البابا فرنسيس: المعموديّة هي عيد ميلادٍ ثانٍ
وتابع البابا فرنسيس تعليمه يقول نقلاً عن "إذاعة الفاتيكان": "نتذكّر هذا السّرّ في رشّ المياه المباركة الّذي يمكن القيام به يوم الأحد في بداية القدّاس كما في تجديد وعود العماد خلال العشيّة الفصحيّة. في الواقع إنَّ ما يحصل في الاحتفال بالمعموديّة يولِّد ديناميكيّة روحيّة تعبر حياة المعمّدين بأسرها؛ إنّها بداية عمليّة تسمح لنا بالعيش متّحدين بالمسيح في الكنيسة. لذلك تحملنا العودة إلى مصدر الحياة المسيحيّة لنفهم بشكل أفضل العطيّة الّتي نلناها يوم عمادنا ونجدّد التزام الإجابة عليها في الحالة الّتي نعيش فيها اليوم. وبالتّالي علينا أن نجدّد التزامنا ونفهم بشكل أفضل هذه العطيّة الّتي هي المعموديّة ونتذكّر يوم عمادنا. لقد طلبت منكم يوم الأربعاء الماضي أن تتذكّروا يوم عمادكم وأن تسألوا عن تاريخ ذلك اليوم لأنَّ بعضكم يعرفونه أمّا البعض الآخر فلا يعرفونه ولذلك فليسألوا أهلهم أو عرابيهم عن تاريخ معموديّتهم لأنَّ المعموديّة هي ولادة ثانية وهي كعيد ميلاد ثان.
في رتبة الاستقبال يُسأل عن اسم المرشّح لأنَّ الاسم يشير إلى هويّة الشّخص. عندما نقدِّم أنفسنا نقول فورًا اسمنا: "أُدعى كذا" لنخرج من حالة المجهول. بدون اسم نبقى مجهولين بلا حقوق وواجبات. إنَّ الله يدعو كلَّ فرد باسمه ويحبّنا بشكل فرديّ في واقع تاريخنا. إنَّ المعموديّة تشعل الدّعوة الشّخصيّة لنعيش كمسيحيّين والّتي تتطوّر خلال الحياة وتتطلّب جوابًا شخصيًّا لا مُستعارًا. إنَّ الحياة المسيحيّة في الواقع منسوجة بسلسلة من الدّعوات والإجابات: إنَّ الله يلفظ اسمنا باستمرار خلال السّنين مردِّدًا هكذا وبآلاف الأشكال صدى دعوته لكي نصبح شبيهين بابنه يسوع. ولذلك فالاسم مهمّ جدًّا! يفكِّر الوالدان بالاسم الّذي سيعطونه لابنهما قبل الولادة: هذا الأمر أيضًا هو جزء من انتظار ابن سيحمل في اسمه هويّته المميّزة حتّى في الحياة المسيحيّة المرتبطة بالله.
أن نصبح مسيحيّين هي عطيّة تأتي من العلى؛ إذ لا يمكننا أن نشتري الإيمان وإنّما يمكننا أن نطلبه ونناله كعطيّة. وبالتّالي يمكننا أن نرفع هذه الصّلاة الجميلة: "امنحني يا ربّ عطيّة الإيمان، إجعلني أؤمن" لأنّ الإيمان يُطلب كعطيّة ولا يمكننا شراؤه. في الواقع إنَّ المعموديّة هي سرُّ الإيمان الّذي من خلاله يجيب الأشخاص المُستنيرين من نعمة الرّوح القدس على إنجيل المسيح. إنَّ ما يولِّد ويوقظ إيمانًا صادقًا كجواب للإنجيل هما تنشئة الموعوظين وتحضير الوالدين، تمامًا كالإصغاء إلى كلمة الله في الاحتفال بالمعموديّة.
إن كان الموعوظين البالغين يظهرون بأنفسهم ما يرغبون في نواله كعطيّة من الكنيسة، فالوالدان والعرّابان هم الّذين يقدِّمون الأطفال، ويسمح لهم الحوار أن يعبِّروا عن الرّغبة في أن ينال الصّغار المعموديّة وللكنيسة النّيّة بالاحتفال بها، والعلامة لذلك هي علامة الصّليب الّتي يرسمها المحتفل والوالدان على جبهة الأطفال. إنّ علامة الصّليب تعبِّر عن ختم المسيح على الّذي سينتمي إليه وتعني نعمة الفداء الّتي اكتسبها لنا المسيح بواسطة صليبه. في الاحتفال بالمعموديّة نرسم علامة الصّليب على الأطفال ولكنّني أريد أن أعود إلى موضوع قد تكلّمت عنه سابقًا. هل يعرف أطفالنا كيف يرسمون علامة الصّليب بشكل صحيح؟ لقد رأيت العديد من الأطفال الّذين لا يعرفون كيف يرسمون علامة الصّليب ولذلك عليكم أيّها الآباء والأمّهات والأجداد والجدّات والعرّابين والعرّابات أن تعلّموهم كيف يرسموها بشكل جيّد لأنّهم بواسطتها يكرِّرون ما تمَّ فعله في المعموديّة. علِّموا الأطفال أن يرسموا علامة الصّليب بشكل جيّد لأنّهم إن تعلّموها في صغرهم فسيرسمونها بشكل جيّد أيضًا فيما بعد، عندما يصبحون بالغين.
الصّليب هو الميزة الّتي تظهر ما نحن عليه: أسلوبنا في الكلام والتّفكير والنّظر والعمل تحت إشارة الصّليب، أيّ علامة محبّة يسوع إلى أقصى الحدود. يُطبع الأطفال على جباههم أمّا الموعوظين البالغين فيُطبعون أيضًا على حواسهم مع هذه الكلمات: "نالوا علامة الصّليب على آذانكم لتسمعوا صوت الرّبّ، وعلى عيونكم لتروا بهاء وجه الله، وعلى الفم لتُجيبوا على كلمة الله؛ وعلى الصّدر لكي يقيم المسيح بواسطة الإيمان في قلوبكم؛ وعلى الأكتاف لتحملوا نير المسيح العذب.
نصبح مسيحيّين بقدر ما يُطبع الصّليب فينا كعلامة "فُصحيّة"، إذ يجعل مرئيًّا وبشكل خارجيٍّ أيضًا الأسلوب المسيحيّ في مواجهة الحياة. إنّ رسم علامة الصّليب عندما نستيقظ وقبل الأكل وعند الخطر وللحماية من الشّرّ وفي المساء قبل النّوم يعني أن نقول لأنفسنا وللآخرين لمن ننتمي ومن نريد أن نكون. وهنا تكمن أهمّيّة أن نعلِّم الأطفال كيف يرسمون إشارة الصّليب! وكما نفعل لدى دخولنا الكنيسة يمكننا أن نفعل في البيت أيضًا فنحفظ في وعاء صغير ملائم القليل من الماء المبارك وهكذا وفي كلّ مرّة ندخل أو نخرج فيها نرسم إشارة الصّليب بذلك الماء ونتذكّر بأنّنا معمّدين. ولا تنسوا– وربّما قد أكثرت في التّكرار– علِّموا الأطفال كيف يرسمون إشارة الصّليب".
وفي ختام مقابلته العامة، أشار البابا فرنسيس إلى اجتماعات البنك العالميّ الّتي ستُعقد يوم السبت المقبل في واشنطن، وشجّع الجهود الّتي تسعى من خلال الإدماج الماليّ لكي تعزّز حياة الأشدَّ فقرًا وتشجّع نموًّا شاملاً حقيقيًّا يحترم الكرامة البشريّة.