الفاتيكان
16 تشرين الثاني 2023, 12:15

البابا فرنسيس: القداسة تعطي الحياة للجماعة

تيلي لوميار/ نورسات
القداسة الّتي توحّد، قداسة العائلة، وقداسة الاستشهاد، ثلاث نقاط توقّف عندها البابا فرنسيس في كلمته إلى زوّاره المشاركين في المؤتمر الّذي تنظّمه دائرة دعاوى القدّيسين حول البعد الجماعيّ للقداسة، أكّد خلالها على أنّ "القداسة توحِّد، ومن خلال محبّة القدّيسين يمكننا أن نعرف سرّ الله الّذي، وإذ يتَّحد بكلّ إنسان، يعانق برحمته البشريّة جمعاء، ليكون الجميع واحدًا".

وفي تفاصيل الكلمة، قال البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ موضوع الدّعوة الشّاملة إلى القداسة، وفيها بعدها الجماعيّ، هو عزيز جدًّا على المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الّذي تحدّث عنه بشكل خاصّ في الدّستور العقائديّ نور الأمم. وليس من باب الصّدفة، من هذا المنظور، أنّه في السّنوات الأخيرة ارتفع عدد الاحتفالات بإعلان تطويب وتقديس رجال ونساء ينتمون إلى حالات مختلفة من الحياة: متزوّجون، وغير متزوّجين، كهنة، مكرّسات ومكرّسون، وعلمانيّون من جميع الأعمار، والأصول والثّقافات. وبشكل خاصّ، أردت في الإرشاد الرّسوليّ "افرحوا وابتهجوا" أن ألفت الانتباه إلى انتماء جميع هؤلاء الإخوة والأخوات إلى شعب الله المقدّس الأمين؛ وكذلك على قربهم منّا، كقدّيسين يعيشون بقربنا، وأعضاء في جماعاتنا، عاشوا محبّة كبيرة في الأمور الصّغيرة في الحياة اليوميّة، على الرّغم من محدوديّاتهم وعيوبهم، متّبعين يسوع حتّى النّهاية. لذلك أودّ الآن أن أتأمل معكم حول هذا الموضوع بالذّات، مسلّطًا الضّوء، من بين العديد من الجوانب الممكنة، على ثلاثة جوانب: القداسة الّتي توحِّد، قداسة العائلة، وقداسة الاستشهاد.

أوّلاً: القداسة الّتي توحِّد. نحن نعلم أنّ الدّعوة الّتي نحن مدعوّون إليها جميعًا تتحقّق أوّلاً في المحبّة، عطيّة الرّوح القدس الّذي يوحِّدنا في المسيح وبالإخوة: لذلك فهي ليست مجرّد حدث شخصيّ، وإنّما أيضًا حدث جماعيّ. عندما يدعو الله الفرد، يكون ذلك دائمًا لخير الجميع، كما في حالة إبراهيم وموسى، وبطرس وبولس. كذلك، كما يدعو يسوع، الرّاعي الصّالح، كلّ خروف من خرافه باسمه ويبحث عن الخروف الضّالّ لكي يعيده إلى الحظيرة، هكذا لا يمكن للجواب على محبّته أن يتمَّ إلا في ديناميكيّة المشاركة والشّفاعة. وهذا ما يُظهره لنا الإنجيل، على سبيل المثال بالنّسبة لمتّى الّذي، ما إن دعاه يسوع، دعا أصدقاءه للقاء المسيح، أو بالنّسبة لبولس الّذي، بعد أن التقى القائم من بين الأموات، أصبح رسول الأمم.

