الفاتيكان
08 تشرين الأول 2021, 07:50

البابا فرنسيس في اللّقاء الدّوليّ للصّلاة من أجل السّلام: لنزع السّلاح من قلب الإنسان!

تيلي لوميار/ نورسات
"إنَّ مسؤوليّتنا، أيّها الإخوة والأخوات المؤمنون، هي أن نساعد في استئصال الكراهيّة من القلوب وإدانة جميع أشكال العنف. وأن نشجّع بكلمات واضحة على هذا: إلقاء السّلاح، وتخفيف المصاريف العسكريّة من أجل توفير الاحتياجات الإنسانيّة، وتحويل أدوات الموت إلى أدوات حياة". هذه المسؤوليّة تحدّث عنها البابا فرنسيس عصر الخميس، في الحفل الختاميّ للّقاء الدّوليّ للصّلاة من أجل السّلام: "شعوب متآخية، أرض المستقبل - ديانات وثقافات في حوار"، والّذي نظّمته كما في كلّ عام جماعة "سانت إيجيديو" وعقدته في الملعب الرّومانيّ القديم، بمشاركة رؤساء الكنائس والسّلطات السّياسيّة وممثّلي أديان العالم الكبرى.

إذًا نزع السّلاح وتحقيق السّلام هما أمران أساسيّان شدّدا عليها البابا في كلمته والّتي قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "أحيّيكم وأشكركم جميعًا، رؤساء الكنائس والسّلطات السّياسيّة وممثّلي أديان العالم الكبرى. من الجميل أن نكون هنا معًا، ونحمل في قلوبنا وفي قلب روما وجوه الأشخاص الّذين نعتني بهم. ولكن من المهمّ بشكل خاصّ أن نصلّي ونشارك، بطريقة واضحة وصادقة، الاهتمامات من أجل حاضر ومستقبل عالمنا. خلال هذه الأيّام، اجتمع العديد من المؤمنين، وأظهروا كيف أنّ الصّلاة هي تلك القوّة المتواضعة الّتي تمنح السّلام وتنزع الكراهيّة من القلوب. وفي لقاءات مختلفة، تمّ التّعبير أيضًا عن القناعة بضرورة تغيير العلاقات بين الشّعوب وبين الشّعوب والأرض. لأنّنا اليوم هنا نحلم معًا بشعوب متآخية وأرض المستقبل.

شعوب متآخية. نقول هذا والكولوسيوم خلفنا. لقد كان هذا المدرج، في الماضي البعيد، مكانًا للتّرفيه الجماعيّ الوحشيّ: معارك بين الرّجال أو بين الرّجال والوحوش. عرض قتل بين الإخوة، لعبة مميتة قامت على حياة الكثيرين. ولكنّنا اليوم أيضًا نشهد أعمال عنف وحرب، حيث يقتل الأخ أخاه وكأنّها لعبة يتمّ مشاهدتها من بعيد، غير مبالين ومقتنعين بأنّها لن تمسّنا أبدًا. إنَّ ألم الآخرين لا يستعجلنا أبدًا. كذلك ألم الّذين ماتوا، وألم المهاجرين، والأطفال الّذين حاصرتهم الحروب، وحُرموا من طفولة ألعاب سعيدة. لكن لا يمكننا أن نلعب بحياة الشّعوب والأطفال. ولا يمكننا أن نقف غير مبالين. ولكن علينا أن نتعاطف مع البشريّة الّتي ننتمي إليها ونعترف بها وبجهودها ونضالاتها وهشاشتها؛ وأن ونفكّر: "جميع هذه الأمور تلمسني، كان يمكن لهذا أن يحدث هنا أيضًا، ولي أنا أيضًا". اليوم، في المجتمع المعولم الّذي يتفرّج على الألم بدون أن يشعر به، نحتاج إلى أن "نبني الشّفقة". (نحتاج إلى) أن نشعر بالآخر، ونتبنّى آلامه ونتعرّف على وجهه. هذه هي الشّجاعة الحقيقيّة، شجاعة الشّفقة، الّتي تجعلنا نذهب أبعد من الحياة الهادئة، وأبعد من الـ"لا يهمّني" و"لا يخصّني" لكي لا نسمح بأن تتحوّل حياة الشّعوب إلى مجرّد لعبة بين الأقوياء. لا، إنَّ حياة الشّعوب ليست لعبة، إنّها أمر جدّيّ ويطال الجميع؛ ولا يمكن تركها تحت رحمة مصالح البعض أو فريسة لمشاعر طائفيّة وقوميّة.

