الفاتيكان
09 كانون الأول 2018, 13:00

البابا فرنسيس: سرُّ الحياة هو الثّقة بالله

لمناسبة عيد سيّدة الحبل بلا دنس، تلا البابا فرنسيس ظهر يوم السّبت مع وفود الحجّاج والمؤمنين المحتشدين، في ساحة القدّيس بطرس، صلاة التّبشير الملائكيّ. وقبل الصّلاة ألقى الأب الأقدس كلمةً قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"تقدّم لنا كلمة اللّه اليوم خيارًا آخر. في القراءة الأولى نجد الإنسان الذي، وفي البدء، يقول لا للّه. أمّا في الإنجيل نجد مريم التي تقول "نعم" للّه في البشارة. نجد في القراءتين أنّ الله هو الذي يبحث عن الإنسان، ولكن في الحالة الأولى يذهب اللّه إلى آدم، بعد الخطيئة، ويقول له: "أين أنت؟" فيجيبه: "لقد اختبأت". أمّا في الحالة الثّانية فيذهب إلى مريم، التي بدون خطيئة، فتجيبه: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ". وبالتّالي هذه الـ "هأنذا" هي عكس "لقد اختبأت"؛ والـ "هأنذا" تفتحنا على اللّه، فيما أنَّ الخطيئة تغلقنا وتعزلنا وتجعلنا نبقى وحدنا.

هأنذا هي الكلمة-الأساسيّة للحياة. تطبع العبور من حياة أفقيّة تتمحور حول ذواتنا وحاجاتنا، إلى حياة عاموديّة تنطلق نحو الله. الـ "هأنذا" هي أن نكون جاهزين للرّب، هي العلاج ضدّ الأنانية والتّرياق لحياة غير راضية ينقصها شيء ما على الدّوام. الـ "هأنذا" هي الدّواء ضدّ شيخوخة الخطيئة، إنّها العلاج لكي نبقى شبابًا في داخلنا. الـ "هأنذا" هي أن نؤمن أنّ الله أهمّ من الـ "أنا". لذلك أن نقول لله "هأنذا" هو التّسبيح الأكبر الذي يمكننا أن نرفعه له. فلماذا إذًا لا نبدأ أيّامنا بهذه الطّريقة؟ سيكون أمرًا جميلاً أن نقول في صباح كلّ يوم: "هأنذا يا ربّ، لتتحقق مشيئتك اليوم فيَّ". سنقوله في صلاة التّبشير الملائكيّ، ولكن يمكننا أن نكرّره الآن معًا: "هأنذا يا ربّ، لتتحقق مشيئتك اليوم فيَّ".

تُضيف مريم: "فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ". هي لا تقول "ليكن ما أريد" وإنّما "ما تريد أنت". هي لا تضع حدودًا للّه، ولا تفكّر: "سأكرّس نفسي قليلاً له، وأتعامل مع الأمر بسرعة ومن ثمَّ أفعل ما أريده". لا، مريم لا تحبّ الرّب فقط عندما يناسبها الأمر؛ بل تعيش واثقة باللّه في كلِّ شيء. هذا هو سرُّ الحياة. من يثق باللّه يمكنه أن يفعل كلَّ شيء.

 

أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يتألّم الرّبّ عندما نجيبه كآدم: "لقد خفتُ فأختبأت". الله هو أب، لا بل الأحنّ بين الآباء، ويريد ثقة الأبناء. ولكن كم من مرّة نشكُّ فيه ونفكّر في أنّه قد يرسل لنا تجربة ما ويحرمنا من حرّيتنا ويتركنا. ولكنها خدعة كبيرة، إنّها تجربة البدايات، تجربة الشّيطان: أن يدُسَّ عدم الثّقة باللّه. مريم تنتصر على هذه التّجربة الأولى بالـ "هأنذا" التي قالتها. واليوم نحن ننظر إلى جمال العذراء التي ولدت وعاشت بدون خطيئة، طائعة على الدّوام وشفّافة أمام اللّه.  

هذا الأمر لا يعني أنّ الحياة كانت سهلة بالنّسبة لها. إنّ الإقامة مع الله لا تحلّ المشاكل بشكل سحريّ. وتذكّرنا بذلك نهاية الإنجيل اليوم: "وَانصرَفَ الـمَلاكُ مِن عِندِها". "انصرف": هو فعل قويّ. لقد ترك الملاك العذراء وحدها في وضع صعب. هي كانت تعرف جيدًا بأيّ شكل مميّز كانت ستصبح أمَّ الله، ولكن الملاك لم يشرح هذا الأمر للآخرين. وبالتّالي، بدأت المشاكل فورًا: لنفكّر في وضعها غير الشّرعي بالنّسبة للشّريعة وفي عذاب القدّيس يوسف ومشاريع الحياة التي تلاشت، وفي ما يجب عليه أن يقوله للنّاس... لكن أمام المشاكل تضع مريم ثقتها في اللّه. لقد تركها الملاك، ولكنّها تؤمن أنَّ الله قد بقي معها وفي داخلها وتثق به. هي متأكّدة أنَّ مع الرّب كلُّ شيء سيسير على ما يرام، حتى وإن كان ذلك بأسلوب غير منتظر. هذا هو الموقف الحكيم: ألا نعيش مرتبطين بالمشاكل - ينتهي واحد، ويأتي غيره -وإنّما واثقين باللّه ومُتّكلين عليه يوميًّا: هأنذا! لنطلب من العذراء سيّدة الحبل بلا دنس نعمة العيش بهذه الطّريقة.

وبعد الصّلاة، حيّا الأب الأقدس المؤمنين وقال اليوم في مزار "Notre-Dame de Santa Cruz" في وهران، في الجزائر تمَّ تطويب الأسقف بييترو كلافيري وثمانية عشرة راهب وراهبة قُتلوا بسبب إيمانهم. إنّ شهداء زمننا هؤلاء كانوا معلنين أمناء للإنجيل، وبناة سلام متواضعين، وشهودًا بطوليين للمحبّة المسيحيّة. أسقف وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين: إنَّ شهادتهم الشّجاعة هي مصدر رجاء للجماعة الكاثوليكيّة في الجزائر وبذرة حوار للمجتمع بأسره. ليكن هذا التّطويب للجميع حافزًا لكي يبنوا معًا عالم أخوّة وتضامن. لنصفّق معًا للطّوباويّين الجدد!