الفاتيكان
25 كانون الثاني 2021, 10:30

البابا فرنسيس: كلمة الله هي رسالة الحبّ الّتي كتبها لنا الّذي يعرفنا أكثر من أيّ شخص آخر

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد كلمة الله، أكّد رئيس المجلس البابويّ لتعزيز البشارة الجديدة المطران رينو فيزيكيلا على أنّ "الكلمة" "تسمح لنا بأن نلمس قرب الله بأيدينا"، وذلك خلال احتفاله بالقدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس بالفاتيكان، ملقيًا العظة الّتي كان قد أعدّها الأب الأقدس للمناسبة، قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

"في أحد الكلمة هذا نستمع إلى يسوع الّذي يعلن ملكوت الله، لنرى ماذا يقول ولمن يقول ذلك.

ماذا يقول. هكذا بدأ يسوع بشارته: "حانَ الوَقتُ وَاقتَرَبَ مَلَكوتُ الله". الله قريب، هذه هي الرّسالة الأولى. لقد نزل ملكوته إلى الأرض. الله ليس، كما نميل إلى التّفكير في كثير من الأحيان، هناك في السّماء البعيدة، منفصلاً عن الحالة البشريّة، ولكنّه معنا. لقد انتهى وقت المسافة عندما أصبح إنسانًا في يسوع. ومنذ ذلك الحين أصبح الله قريبًا جدًّا، ولن ينفصل أبدًا عن بشريّتنا ولن يتعب منها أبدًا. هذا القرب هو بداية الإنجيل، وهو ما- كما يؤكّد النّصّ- "كان يقوله" يسوع: لم يقله مرّة واحدة فقط، بل كان يقوله، أيّ أنّه كرّره مرارًا وتكرارًا. "الله قريب" لقد كانت هذه الفكرة المهيمنة لإعلانه، وجوهر رسالته. وبالتّالي فإذا كانت هذه هي بداية ولازمة بشارة يسوع، فلا يمكنها أن تكون إلّا ثابتة الحياة والإعلان المسيحيّ. ففي البدء نؤمن ونعلن بأنّ الله قد اقترب منّا، وأنّنا قد نلنا نعمة ورحمة. وقبل أيِّ كلمة عن الله هناك كلمته لنا، والّتي تقول لنا على الدّوام: "لا تخف، أنا معك. أنا قريب منك وسأكون قريب منك".

إنَّ كلمة الله تسمح لنا بأن نلمس هذا القرب بأيدينا، لأنّه- وكما يقول سفر تثنية الاشتراع- ليس بعيدًا عنّا، ولكنّه قريب من قلوبنا. إنّه التّرياق ضدّ الخوف من الوحدة إزاء الحياة. إنَّ الرّبّ، في الواقع، يعزّي من خلال كلمته، أيّ أنّه يكون مع الّذين هم وحدهم. في حديثه إلينا، يذكّرنا أنّنا في قلبه، وثمينين في عينيه، وبأنّه يحفظنا في راحة يديه. إنّ كلمة الله تبعث فينا السّلام، ولكنّها لا تتركنا بسلام. إنّها كلمة تعزية لكنّها أيضًا كلمة توبة. "توبوا"، يقول يسوع في الواقع، فور إعلانه عن قرب الله. لأنّه بقربه قد انتهى الوقت الّذي نبتعد فيه عن الله والآخرين، وانتهى الوقت الّذي يفكّر فيه كلّ فرد بنفسه ويسير قدمًا بمفرده. هذا الأمر ليس مسيحيًّا، لأنّ الّذين يختبرون قرب الله لا يمكنهم تجاوز القريب، ولا يمكنهم إبعاده في اللّامبالاة. بهذا المعنى، فإنّ الّذين يواظبون على كلمة الله ينالون انعكاسات وجوديّة سليمة: يكتشفون أنّ الحياة ليست الوقت لتفادي الآخرين وتجنّبهم وحماية ذواتنا، وإنّما هي فرصة للخروج للقاء الآخرين باسم الله القريب. هكذا تقودنا الكلمة، الّتي زُرِعَت في تربة قلوبنا، لكي نزرع الرّجاء من خلال القرب. مثلما يفعل الله معنا.