تُعبّر عن هذا الواقع بطريقة مؤثّرة بشكل القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع، الّتي وفي الذّكرى الخمسين بعد المائة لولادتها، كرّست الإرشاد الرّسوليّ "C'est la confiance". في كتاباتها، وبصورة بيبليّة موحية، هي تتأمّل البشريّة جمعاء كـ"حديقة يسوع"، الّذي يغمر بحبّه جميع أزهارها في الوقت عينه بطريقة شاملة وحصريّة، وتطلب أن تتَّقد بوهج نار هذا الحبّ، لكي تقود بدورها جميع الإخوة إلى يسوع. إنّها البشارة "بالجذب"، وهي في الوقت عينه ثمرة أسمى خبرة صوفية للحبّ الشّخصيّ ولصوفيّة الـ"نحن". وفيها يتداخل أسلوبان لحضور الرّبّ، سواء داخل الفرد أو بين الّذين يجتمعون باسمه؛ في "قصر النّفس" وفي "قصر الجماعة"، لكي أستخدم صورة عزيزة على القدّيسة تريزيا الأفيليّة. إنَّ القداسة توحِّد، ومن خلال محبّة القدّيسين يمكننا أن نعرف سرّ الله الّذي "وإذ يتَّحد بكلّ إنسان" يعانق برحمته البشريّة جمعاء، ليكون الجميع واحدًا. ما أحوج عالمنا لأن يجد الوحدة والسّلام في هذا العناق!

لننتقل إلى النّقطة الثّانية: قداسة العائلة. هي تسطع بشكل بارز في عائلة النّاصرة المقدّسة. ومع ذلك، تقدّم لنا الكنيسة اليوم عنها أمثلة أخرى كثيرة: أزواج قدّيسون، كان كلّ من الزّوجين أداة لتقديس الآخر. لنفكّر في القدّيسين لويس وزيلي مارتان؛ والطّوباويّين لويجي وماريا بلترامي كواتروكي؛ والمكرَّمَين تانكريدي وجوليا دي بارولو؛ والمكرّمين سيرجيو ودومينيكا برنارديني. إنّ قداسة الزّوجين، بالإضافة إلى كونها قداسة شخصين مختلفين، هي أيضًا قداسة مشتركة في الزّواج: وبالتّالي، هي مضاعفة- وليس مجرّد إضافة- للعطيّة الشّخصيّة لكلّ منهما، والّتي تُنقل إلى الآخر. ومثال ساطع على هذا كلّه قُدِّم لنا مؤخّرًا في تطويب الزّوجين جوزيف وفيكتوريا أولما وأولادهما السّبعة: جميعهم شهداء. ويذكّروننا أيضًا أنّ القداسة هي مسيرة جماعيّة، نسيرها اثنين اثنين وليس وحدنا.

ونصل هكذا إلى النقطة الثّالثة: قداسة الاستشهاد. إنّه نموذج قويّ، ولنا أمثلة كثيرة عليه عبر تاريخ الكنيسة، من الجماعات الأولى وصولاً إلى العصر الحديث، على مرّ القرون وفي مختلف أنحاء العالم. ولا توجد فترة لم يكن لديها شهدائها، وصولاً إلى يومنا هذا. ولا يجب أن ننسى أنّ زمننا هو أيضًا زمن الشّهداء! وغالبًا ما يتعلّق الأمر بجماعات بأسرها عاشت الإنجيل ببطولة أو قدّمت لله حياة جميع أعضائها. ويتّسع الحديث أكثر إذا أخذنا في عين الاعتبار البعد المسكونيّ لاستشهادهم، إذ نتذكّر الأشخاص المنتمين إلى جميع الطّوائف المسيحيّة. لنفكّر على سبيل المثال في مجموعة الواحد والعشرين شهيدًا قبطيًا الّذين تمَّ إدخالهم مؤخّرًا في السّنكسار الرّومانيّ.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنَّ القداسة تعطي الحياة للجماعة، وأنتم، من خلال عملكم، تساعدوننا لكي نفهم واقعها وديناميكيّاتها ونحتفل بهما بشكل أفضل، في المسارات العديدة والمتنوّعة الّتي تسبرونها وتقترحونها لكي نكرِّمها؛ مختلفة، ولكنّها جميعها موجّهة إلى الهدف عينه: ملء الحبّ. أشكركم على ذلك وأشجّعكم على مواصلة مهمّتكم الجميلة بفرح، من أجل خير الأفراد ونموّ الجماعات. أبارككم من كلِّ قلبي ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."