الفاتيكان
22 كانون الثاني 2024, 07:30

البابا فرنسيس في أحد كلمة الله: لنسمح بأن يجتذبنا الجمال الّذي تحمله كلمة الله إلى الحياة

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد كلمة الله، ترأّس البابا فرنسيس القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس، رفع خلاله الصّلاة من أجل أن تساعدنا المناسبة "كي نعود بفرح إلى ينابيع الإيمان، الّذي يولد من الإصغاء ليسوع، كلمة الله الحيّ."

البابا الّذي توجّه إلى المؤمنين في عظته بعد الإنجيل المقدّس، ركّز في كلمته على البعدين الأساسيّين للصّلاة المسيحيّة: الإصغاء إلى الكلمة وعبادة الرّبّ، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": ""فَقالَ لَهُما يسوع: اتبَعاني… فَتَركا الشّباك لِوَقتِهِما وَتَبِعاه". عظيمة قوّة كلمة الله، كما سمعنا أيضًا في القراءة الأولى: "كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى يونانَ ثانِيَةً، قائِلًا: "قُمِ انطَلِق إِلى نينَوى…وَنادِ عَلَيها… فَقامَ يونانُ وَانطَلَقَ…بِحَسَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ". إنّ كلمة الله تبعث قوّة الرّوح القدس. إنّها قوّة تجذبنا إلى الله، كما حدث لهؤلاء الصّيّادين الشّباب الّذين أثّرت فيهم كلمات يسوع؛ وهي قوّة ترسلنا إلى الآخرين، كما هو الحال بالنّسبة ليونان الّذي انطلق نحو البعيدين عن الرّبّ. إنّ الكلمة إذن تجذبنا إلى الله وترسلنا إلى الآخرين، هذه هي ديناميكيّتها. هي لا تتركنا منغلقين على أنفسنا، بل توسِّع قلوبنا، وتجعلنا نعكس المسار، وتقلب العادات، وتفتح سيناريوهات جديدة، وآفاقًا غير متوقّعة.

أيها الإخوة والأخوات، إنّ كلمة الله ترغب في أن تفعل ذلك في كلّ واحد منّا. وكما حدث مع التّلاميذ الأوائل، الّذين، وإذ قبلوا كلمات يسوع، تركوا شباكهم وبدأوا مغامرة رائعة، كذلك على شواطئ حياتنا أيضًا، إلى جانب القوارب العائليّة وشباك العمل، تولّد الكلمة دعوة يسوع. هو يدعونا لكي نسير معه إلى العرض من أجل الآخرين. نعم، إنّ الكلمة تولّد الرّسالة، وتجعلنا رسلًا وشهودًا لله في عالم مليء بالكلمات، ولكنّه متعطّش لتلك الكلمة الّتي غالبًا ما يتجاهلها. إنّ الكنيسة تعيش من هذه الدّيناميكيّة: فالمسيح قد دعاها، واجتذبها، وأرسلها إلى العالم لكي تشهد له. لا يمكننا أن نستغني عن كلمة الله وعن قوّتها الوديعة الّتي، كما وفي حوار، تلمس القلب، وتنطبع في النّفس، وتجدّدها بسلام يسوع، الّذي يجعلنا نقلق على الآخرين. إذا نظرنا إلى أصدقاء الله، وإلى شهود الإنجيل في التّاريخ، نرى أنّ الكلمة كانت حاسمة بالنّسبة لهم جميعًا.

لنفكّر بالرّاهب الأوّل، القدّيس أنطونيوس، الّذي تأثّر بمقطع من الإنجيل أثناء القدّاس، وترك كلّ شيء من أجل الرّبّ؛ لنفكّر بالقدّيس أوغسطينوس الّذي انقلبت حياته عندما شفت الكلمة الإلهيّة قلبه؛ لنفكّر بالقدّيسة تريزيا الطّفل يسوع، الّتي اكتشفت دعوتها من خلال قراءة رسائل القدّيس بولس. وأفكّر بالقدّيس الّذي أحمل اسمه، فرنسيس الأسيزيّ، الّذي، بعد أن صلّى، قرأ في الإنجيل أن يسوع يرسل تلاميذه لكي يبشّروا وقال: "هذا ما أريده، وهذا هو ما أطلبه، وهذا ما أتوق لأن أفعله بكلّ قلبي!". إنها خبرات حياة غيّرتها كلمة الحياة. ولكن لماذا لا يحدث الشّيء نفسه بالنّسبة للكثيرين منّا؟ ربّما لأنّه، كما يُظهر لنا هؤلاء الشّهود، لا ينبغي أن نكون "أصِمّاء" إزاء الكلمة. إنّه الخطر الّذي نواجهه: عندما تغمرنا آلاف الكلمات، نسمح لكلمة الله أيضًا أن تُفلت منّا: نسمعها، لكنّنا لا نصغي إليها؛ نصغي إليها ولكنّنا لا نحفظها. نحفظها، ولكنّنا لا نسمح لها بأن تحثّنا على التّغيير. ولكنّنا بشكل خاصّ نقرأها بدون أن نصلّيها، في حين أنّه "ينبغي على قراءة الكتاب المقدّس أن تكون مصحوبة بالصّلاة، لكي يقوم الحوار بين الله والإنسان". ولكن لا ننسينَّ أبدًا البعدين الأساسيّين للصّلاة المسيحيّة: الإصغاء إلى الكلمة وعبادة الرّبّ. لنفسح المجال لكلمة يسوع في صلاتنا، وسوف يحدث لنا مثلما حدث للتّلاميذ الأوائل. لنعد إذًا إلى إنجيل اليوم، الّذي يقدّم لنا لفتتين تنبعان من كلمة يسوع: "تَركا الشّباك لِوَقتِهِما وَتَبِعاه". تركا وتبعا. لنتوقّف بشكل مقتضب عند هذا.