لنرَ الآن إلى من يتحدّث يسوع، فهو يخاطب أوّلاً جميع صيّادي السّمك في الجليل. لقد كانوا أناسًا بسطاء يعيشون من ثمر أيديهم بالعمل الجادّ ليلاً ونهارًا. لم يكونوا خبراء في الكتاب المقدّس وبالتّأكيد لم يبرزوا في العلم والثّقافة. لقد كانوا يعيشون في منطقة مكوّنة من شعوب وإثنيّات وطوائف مختلفة: كانت المكان الأبعد عن الطّهارة الدّينيّة لأورشليم، والأبعد عن وسط البلاد. لكنَّ يسوع يبدأ من هناك، ليس من المحور وإنّما من الضّاحية، وهو يقوم بذلك ليخبرنا أيضًا أنّه لا يوجد أحد على هامش قلب الله، ويمكن للجميع أن ينالوا كلمته ويلتقوا به شخصيًّا. هناك تفصيل جميل في الإنجيل في هذا الصّدد، عندما يُشير إلى أنّ إعلان يسوع يأتي "بَعدَ" إعلان يوحنّا. إنّه "بَعد" حاسم، ويطبع اختلافًا: لقد كان يوحنّا يستقبل في الصّحراء، حيث كان يذهب فقط الّذين يمكنهم مغادرة الأماكن الّتي كانوا يعيشون فيها. أمّا يسوع فيتحدّث عن الله في قلب المجتمع، للجميع أينما كانوا. فهو لا يتكلّم في أوقات وأزمنة محدّدة: بل يتحدّث "سائِرًا عَلى شاطِئِ بَحرِ الجَليل" لصيادَين "كانا يُلقِيانِ الشَّبَكَةَ". هو يتوجّه إلى الأشخاص في أكثر الأماكن والأوقات العاديّة. هذه هي القوّة الشّاملة لكلمة الله الّتي تصل إلى كلّ فرد وكلّ مجال من مجالات الحياة.

لكن الكلمة تملك أيضًا قوّة خاصّة، أيّ أنّها تؤثّر على الجميع بطريقة شخصيّة ومباشرة. لن ينسى التّلميذان أبدًا الكلمات الّتي سمعاها في ذلك اليوم على ضفاف البحيرة، بالقرب من القارب، وأفراد العائلة والزّملاء، كلمات ستطبع حياتهما إلى الأبد. قال لهما يسوع: "اتبَعاني أَجعَلُكُما صَيّادَي بَشَر" (الآية 17). فهو لم يجتذبهما بخطابات سامية وغير قابلة للتّحقيق، لكنّه تحدّث عن حياتهما: لقد قال لصيّادَي سمك إنّهما سيكونان صَيّادَي بَشَر. لو قال لهما: "اتبعاني، سأجعلكما رسولَين: ستُرسَلان إلى العالم وتعلنان الإنجيل بقوّة الرّوح القدس، ستُقتلان لكنّكما ستصبحان قدّيسَين"، يمكننا أن نتخيّل أنّ بطرس وأندراوس كانا سيجيبان: "شكرًا لك، ولكنّنا نفضّل شباكنا وقواربنا". لكنَّ يسوع دعاهما انطلاقًا من حياتهما: "أنتما صيّادَي سمك ستصبحان صَيّادَي بَشَر". بعد أن اخترقتهما هذه الجملة، سيكتشفان خطوة بعد خطوة أنّ العيش عن طريق صيّد الأسماك كان قليلاً، لكن السّير إلى العرض بحسب كلمة يسوع هو سرّ الفرح. هكذا يفعل الرّبّ هذا معنا: هو يبحث عنّا حيث نكون، ويحبّنا كما نحن ويرافق خطواتنا بصبر. وكما فعل مع هذين الصّيّادين، ينتظرنا أيضًا على ضفاف الحياة. بكلمته يريد أن يجعلنا نغيّر المسار، لكي نتوقّف عن العيش بشكل خامل ومُغشّى ونسير إلى العرض خلفه.

لذلك، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا نتخلَّينَ أبدًا عن كلمة الله. إنّها رسالة الحبّ الّتي كتبها لنا ذلك الّذي يعرفنا أكثر من أيّ شخص آخر: بقراءتها، سنسمع صوته مجدّدًا، ونرى وجهه، وننال روحه. إنَّ الكلمة تقرّبنا من الله: لا نُبقينَّها بعيدة عنّا. ولنحملها معنا على الدّوام، في الجيب، وعلى الهاتف الخليويّ؛ ولنعطها مكانًا لائقًا في بيوتنا. لنضع الإنجيل في مكان نتذكّر فيه أن نفتحه يوميًّا، ربّما في بداية اليوم ونهايته، فتصل هكذا بين الكلمات العديدة الّتي تصل إلى آذاننا بعض الآيات من كلمة الله إلى قلوبنا. ولكن لكي نقوم بذلك، لنسأل الرّبّ القوّة لنطفئ التّلفاز ونفتح الكتاب المقدّس؛ لنغلق الهاتف الخليويّ ونفتح الإنجيل. وفي هذه السّنة اللّيتورجيّة لنقرأ إنجيل مرقس، الإنجيل الأبسط والأقصر. لنقرأه لوحدنا، خطوة صغيرة واحدة كلّ يوم؛ وهذا الأمر سيجعلنا نشعر بأنّ الرّبّ قريب منّا وسيبعث فينا الشّجاعة في مسيرة الحياة."