَ مجمعكنَّ بشكل جيّد ومن أجل مسيرة رهبانيّتكنَّ. أبارككنَّ من كلِّ قلبي مع جميع الأخوات في جميع أنحاء العالم. ورجاء لا تنسينَّ أن تصلِّينَ من أجلي."