البابا فرنسيس: سراج الإيمان يطلُب أن يُغذّى باستمرار بواسطة لقاء قلوبنا مع قلب يسوع في الصّلاة
"في إنجيل اليوم يُذكّر يسوع تلاميذه بالسّهر المُستمرّ لكي يفهموا عبور الله في حياتهم، ويُشير إلى الأساليب لكي يعيشوا جيّدًا هذا السهر: "لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولتَكُن سُرُجُكُم مُوقَدَة". أولاً "لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة"، صورة تذكّر بموقف الحاج المُستعدّ للانطلاق في المسيرة. وبالتّالي، يتعلّق الأمر بألّا نضع جذورنا في منازل مريحة ومُطمئنة، بل أن نستسلم ببساطة وثقة إلى مشيئة الله الذي يقودنا نحو الهدف المُقبل. إنَّ الذي يثق بالله في الواقع، يعرف جيّدًا أنَّ حياة الإيمان ليست أمرًا جامدًا بل ديناميكيًّا: إنّها مسيرة مستمرّة نتوجّه خلالها نحو مراحل جديدة على الدوام يدُلُّنا عليها الرّب يومًا بعد يوم.
من ثمّ يُطلب منّا أن تكون "سُرُجنا موقدة" لكي نكون قادرين على إنارة ظلام الليل. نحن مدعوّون لكي نعيش إيمانًا حقيقيًّا وناضجًا، قادرًا على إنارة العديد من أشكال "ليل" الحياة. إنّ سراج الإيمان يطلُب أن يُغذّى باستمرار بواسطة لقاء قلوبنا مع قلب يسوع في الصّلاة والإصغاء لكلمته. هذا السّراج قد أوكِل إلينا من أجل خير الجميع. وبالتّالي، لا يُمكن لأحد أن يعزل نفسه في ثقته بخلاص نفسه بدون أن يهتمَّ للآخرين. إنّ الإيمان الحقيقيّ يفتح قلوبنا على القريب ويدفعنا نحو الشّركة الملموسة مع الإخوة، ولاسيّما الذين يعيشون في العوز.
يُخبر بعدها يسوع مثل العبيد الذي ينتظرون عودة سيّدهم من العرس، مقدّمًا هكذا جانبًا آخر من السّهر: الاستعداد للّقاء الأخير والنّهائيّ مع الرّبّ. "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم. وإِذا جاءَ في الهَزيعِ الثَّاني أَوِ الثَّالِث، ووَجدَهم على هذِه الحال فَطوبى لَهم". بهذه الكلمات يُذكّرنا الرّبّ أنَّ الحياة مسيرة نحو الأبديّة، ولذلك نحن مدعوّون لكي نجعل وزناتنا تُثمر بدون أن ننسى أبدًا أنّه "لَيسَ لَنا هُنا مَدينةٌ باقِيَة، وإِنَّما نَسعى إِلى مَدينَةِ المُستَقبَل" (عبرانيين ١٣، ١٤). في هذا المنظار تصبح كلّ لحظة ثمينة؛ ولذلك علينا أن نعيش ونعمل على هذه الأرض فيما نحمل في قلوبنا الحنين إلى السّماء.
إن عشنا بتناغم مع الإنجيل ووصايا الله، فهو سيجعلنا، في الوطن السّماويّ، نُشارك في فرحه الأبدي. لا يمكننا أن نفهم فعلًا على ما يقوم هذا الفرح العظيم، لكن يسوع يجعلنا نفهم ما هو عليه من خلال التّشبيه للسّيّد، الذي وإذ وجد العبيد ساهرين لدى عودته "يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم". هكذا يظهر فرح الفردوس الأبديّ: ينقلب الوضع رأسًا على عقب، ولن يكون العبيد، أيّ نحن، هم الذين يخدمون الله ولكن الله نفسه هو الذي سيخدمنا.
وإنّ فكرة اللّقاء النّهائيّ مع الآب الغنيّ بالمراحم تملؤُنا بالرّجاء، وتحثُّنا على الالتزام الدّائم من أجل قداستنا، ومن أجل بناء عالم أكثر عدالة وأخوّة. لتعضد العذراء مريم إلتزامنا هذا بشفاعتها الوالديّة."