الفاتيكان
20 حزيران 2022, 07:50

البابا فرنسيس: في دفء حضور الرّبّ تتغيّر حياتنا

تيلي لوميار/ نورسات
"في جسد المسيح ودمه نجد حضوره، وحياته الّتي بُذلَت من أجل كلّ فرد منّا"، بهذه الرّوحانيّة أطلّ البابا فرنسيس على المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، لتلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، في اليوم الّذي تحتفل به إيطاليا وبلدان أخرى بعيد جسد المسيح ودمه.

قبل الصّلاة، وكما العادة، ألقى البابا كلمة روحيّة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يُحتفل اليوم في إيطاليا وفي بلدان أخرى بعيد جسد المسيح ودمه. كانت الإفخارستيّا، الّتي أسّسها في العشاء الأخير، بمثابة نقطة وصول لمسيرة، رسمها يسوع مسبقًا من خلال بعض العلامات، لاسيّما من خلال تكثير الأرغفة، الّذي يرويه لنا الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم. إنَّ يسوع يعتني بالحشد الكبير الّذي تبعه لكي يسمع كلمته ويتحرّر من الشّرور المختلفة. فبارك خمسة أرغفة وسمكتين، وكسرها، ووزّعها التّلاميذ عليهم، "فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبعوا". في الإفخارستيّا، يمكن لكلِّ فرد أن يختبر اهتمام الرّبّ هذا المحبّ والملموس. إنّ الّذي يقبل جسد المسيح ودمه بإيمان لا يأكل فقط، بل يشبع. الأكل والشّبع: إنّهما حاجتان أساسيّتان يتمّ إشباعهما في الإفخارستيّا.

الأكل. "فأَكَلوا كُلُّهم" يكتب القدّيس لوقا. مع حلول المساء، نصح التّلاميذ يسوع أن يصرف الجمع لكي يتمكّنوا من أن يذهبوا ويَجِدوا لَهم طَعامًا. لكنَّ المعلِّم أراد أن يهتمَّ بهذا أيضًا: هو يريد أن يعطي الّذين اصغوا إليه شيئًا ليأكلوه أيضًا. ومع ذلك، فإنّ معجزة الأرغفة والأسماك لا تحدث بشكل استعراضيّ، وإنّما بشكل خفيّ، كما في عرس قانا: كان الخبز يزداد بمروره من يد إلى أُخرى. وبينما كانوا يأكلون، أدرك الجمع أنّ يسوع يعتني بكلّ شيء. هذا هو الرّبّ الحاضر في الإفخارستيّا: يدعونا لنكون مواطنين في السّماء، لكنّه في هذه الأثناء يأخذ في الحسبان المسيرة الّتي يجب علينا أن نواجهها هنا على الأرض. وإذا كان لديّ القليل من الخبز في حقيبتي، فهو يعرف ذلك ويهتمّ به.

أحيانًا يكون هناك خطر حصر الإفخارستيّا في بُعد غامض، ربّما يكون منيرًا وتفوح منه رائحة البخور، ولكنّه بعيد عن صعوبات الحياة اليوميّة. إنَّ الرّبّ في الواقع، يأخذ جميع احتياجاتنا على محمل الجدّ، بدءًا من الاحتياجات الأساسيّة. وهو يريد أن يعطي المثال للتّلاميذ قائلاً: "أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون". تجد عبادتنا الإفخارستيّة تحقيقها عندما نعتني بالآخرين، كما يفعل يسوع: هناك حولنا جوع للطّعام، وإنّما أيضًا للرّفقة، والتّعزية، والصّداقة، وروح الدّعابة، والاهتمام. وهذا ما نجده في الخبز الإفخارستيّ: تنبُّه المسيح لاحتياجاتنا، والدّعوة لكي نفعل الشّيء نفسه لمن هم حولنا. عليك أن نأكل ونُطعم الآخرين.

