الفاتيكان
01 نيسان 2020, 11:50

البابا فرنسيس: المعركة الأشرف هي ضدّ الخداع الدّاخليّ الّذي تولِّده خطايانا

تيلي لوميار/ نورسات
"التّطويب السّادس الّذي يعد برؤية الله والّتي تملك شرطًا وحيدًا وهو نقاوة القلب"، كان محور التّعليم الأسبوعيّ الّذي ألقاه البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"يقول المزمور: "التمسوا وَجْهِي". وَجْهَكَ يَا رَبُّ ألتمس لَا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي". هذا التّعبير يظهر العطش إلى علاقة شخصيّة مع الله ويعبّر عنها أيضًا سفر أيّوب كعلامة لعلاقة صادقة: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، والآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي".  وغالبًا ما أفكّر بمسيرة الحياة هذه وبعلاقاتنا مع الله. نعرف الله لأنّنا سمعنا عنه من ثمَّ نسير قدمًا وإن عشنا أمناء نتعرّف عليه بشكل مباشر... وهذا هو النّضج بالرّوح.

كيف نصل إلى هذه الحميميّة، أيّ إلى رؤية الله بأعيننا؟ يمكننا أن نفكّر على سبيل المثال بتلميذَي عمّاوس اللّذين كان الرّبّ يسوع يسير بقربهما أمّا أَعيُنَهُما فكانت قد حُجِبَت عن مَعرِفَتِه. لكنّ الرّبّ سيفتح أعينهما في نهاية مسيرة تجد ذروتها في كسر الخبز وكانت قد بدأت بتوبيخ: "يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء". هذا هو أساس عماهما: فلّة الفهم وبُطء القلب.

هنا تكمن حكمة هذه الطّوبى: لكي نتأمّل من الأهمّيّة بمكان أن ندخل إلى ذواتنا ونفسح المجال لله لأنّه وكما يقول القدّيس أوغسطينوس: "الله أقرب منّي من نفسي"؛ وبالتّالي لكي نرى الله لسنا بحاجة لأن نغيِّر نظَّاراتنا أو وجهة نظرنا أو اللّاهوتيّين الّذين يعلّموننا المسيرة وإنّما نحن بحاجة لأن نحرّر قلوبنا من كلّ ما يخدعها. هذه هي الدّرب الوحيدة! وهذا هو نُضج حاسم: عندما نُدرك أنَّ عدوّنا الأسوأ غالبًا ما يختبئ في قلوبنا وأنّ المعركة الأشرف هي ضدّ الخداع الدّاخليّ الّذي تولِّده خطايانا. لأنَّ الخطايا تغيّر رؤيتنا الدّاخليّة، وتغيِّر تقييمنا للأمور لأنّها تجعلنا نرى الأمور بشكل خاطئ.

لذلك من المهمِّ أن نفهم ما هي "نقاوة القلب"، ولكي نقوم بذلك علينا أن نتذكّر أنّه وبالنّسبة للكتاب المقدّس القلب ليس فقط مركز الأحاسيس ولكنّه المكان الأكثر حميميّة بالنّسبة للكائن البشريّ والفسحة الدّاخليّة الّتي يكون فيها المرء على حقيقته. ويقول إنجيل القدّيس متّى: "إِذا كانَ النُّورُ الَّذي فيكَ ظَلاماً، فَيا لَه مِن ظَلام!"؛ هذا النّور هو نظرة القلب ووجهة النّظر والملخّص والّذي من خلاله تتمُّ قراءة الواقع. لكن ما المقصود بالقول "قلب نقيّ"؟ إنّ صاحب القلب النّقيّ يعيش في حضرة الرّبّ ويحافظ في قلبه على ما يليق بهذه العلاقة مع الله، وهكذا فقط يمكنه أن يعيش حياة حميمة ومستقيمة وبسيطة.

وبالتّالي فالقلب النّقيّ هو نتيجة لعمليّة تتطلّب تحرّرًا وتخلِّيًا. إنّ القلب النّقيّ لم يولد نقيًّا ولكنّه عاش نوعًا من البساطة الدّاخليّة وتعلّم أن يرفض الشّرّ المقيم في ذاته؛ وهذا ما يسمّيه الكتاب المقدّس: "ختانة القلب". هذه التّنقية الدّاخليّة تتطلّب منّا الاعتراف بذلك الجزء من القلب الّذي يخضع لتأثير الشّرّ لكي نتعلّم فنَّ السّماح للرّوح القدس بأن يعلّمنا ويقودنا؛ فنقوم بمسيرة من القلب المريض والقلب الخاطئ والقلب الّذي لا يمكنه أن يرى الأمور بشكل جيّد لأنّه يعيش في الخطيئة إلى ملء نور القلب، وهذه المسيرة هي عمل الرّوح القدس؛ ومن خلال مسيرة القلب هذه نبلغ إلى "رؤية الله".

في هذه الرّؤية الطّوباويّة نجد بعدًا مستقبليًّا وإسكاتولوجيًّا كما في جميع التّطويبات الأخرى: إنه فرح ملكوت السّماوات الذي نسير نحوه. ولكن هناك أيضًا بعد آخر: رؤية الله تعني أن نفهم مخطّطات العناية الإلهيّة في كلّ ما يحصل لنا ونعترف بحضور الله في الأسرار وبحضوره في الإخوة ولاسيّما في الفقراء والمتألّمين ونراه حيثما يظهر.

هذه الطّوبى هي نوعًا ما ثمرة التّطويبات السّابقة: فإن أصغينا إلى عطش الخير الّذي يقيم فينا وكنّا متيقّنين لعيش الرّحمة فستبدأ مسيرة تحرّر تدوم مدى الحياة وتقودنا نحو السّماء. إنّه عمل جدّيّ، عمل يقوم به الرّوح القدس إن سمحنا له بأن يقوم به وإن انفتحنا على عمله ولذلك يمكننا القول إنّه عمل الله فينا– في محن الحياة– وعمل الله والرّوح القدس هذا يقودنا إلى فرح كبير وسلام حقيقيّ؛ فلا نخافنَّ إذًا ولنفتح أبواب قلوبنا للرّوح القدس لكي يطهّرنا ويقودنا قدمًا في هذه المسيرة نحو الفرح الكامل."