الفاتيكان
27 آذار 2019, 08:52

البابا فرنسيس زار بلديّة روما، فماذا قال لمجلسها؟

أضاء البابا فرنسيس على عراقة مدينة روما على الأصعد كافّة، وذلك خلال زيارته لمجلس المدينة في مقرّ البلديّة، حيث استقبلته عمدة روما فيرجينيا راجي وأعضاء المجلس وممثّلي السّلطات.

 

بعد الشّكر، أكّد البابا في كلمته على رغبته في هذه الزّيارة منذ فترة للقاء العاملين ولشكر سلطات المدينة على التّعاون الّذي قدّمته لسلطات الكرسيّ الرّسوليّ خلال الاحتفال باليوبيل الاستثنائيّ، يوبيل الرّحمة، وخلال أحداث كنسيّة أخرى مختلفة. وشدّد بحسب "فاتيكان نيوز" على حاجة مثل هذه الأحداث للاستعداد والعمل الجيّد لمسؤولي روما قائلاً: "هذه المدينة شاهدة على التّاريخ العريق، وأصبحت عبر القرون مركز الكاثوليكيّة. وأشعّت على العالم مبادئها ومؤسّساتها بفضل الحكمة العمليّة لسكّانها، هذا إلى جانب كونها مدينة قدَّرت قيمة الجمال والفلسفة والفنّ وأدمجتها في حضارة عُرفت بالحضارة اليونانيّة الرّومانيّة. وفي هذه المدينة، وفي ظروف يصعب ألّا نعتبرها مخطّطًا، توّج الرّسولان بطرس وبولس باستشهادهما رسالتهما، وأصبحت دماؤهما مع دماء الكثير من الشهّود الآخرين بذرة أجيال جديدة من المسيحيّين. لقد منحا المدينة وجه جديدًا، وهي رغم الأحداث التّاريخيّة، بمآسيها وأنوارها وظلالها، لا تزال تبرق اليوم بغنى أصرحتها وأعمالها الفنّيّة، الكنائس والقصور.

لقد نجحت مدينة روما خلال تاريخها في استقبال ودمج شعوب مختلفة وأشخاص من جميع أنحاء العالم ينتمون إلى مجموعات اجتماعيّة واقتصاديّة مختلفة، وذلك بدون إلغاء الفروق المشروعة وبدون سحق التّميّز على صعيد الطّابع والهويّة، بل لقد وفّرت روما لهذه المجموعات الأرض الخصبة لإبراز أفضل ما لديها وتشكيل هويّة جديدة عبر الحوار المتبادل. لقد استقبلت روما الطّلّاب والحجّاج، السّيّاح واللّاجئين والمهاجرين من مناطق إيطاليّة مختلفة ومن دول عديدة، لتصبح قطب جذب وربط لكونها نقطة لقاء بين شمال القارّة الأوروبّيّة والبحر المتوسّط، بين الحضارتين اللّاتينيّة والجرمانيّة، بين السّلطات المدنيّة والسّلطة الدّينيّة. وبفضل قوّة كلمة الإنجيل تأسّس هنا الفصل، في إطار الاحترام المتبادل والتّعاون من أجل خير الجميع، بين السّلطات المدنيّة وتلك الدّينيّة. وبالتّالي هي مقصد ورمز لكلّ من يتوجّهون إلى هذه المدينة، باعتبارها عاصمة إيطاليا ومركز الكاثوليكيّة، للتّمتّع بجمال أصرحتها وآثار الماضي ولتكريم ذكرى الشّهداء والاحتفال بأعياد السّنة الطّقسيّة والحجّ في المناسبات اليوبيليّة، أو لتقديم الخدمات للمؤسّسات الوطنيّة الإيطاليّة أو للكرسيّ الرّسوليّ. إنّ روما تجبر بالتّالي السّلطات المدنيّة والرّوحيّة على الحوار المتواصل والتّعاون، كما وتستدعي التّحلّي بقدرة إبداعيّة في نسج العلاقات الجيّدة ومواجهة المشاكل العديدة.

هذا وإلى جانب كون روما مستودعًا كبيرًا لكنوز روحيّة وتاريخيّة، فنّيّة ومؤسّساتّية، فإنّها مدينة يسكنها حوالى 3 ملايين شخص، حيث يعملون ويدرسون، يُصلّون ويلتقون، ويشكّل هؤلاء فخرًا وجهدًا بالنّسبة لإدارة المدينة وكلّ من يعمل من أجل الخير العامّ للمدينة. وتحتاج روما، إلى عناية متواضعة ومثابرة وإلى شجاعة خلّاقة، وذلك كي لا يتردّى هذا البريق وكي تضاف إلى أمجاد الماضي مساهمة الأجيال الجديدة".

