الفاتيكان
16 نيسان 2021, 12:30

البابا فرنسيس: علينا أن نبني مستقبلاً من سياسة مع الشّعب ومتجذّرة في الشّعب

تيلي لوميار/ نورسات
حدّد البابا فرنسيس أهمّيّة الشّعب في عمليّة تجدّد السّياسة، مشيرًا إلى أنّ السّياسة الّتي تتجاهل الفقراء لن تكون قادرة أبدًا على تعزيز الخير العامّ.

هذا الكلام قاله البابا في رسالته إلى المؤتمر الدّوليّ "A Politics Rooted in the People" (سياسة متجذّرة في الشّعب)، والّذي ينظّمه مركز وجماعة اللّاهوت في لندن حول كتاب البابا فرنسيس "Torniamo a sognare" ، وقد جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":  

"إنَّ أحد أهداف لقائكم هو إظهار أنّ الاستجابة الحقيقيّة لصعود الشّعبوية لم تعد فرديّة بعد الآن بل على العكس: سياسة الأخوَّة المتجذّرة في حياة الشّعب. في كتاب حديث له، يصف القسّ أنجوس ريتشي هذه السّياسة الّتي تتبعونها بأنّها "شعبويّة إدماجيّة"، أمّا أنا فأحبّ استخدام مصطلح "الشّعبيّة" للتّعبير عن الفكرة عينها. لكن ما يهمّنا ليس الاسم بل الرّؤية، وهي نفسها: إنّها مسألة إيجاد آليّات تضمن لجميع الأشخاص حياة جديرة بأن تُدعى بشريّة، حياة قادرة على تنمية الفضيلة وصياغة روابط جديدة.

في كتاب "Torniamo a sognare" أسمّي هذه السّياسة، سياسة كخدمة تفتح مسارات جديدة أمام الشّعب لكي ينظّم نفسه ويعبّر عن ذاته. إنّها سياسة ليس فقط من أجل الشّعب وإنّما مع الشّعب، ومتجذّرة في جماعاته وقيمه. أمّا الشّعبويّة فتتبع كإلهام شعار آخر: "كلّ شيء من أجل الشّعب، لا شيء مع الشّعب"، وبالتّالي يترتّب على ذلك أنّ الشّعب في الرّؤية الشّعبويّة ليس رائد مصيره، لكنّهم في نهاية المطاف مديون لأيديولوجيّة.

عندما يتمّ استبعاد الشّعب، فهو لا يُحرم من الرّفاه المادّيّ فحسب، بل يُحرم أيضًا من كرامة التّصرُّف، ومن كونه رائد تاريخه، ومصيره، والتّعبير عن نفسه بقيمه وثقافته، وإبداعه وخصوبته. لهذا السّبب، لا يمكن للكنيسة أن تفصل تعزيز العدالة الاجتماعيّة عن الاعتراف بقيم وثقافة الشّعب، بما في ذلك القيم الرّوحيّة الّتي هي مصدر شعوره بالكرامة. في الجماعات المسيحيّة، تنشأ هذه القيم من اللّقاء بيسوع المسيح، الّذي يبحث بلا كلل عن المحبَط أو الضّائع، والّذين يذهب إلى أقصى حدود الوجود لكي يكون وجه الله وحضوره، ليكون "الله معنا".

لقد عمل العديد منكم أنتم المجتمعين هنا لسنوات وهم يفعلون ذلك في الضّواحي ويرافقون الحركات الشّعبيّة. يمكن لهذا الأمر في بعض الأحيان ألّا يكون مريحًا. قد يتَّهمكم البعض بأنّكم سياسيّين أكثر من اللّازم، أمّا البعض الآخر فقد يتّهمك بالرّغبة في فرض الدّين. لكنّكم ترون أنّ احترام الشّعب يعني احترام مؤسّساته، بما في ذلك المؤسّسات الدّينيّة؛ وأنّ دور هذه المؤسّسات ليس في فرض أيّ شيء وإنّما في السّير مع الشّعب وتذكيره بوجه الله الّذي يسبقنا على الدّوام.

لذلك أتحدّث في كتاب "Torniamo a sognare" عن رغبة: أن يكون لكلّ أبرشيّات العالم تعاون مستمرّ مع الحركات الشّعبيّة. إنّ الذّهاب للقاء المسيح الجريح والقائم من الموت في الجماعات الأشدّ فقرًا يسمح لنا باستعادة قوّتنا الرّسوليّة، لأنّ الكنيسة وُلدت هكذا، في ضواحي الصّليب. وبالتّالي إن لم تهتمّ الكنيسة بالفقراء، فإنّها تتوقّف عن كونها كنيسة يسوع وتعيش مجدّدًا التّجارب القديمة لتحويل نفسها إلى نخبة فكريّة أو أخلاقيّة، شكل جديد من أشكال البيلاجيّة أو الحياة الأسّينيّة.

وبالطّريقة عينها فإنّ السّياسة الّتي تتجاهل الفقراء لن تكون قادرة أبدًا على تعزيز الخير العامّ. إنّ السّياسة الّتي لا تهتمُّ بالضّواحي لن تفهم المحور أبدًا وستخلط بين المستقبل والانعكاس من خلال المرآة. تتمثّل إحدى طرق تجاهل الفقراء في احتقار ثقافتهم وقيمهم الرّوحيّة وقيمهم الدّينيّة، إمّا بتهميشهم أو باستغلالهم من أجل السّلطة. إنّ ازدراء الثّقافة الشّعبيّة هو بداية سوء استخدام السّلطة. من خلال الاعتراف بأهمّيّة الرّوحانيّة في حياة الشّعوب، تتجدّد السّياسة. لذلك من الضّروريّ أن تلتقي الجماعات الدّينيّة، وتتآلف لكي تعمل "من أجل الشّعب ومعه". وبالتّالي مع أخي الإمام الأكبر أحمد الطّيّب قد اتّخذنا ثقافة الحوار كمسيرة، والتّعاون المشترك كسلوك والمعرفة المتبادلة كأسلوب ومعيار.

الآن أكثر من أيّ وقت مضى، أيّها الأصدقاء الأعزّاء، علينا أن نبني مستقبلاً من الأسفل، من سياسة مع الشّعب ومتجذّرة في الشّعب. وليساعدكم مؤتمركم على إنارة المسيرة."