إنّها الحرب الّتي تسخر من الحياة البشريّة. إنّه العنف، إنّها تجارة الأسلحة المأساويّة والغزيرة الإنتاج، والّتي غالبًا ما تتحرّك في الظّلّ، تغذّيها أنهار جوفيّة من المال. أريد أن أُعيد التّأكيد على أنّ "الحرب هي فشل السّياسة والبشريّة، استسلام مخزي، وهزيمة في وجه قوى الشّرّ". علينا أن نتوقّف عن قبولها بنظرة الأخبار المنفصلة ونحاول رؤيتها من خلال عيون الشّعوب. منذ عامين، في أبو ظبي، مع الأخ العزيز الحاضر هنا، إمام الأزهر الأكبر، طلبنا الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام، وتحدّثنا "بإسم الشّعوب الّتي فقدت الأمن والسّلام والتّعايش المشترك، لتصبح ضحايا للدّمار والخراب والحروب". نحن مدعوّون، بصفتنا ممثّلين للأديان، لا للاستسلام لإغراء السّلطة الدّنيويّة، وإنّما لكي نكون صوت الّذين لا صوت لهم، وعضد المتألِّمين، والمدافعين عن المظلومين، وضحايا الكراهيّة، والّذين يقصيهم البشر على الأرض ولكنّهم ثمينين بالنّسبة للسّاكن في السّماوات. هم خائفون اليوم، لأنّه في أجزاء كثيرة من العالم، بدلاً من أن يسود الحوار والتّعاون، تستعيد المواجهة العسكريّة قوّتها كأداة حاسمة لفرض ذاتها.

لذلك أودّ أن أعبّر مرّة أخرى عن الّذي وجّهته في أبو ظبي حول المهمّة الّتي لم تعد قابلة للتّأجيل والّتي تقع على عاتق الأديان في هذا المنعطف التّاريخيّ الدّقيق: وهي نزع السّلاح من قلب الإنسان. إنَّ مسؤوليّتنا، أيّها الإخوة والأخوات المؤمنون، هي أن نساعد في استئصال الكراهيّة من القلوب وإدانة جميع أشكال العنف. وأن نشجّع بكلمات واضحة على هذا: إلقاء السّلاح، وتخفيف المصاريف العسكريّة من أجل توفير الاحتياجات الإنسانيّة، وتحويل أدوات الموت إلى أدوات حياة. لا يجب أن تكون هذه مجرّد كلمات فارغة، وإنّما طلبات ملحّة نرفعها من أجل خير إخوتنا، ضدّ الحرب والموت، بإسم من هو السّلام والحياة. عدد أقلّ من الأسلحة والمزيد من الغذاء، ونفاق أقلّ وشفافيّة أكثر، والمزيد من اللّقاحات الموزّعة بشكل عادل وعدد أقلّ من الأسلحة الّتي تباع بطريقة غير حكيمة. إنّ الأزمنة تطلب منّا أن نكون صوت العديد من المؤمنين، والأشخاص البسطاء والعزّل الّذين سئموا العنف، لكي يلتزم الّذين يتحمّلون المسؤوليّة عن الخير العامّ ليس فقط بإدانة الحروب والإرهاب، وإنّما أيضًا بخلق الظّروف لكي لا ينتشروا.