بالإضافة إلى الأكل، يجب ألا يغيب الشّعور بالشّبع. شبع الجموع لوفرة الطّعام، وكذلك أيضًا لفرح ودهشة حصولهم عليه من يسوع! نحن بالتّأكيد بحاجة لأن نتغذّى، وإنّما أيضًا لنشبع، أيّ لنعرف أنّ الغذاء يُعطى لنا بدافع الحبّ. في جسد المسيح ودمه نجد حضوره، وحياته الّتي بُذلَت من أجل كلّ فرد منّا. فهو لا يعطينا المساعدة لكي نمضي قدمًا فحسب، بل هو يعطينا نفسه: يصبح رفيق سفرنا، ويدخل في أحداث حياتنا، ويزور عزلتنا، ويعيد إليها المعنى والحماس. هذا الأمر يُشبعنا ويعطينا ذلك "المزيد" الّذي نسعى إليه جميعًا: حضور الرّبّ! لأنّه في دفء حضوره تتغيّر حياتنا: وبدونه ستكون رماديّة حقًّا. وبالتّالي إذ نعبد جسد المسيح ودمه، لنطلب منه بقلوبنا: "يا ربّ، أعطني الخبز اليوميّ لكي أمضي قدمًا، وأشبعني بحضورك!

لتعلّمنا العذراء مريم أن نعبد يسوع الحيّ في الإفخارستيّا وأن نتقاسمه مع الإخوة والأخوات."

بعد الصّلاة، عبّر البابا فرنسيس عن قربه من سكّان ميانمار وذكّر باللّقاء العالميّ العاشر للعائلات، وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بالأمس، في إشبيلية، تمّ إعلان تطويب بعض الرّهبان من العائلة الدّومينيكانيّة: أنجيلو مارينا ألفاريز وتسعة عشر من رفاقه؛ جيوفاني أغيلار دونيس وأربعة من رفاقه من رهبنة الواعظين؛ إيزابيلا سانشيز روميرو، راهبة مسنّة من رهبنة القدّيس دومينيكو، وفروتوزو بيريز ماركيز، علمانيٌّ من الرّهبنة الدّومينيكانيّة الثّالثة. قُتلوا جميعهم بدافع كراهيّة الإيمان في الاضطهاد الدّينيّ الّذي حدث في إسبانيا في سياق الحرب الأهليّة في القرن الماضي. لتُظهر لنا شهادتهم في اتّباع المسيح ومغفرتهم لقاتليهم الدّرب إلى القداسة ولتشجّعنا لكي نجعل من حياتنا تقدمة محبّة لله وللإخوة.

لا تزال تصل من ميانمار صرخة الألم للعديد من الأشخاص الّذين يفتقرون إلى المساعدة الإنسانيّة الأساسيّة والّذين يضطرّون إلى مغادرة منازلهم لأنّها أُحرِقت ولكي يهربوا من العنف. أضمّ صوتي إلى نداء أساقفة تلك الأرض الحبيبة، لكي لا ينسى المجتمع الدّوليّ شعب ميانمار، ولكي يتمَّ احترام الكرامة البشريّة والحقّ في الحياة، وكذلك دور العبادة والمستشفيات والمدارس. وأبارك الجماعة البورمانيّة في إيطاليا الممثّلة هنا اليوم.

يوم الأربعاء القادم، في الثّاني والعشرين من حزيران يونيو، سيبدأ اللّقاء العالميّ العاشر للعائلات، والّذي سيعقد في روما وفي الوقت عينه بشكل منتشر في جميع أنحاء العالم. أشكر الأساقفة وكهنة الرّعايا والعاملين في راعويّة العائلة الّذين دعوا العائلات إلى وقفات من التّأمّل والاحتفال والعيد. أشكر بشكل خاصّ الأزواج والعائلات الّذين سيشهدون للحبّ العائليّ كدعوة ودرب للقداسة. أتمنّى لكم لقاءًا مثمرًا!".