هذا وتحدّث البابا عن "دعوة جامعة لهذه المدينة، وعن كونها حاملة رسالة ومَثل بإمكانه تجاوز الجبال والبحار ليُروى للجميع، كما أنّ روما لكونها مقرّ خليفة القدّيس بطرس هي مرجع روحيّ للعالم الكاثوليكيّ بكامله. إنّ هذه الهويّة الخاصّة لروما تجعل من الضّروريّ أن تكون إدارتها قادرة على حكم هذا الواقع المركّب من خلال إجراءات وموارد ملائمة، ومن الأهمّ أن تتماشى روما مع واجباتها وتاريخها، وأن تكون أيضًا في ظروف اليوم المتغيّرة منارة حضارة ومعلّمة استقبال، وألّا تفقد الحكمة المتمثّلة في القدرة على الدّمج وأن تُشعِر كلّ واحد بأنّه مشارك بالكامل في مصير مشترك".

كما نقل رغبة الكنيسة في مساعدة سكّان روما على استعادة حس الانتماء إلى جماعة مميّزة، مشيرًا إلى "تعاون الكنيسة مع السّلطات المدنيّة والمدينة بكاملها من خلال الرّعايا والمدارس وهيئات أعمال المحبّة إلى جانب عمل المتطوّعين، وذلك كي تحافظ هذه المدينة على وجهها النّبيل ومشاعر المحبّة المسيحيّة والحسّ المدنيّ. إنّ روما تتطلّب وتستحقّ تعاون الجميع، وأن يضع الجميع، المواطنون والقوى الاجتماعيّة، المؤسّسات العامّة والكنيسة الكاثوليكيّة والجماعات الدّينيّة الأخرى، أنفسهم في خدمة الخير العامّ لروما وسكّانها، وبخاصّة من هم على الهامش لأيّ سبب كان، مقصيّين تقريبًا أو منسيّين ويعانون من ألم المرض والوحدة".

كما ذكّر البابا مجلس مدينة روما بمرور 45 سنة على مؤتمر بعنوان "مسؤوليّة المسيحيّين أمام تطلّعات المحبّة والعدالة في أبرشيّة روما"، وقال البابا: "إن هذ المؤتمر التزم بترجمة عمليّة لتوجيهات المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، وسمح هذا بمواجهة الأوضاع الفعليّة لضواحي المدينة بوعي أكبر، ضواحي كانت قد وصلتها جموع من المهاجرين من مناطق إيطاليّة أخرى. هذه الضّواحي وغيرها تشهد اليوم وصول أعداد كبيرة من مهاجرين يفرّون من الحروب والفقر بحثًا عن ظروف آمنة وحياة كريمة. وروما مدعوّة إلى مواجهة هذا التّحدّي الكبير في إطار تاريخها النّبيل، واستغلال طاقاتها للاستقبال والدّمج وتحويل التّوتّر والمشاكل إلى فرص لقاء ونموّ. أرجو في أن تنجح روما، الّتي أخصبتها دماء الشّهداء، في أن تستلهم من ثقافتها الّتي شكّلها الإيمان بالمسيح موارد الإبداع والمحبّة اللّازمة لتجاوز الخوف الّذي يهدّد بإيقاف المبادرات والمسيرات المحتملة، فروما هي مدينة جسور لا جدران. أدعو إلى عدم الخوف من الطّيبة والمحبّة، فهما يشيّدان مجتمعًا سلميًّا قادرًا على مضاعفة القوى ومواجهة المشاكل بقلق أقلّ وكرامة أكبر واحترام للجميع والانفتاح على فرص التّنمية الجديدة".

وفي الختام، جدّد رغبة الكرسيّ الرّسوليّ في "التّعاون بشكل أكبر وأفضل من أجل خير المدينة وفي خدمة الجميع، وبخاصة الأكثر فقرًا وضعفًا، من أجل ثقافة اللّقاء ومن أجل إيكولوجيا متكاملة. يشجّع الكرسي الرّسوليّ من جهة أخرى، مؤسّساته كافّة وجميع الأشخاص والجماعات الّذين يرون فيه مرجعًا، على الالتزام الفعّال للشّهادة على فعاليّة وجاذبيّة الإيمان الّذي يصبح فعلاً ومبادرة وإبداعًا في خدمة الخير. أرجو أن يشعر الجميع بمشاركتهم في بلوغ هذا الهدف، وأن يؤكّدوا بوضوح الأفكار وقوّة الشّهادة اليوميّة أفضل ما لدى روما من تقاليد ورسالة المدينة، كي يساعد هذا في ميلاد أخلاقيّ وروحيّ جديد للمدينة. أوكل عمدة روما وأعضاء مجلس المدينة وعملهم إلى حماية العذراء خلاص الشّعب الرّومانيّ، وشفيعي المدينة القدّيسَين بطرس وبولس، وأستمطر على الجميع وافر البركات الإلهيّة، وأطلب من الحضور الصّلاة من أجلي".