لكي يكون الشّعوب إخوة، على الصّلاة أن ترتفع باستمرار إلى السّماء ولا يمكن أن يتوقّف صدى كلمة من التّردّد على الأرض: السّلام. لقد كان القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، الذي كان أوّل من دعا الأديان للصّلاة معًا من أجل السّلام في أسيزي عام 1986، يحلم بمسيرة مشتركة للمؤمنين، تنطلق من هذا الحدث نحو المستقبل. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، نحن في هذه المسيرة، كلّ منّا بهويّته الدّينيّة الخاصّة، لكي نزرع السّلام بإسم الله، ونعترف بأنّنا إخوة. لقد أشار البابا يوحنّا بولس إلينا بهذه المهمّة قائلاً: "السّلام ينتظر أنبياءه. السّلام ينتظر صانعيه". لقد بدا هذا بالنّسبة للبعض مجرّد تفاؤل فارغ. لكن على مرّ السّنين نمت المشاركة ونضجت قصص الحوار بين عوالم دينيّة مختلفة، ألهمت مسارات سلام. هذا هو الدّرب. إذا كان هناك من يريد الانقسام وخلق الصّراعات، فنحن نؤمن بأهمّيّة السّير معًا من أجل السّلام: مع بعضنا البعض، وليس ضدّ بعضنا البعض أبدًا.

أيّها الإخوة والأخوات، إنّ مسيرتنا تتطلّب باستمرار تنقية القلب. بينما طلب فرنسيس الأسيزيّ من أتباعه أن يروا في الآخرين "إخوة، لأنّهم خُلقوا من الخالق الواحد"، وكان يوصيهم: "ليكن السّلام الّذي تعلنوه بالفم، أكثر وفرةً في قلوبكم". إنَّ السّلام ليس في الأساس اتّفاقًا يتمّ التّفاوض عليه أو قيمة نتحدّث عنها، وإنّما هو موقف للقلب. يولد من العدالة، وينمو في الأخوّة، ويعيش من المجّانيّة، ويدفعنا لكي "نخدم الحقيقة ونعلن بدون خوف وازدواجيّة الشّرَّ عندما يكون شرًّا، ولاسيّما عندما يرتكبه الّذين يُعلنون اتّباعهم لعقيدتنا". لننزع من فضلكم، بإسم السّلام، في كلّ تقليد دينيّ، التّجربة الأصوليّة، وكلّ إشارة تجعل الأخ عدوًّا. وفيما يقع الكثيرون في الخلافات والفصائل والألعاب الجزئيّة، نحن نردّد صدى قول الإمام علي: "النّاس نوعان: إمّا إخوتك في الإيمان أو إخوتك في الإنسانيّة".

شعوب متآخية تحلم بالسّلام. لكن حلم السلّام اليوم يقترن بحلم آخر، حلم أرض المستقبل. إنّه الالتزام بالعناية بالخليقة والبيت المشترك الّذي سنتركه للشّباب. إنَّ الأديان، إذ تُعزّز موقفًا تأمّليًّا وليس مفترسًا، هي مدعوّة للإصغاء إلى أنين الأرض الأمّ الّتي تعاني من العنف. لقد ساعدنا الأخ العزيز البطريرك برتلماوس الحاضر هنا على تنمية الوعي بأنّ "الجريمة ضدّ الطّبيعة هي جريمة ضدّ أنفسنا وخطيئة ضدّ الله".

أُعيد التّأكيد على ما أظهره لنا الوباء، أيّ أنّه لا يمكننا أن نبقى بصحّة جيّدة على الدّوام في عالم مريض. خلال الفترة الأخيرة أصاب الكثيرون مرض النّسيان، نسيان الله والإخوة وقد أدى ذلك إلى سباق جامح من أجل الاكتفاء الذّاتيّ الفرديّ؛ خرج عن مساره في جشع لا يشبع تحمل ندباته الأرض الّتي نسير عليها، بينما يمتلئ الهواء الّذي نتنفّسه بالمواد السّامّة ويفتقر للتّضامن. وهكذا، سكبنا تلوّث قلوبنا على الخليقة. في هذا المناخ المتدهور، يُعزّينا أن نفكّر أنّ الاهتمامات عينها والالتزام عينه ينضجون ويصبحون تراثًا مشتركًا للعديد من الأديان. يمكن للصّلاة والعمل أن يُعيدا توجيه مسار التّاريخ. لنتشجّع! لدينا أمام أعيننا رؤية تشبه رؤية العديد من الشّباب والأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة: الأرض كبيت مشترك تسكنه شعوب متآخية. نعم نحلم بديانات متآخية وشعوب متآخية! ديانات متآخية تساعد الشّعوب لكي يكونوا إخوة في سلام، وحرّاسًا متصالحين لبيت الخليقة المشترك."