وماذا تركا؟ السّفينة والشّباك، أيّ الحياة الّتي عاشاها حتّى ذلك اليوم. في كثير من الأحيان نتعب لكي نترك ضماناتنا وعاداتنا، لأنّنا نبقى عالقين فيها مثل الأسماك في الشّبكة. لكن الّذي يكون على اتّصال بالكلمة يشفى من قيود الماضي، لأنّ الكلمة الحيّة تعيد تفسير الحياة، كما تشفي الذّاكرة الجريحة من خلال تطعيم ذكرى الله وأعماله لنا. إنّ الكتاب المقدّس يؤسّسنا في الخير، ويذكّرنا بمن نحن: أبناء الله المخلَّصين والمحبوبين. "إنّ كلمات الرّبّ الشّذيّة" هي كالعسل، تجعل الحياة لذيذة: تحرّك عذوبة الله، وتغذّي النّفس، تطرد الخوف، وتتغلّب على الوحدة. وكما جعلت هؤلاء التّلاميذ يتركون وراءهم تكرار حياة مصنوعة من القوارب والشّباك، كذلك هي تجدّد فينا الإيمان، وتطهّره وتحرّره من الكثير من الشّوائب، وتعيده إلى الأصول، إلى النّقاوة الّتي تنبع من الإنجيل. من خلال قصّة أعمال الله من أجلنا، يفكّ الكتاب المقدّس مرتكزات إيمان مشلول ويجعلنا نتذوّق الحياة المسيحيّة مجدّدًا كما هي حقًّا: قصّة حبٍّ مع الرّبّ. ترك التّلميذان إذًا ومن ثمّ تبعا: وخلف المعلِّم قاما بخطوات إلى الأمام. إنّ كلمته، في الواقع، إذ تحرّرنا من أعباء الماضي والحاضر، هي تجعلنا ننضج في الحقّ والمحبّة: تعيد إحياء القلب، وتهزّه، وتنقّيه من الرّياء، وتملأه بالرّجاء. إنّ الكتاب المقدّس نفسه يشهد أنّ الكلمة هي ملموسة وفعّالة: "كما المطر والثّلج" للأرض؛ "كالنّار" و"كالمطرقة الّتي تحطّم الصّخر"؛ كسيف ماضٍ يُميّز "خواطر القلب وأفكاره"؛ كبذرة لا تفنى، صغيرة وخفيّة، تنبت وتعطي ثمارًا. "هناك فعاليّة كبيرة وقوّة متأصّلتين في كلمة الله لدرجة أنّها يمكنها أن تكون الغذاء للنّفس، والمصدر النقيّ والدّائم للحياة الرّوحيّة".

أيّها الإخوة والأخوات، ليساعدنا أحد كلمة الله لكي نعود بفرح إلى ينابيع الإيمان، الّذي يولد من الإصغاء ليسوع، كلمة الله الحيّ. وبينما تُقال وتقرأ باستمرار كلمات عن الكنيسة، ليساعدنا لكي نكتشف مجدّدًا كلمة الحياة الّتي يتردّد صداها في الكنيسة! وإلّا فسوف ينتهي بنا الأمر إلى الحديث عن أنفسنا أكثر من الحديث عنه؛ وتبقى أفكارنا ومشاكلنا في المحور، بدلاً من المسيح وكلمته. لنعد إلى الينابيع لكي نقدّم للعالم الماء الحي الّذي لا يجده؛ وبينما يُبرِز المجتمع ووسائل التّواصل الاجتماعيّ عنف الكلمات، لنتمسّك بوداعة كلمة الله الّتي تخلِّص. وأخيرًا، لنسأل أنفسنا بعض الأسئلة. ما هو المكان الّذي أحتفظ به لكلمة الله في المكان الّذي أعيش فيه؟ قد يكون هناك كتب، وصحف، وأجهزة تلفزيون، وهواتف، ولكن أين الكتاب المقدّس؟ هل أحتفظ بالإنجيل في غرفتي في متناول يدي؟ هل أقرأه كلّ يوم لكي أجد فيه مسار الحياة؟ لقد نصحتكم مرّات عديدة أن تحملوا الإنجيل معكم دائمًا، في الجيب، في الحقيبة، في الهاتف المحمول: إذا كان المسيح عزيزًا عليّ أكثر من أيّ شيء آخر، فكيف يمكنني أن أتركه في المنزل ولا أحمل معي كلمته؟ وسؤال أخير: هل قرأت واحدًا على الأقلّ من الأناجيل الأربعة بالكامل؟ الإنجيل هو كتاب الحياة، وهو بسيط وقصير، إلّا أنّ العديد من المؤمنين لم يقرؤوا حتّى إنجيلاً واحدًا من البداية إلى النّهاية.

أيّها الإخوة والأخوات، إنّ الله، يقول الكتاب المقدّس، هو "مبدأ وخالق كلّ جمال": لنسمح بأن يجتذبنا الجمال الّذي تحمله كلمة الله إلى الحياة".